عند نهاية الخاسكية، وفي الركن المقابل لشارع قابل، كان دكان الخواجة "يَنّي". لا بدّ أنني كنتُ في التاسعة من العمر، عندما خرجنا من الخاسكية باتجاه سوق الأشراف. أشار والدي رحمه الله إلى الدكان وقال: هذا محل الخواجة "ينّي". هو شخص يوناني استوطن مدينة جدة حتى أصبح أحد علاماتها. ومحله الذي يبيع فيه الجبن والزيتون والباسطرما والمخلّلات وغيره من "المحدّقات" أصبح أحد معالمها. لا أريد أن أخوض في سيرة الخواجة وعلاقته بجدة وأهلها وعلاقتهم به. فذلك حديث طويل. ولكن تداعى إلى خاطري، ذلك كله، عندما علمتُ بالعمل الذي تقوم به أمانة مدينة جدة من أجل إزالة التعديات التي تمّت في شارع قابل على مدى ثمانين عاماً! عندما اشترى سليمان قابل الشارع من الملك علي بن الحسين في عام 1344ه، كان الأخير في حاجة إلى المال والعتاد. وقيل إن الصفقة كانت في صالح المشتري. فاستجلب سليمان قابل صفائح الألومنيوم المضلّعة من ألمانيا، وأنشأ بها سقفاً للسوق في ذلك الشارع التجاري الذي عُرف بعد ذلك باسمه. ثم أحضر مولداً للكهرباء أنار به جميع دكاكين السوق. فكان شارع قابل أول شارع تجاري يضاء بالكهرباء في المملكة. يعرف كبار السن من أهل جدة قصصاً كثيرة وأحداثاً مثيرة لهذا الشارع. ربما حكوها لأبنائهم وأحفادهم. ولكن العزّ القديم صعب الدوام. لقد تغيّرت السحنات والأيام. فتغير البائعون كما تغيّر المشترون. فأصبح الآن متوسط دخل الدكان بين خمس مئة ريال إلى ألف ريال يومياً. ومن أجل إصلاح التعديات يخسر تجار السوق أكثر من ست مئة ألف ريال أسبوعياً. يا أمانة.. رفقاً ببقايا التاريخ، وعبقه، وبصغار الباعة. [email protected]