(الرياض) شارك من خلال تويتر فيسبوك جوجل بلس اكتب رأيك حفظ أكد عدد من الخبراء والمختصين بالشؤون الاقتصادية أن إنشاء المزيد من المدن الاقتصادية وبناء قطاعات إنتاجية جديدة يعد من أبرز أولويات تنوع الدخل المطلوب في الفترة المقبلة. وأشاروا إلى أن الأوضاع التي يمر بها سوق النفط العالمي، ستكون لها انعكاسات على ميزانيات الدول المنتجة والمصدرة للنفط المعتمدة كليا على إيرادات النفط كمصدر وحيد للدخل. وقال الخبراء إن على هذه الدول البدء في التفكير جديا في تنويع مصادر الدخل القومي من خلال عدد من المقترحات والتي بدأت فعليا مثل المدن الاقتصادية في مناطق المملكة وكذلك المشاريع الضخمة مثل مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام وغيرها من المشاريع التي سوف تساهم في تسريع عجلة التنمية الاقتصادية في مدننا وتتحول إلى وجهة سياحية ودخل مالي للدولة. وقال الخبير الاقتصادي الدكتور إحسان أبو حليقة إنه منذ بداية النصف الثاني من العام (2014) ونحن نحبس أنفاسنا، فيما النفط، فارسنا القوي، يكابد، ولم يستطع إلا أن يهوي ليفقد ما يربو عن الأربعين بالمائة من قيمته. وفيما تكاثرت المقالات والتكهنات حول مستوى الإنفاق في الميزانية العامة المقبلة للمملكة، هل ستستمر الوتيرة التصاعدية للإنفاق العام أم ستثبت على ما أعلن للعام المالي الحالي 2014 (855 مليار ريال)، بمعنى أن الانفاق للعام 2015 لن يتجاوز 855 مليارا، أم أن الإنفاق سيتقلص، باعتبار أن أي تراجع لسعر البرميل عن 100 دولار سيعني ضغوطا على الاحتياطيات، لكن تصريح وزير المالية مؤخرا «قطع قول كلِ خطيب»، وأكد أن إنفاق الحكومة لا يزال هو قاطرة النمو الاقتصادي، بل يمكن بيان أن نحو ثلثي النمو في الناتج المحلي الإجمالي، على أقل تقدير، يمكن رده لتأثير الإنفاق العام، لاسيما أن جزءا مهما من الطلب على السلع والخدمات التي ينتجها القطاع الخاص مصدرها (أو ممولها) الإنفاق الحكومي، الذي مصدره -بصورة أساس- النفط. ومن ناحية أخرى فالتنمية في بلدنا لم تحقق التوازن بعد، ولذا ليس أمامها إلا خيار واحد وهو أن تستمر. واستطرادا، فلا يتصور أن تتأثر المشاريع التنموية في المناطق الإدارية المستهدفة بالتوازن التنموي مثل جازان والمناطق الشمالية، على سبيل المثال، كما أن مشاريع البنية التحتية سيتواصل الإنفاق عليها، باعتبار أنها هي متطلب لزيادة سعة الاقتصاد السعودي بما يمكنه من النمو. أما الأمر الثاني الذي يوجب استمرار الإنفاق فهو المشاريع المتأخرة والمتعثرة؛ فهذه يعاود الإنفاق عليها تباعا مع زوال أسباب تأخرها وتعثرها. وهكذا، فعند أخذ هذه العناصر مجتمعة، فسنخرج بأن الإنفاق فعليا لن يتراجع بأي قدر ملحوظ، ما يدفع للقول إن أفق نمو الاقتصاد السعودي إيجابي للعام المقبل (2015)، سواء ارتفع النفط أو انخفض، أما التفاوت فسيكون في القدر وليس الاتجاه. وقال أبو حليقة «أما ما يلف المشهد الاقتصادي محليا بالضبابية فليس تراجع سعر النفط، فذلك شأن الخزانة العامة، بل أسعار الأراضي؛ هل سترتفع أم تهبط؟، والعامل الحاسم هو حسم أمر فرض رسوم على الأراضي البيضاء المخصصة لعروض التجارة، فالخوف أن تطبق أفكاك الكماشة الثلاثة بالتزامن على اقتصادنا: سوق المال، وسوق الأراضي، وسوق النفط، ولا سبيل لنا إلا بالاستباق والمبادأة بكسر الترابط والتعاضد بينها، تحوطا من أن تنقض على اقتصادنا فتخنقه صبرا، ومن يشكك في ذلك، فليراجع «تلوي» مؤشر السوق المالية الأسبوع الفائت خوفا وهلعا من تواصل تدهور سعر النفط، ولم يخفف من ذلك إلا تصريح رسمي قبل صدور الموازنة، بين أن الإنفاق الحكومي لن يتقلص في العام المقبل (2015). وأشار أبو حليقة إلى إن حقائق السوق تقول إن خفض السعر سيضر بالجميع في المدى القصير، بما في ذلك الدول المنتجة الرئيسية بما فيها المملكة والولايات المتحدة، بل إن الضرر الأكبر سيصيب منتجي النفط الصخري الأمريكي، فكثير منهم بدأ في الإنتاج مؤخرا فلم يستغرق بعد التكاليف الرأسمالية المتكبدة، إضافة للارتفاع النسبي لتكلفة الإنتاج، ولذا فمن المبرر القول إنهم عرضة ليكونوا أول من يخرج من السوق في حال هبوط الأسعار لما دون السبعين دولارا. فهل ستضحي أمريكا بفرحتها الكبرى بأن ثمار سياسة الطاقة بدأت تؤتي أكلها؟ وهل تضحي كذلك بمنتجي النفط الصخري الأمريكان وتلقي بهم في أتون الخسائر والإفلاس؟. وقال الدكتور أبو حليقة: دون الإقلال من الجهد، لكن لا بد من الإقرار أن مشاريع النقل العام لا بد أن تنفذ دون مزيد من التأخير سواء في الرياض أو في سواها، لاعتبارات عديدة، أحدها: أننا نريد مدننا مدن مستقبل وليس مدنا تتقاتل مع مشاكل مزمنة لا تفارقها وتكابد في صراع لا ينتهي من أجل خدمات البنية التحتية، حتى يكون بوسعها أن تنافس بقية المدن من حولنا بل وحتى البعيدة عنا، فهي حاضنة الأنشطة الاجتماعية والتنوع الاقتصادي، وهي عنوان وخلاصة ومحصلة الجهود الأساسية للتنمية والنمو. ولا يخفى أن الدول تزين مدنها لتستقطب من خلالها المستثمرين ورجال الأعمال والسياح والزائرين، ونحن لسنا استثناء، ولا سيما أننا نرفع شعار التنويع الاقتصادي لجعل اقتصادنا متنوع المصادر وليس أسيرا للنفط. أدرك أن هناك من البيروقراطيين من يرفع شعار (الحكي في الماضي قلة عقل)، لكننا نختزن الماضي في عقولنا لا يفارقها لحظة لا لكي يثقل علينا حمل رؤوسنا، بل لنستفيد مما يمر بنا من تجاربنا نحن، ومن تجارب الآخرين. ومن تجاربنا أننا تركنا أمر النقل العام لأسباب لا أدركها، وكما ذكرت فإن مشروع مترو الرياض مكث سنوات طويلة ينتظر قبل أن يرى طريقه للتنفيذ، ومهم في هذا السياق القول: إنه ليس من الإنصاف لخبرائنا ومهندسينا ومخططينا أن يضعوا تصوراتهم ومحاذيرهم ثم تمكث وتتفاقم المشاكل وتتضاعف تكلفة الحلول، دون معرفة أسباب المكوث والتوقف، وتكلفة ذلك المكوث والتوقف من حيث تنفيذ المشروع قيد النظر، ومن حيث افتقاد خدمة ضرورية كالنقل العام، ومن حيث إهدار وقت سكان المدينة سواء أكانت الرياض أو سواها من مدننا. وفي سياق أوسع، أعود لأقول إننا بحاجة للارتقاء بمدننا وحواضرنا لتصبح مدن المستقبل؛ فنحن لا ننافس على اليوم، بل نبني ونستعد اليوم لتحسين قدرتنا التنافسية مستقبلا، وهكذا لا بد من التمعن في القضية المحددة وهي: الحواضر السعودية كمدنٍ للمستقبل، والخطوة الأولى في هذا السياق تشكيل فريق للعناية بهذا الأمر من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية بالإضافة لجهات أخرى، بما يمكن من تقييم وضع حواضرنا الرئيسية (في المرحلة الأولى) للخروج بمبادرات وبرامج للنهوض بها، حتى تستطيع أن تنافس وخلال مدى زمني محدد، وأن يكون تطوير تلك الحواضر بالتوازي، وأن يؤخذ ذلك بالاعتبار عند تنفيذ المشاريع على تنوعها. وهذا يستوجب جملة أمور لعل من أهمها أن يكون هناك سمة ومحور اجتماعي - اقتصادي لكل حاضرة، بمعنى ما ميزتها التنافسية. وكما ندرك جميعا، فإن الميزة النسبية هي منحة أو هبة، أما الميزة التنافسية فيصنعها الإنسان بجهده وتدبيره، وهذا ما نتحدث عنه هنا؛ حواضر مستقبلية تنافس ما سواها لتكون «مغناطيسا» لجذب كل ما فيه منفعة للبلد ولاقتصاده، تحقيقا لمنظور واع يحكمه هدف اقتصادي - اجتماعي وضمن مدى زمني محدد. وبالقطع، فإن مهمة تحويل مدننا وحواضرنا لمدن مستقبل ليس أمرا سهل المنال، فهو بمثابة هدف متحرك، إذ أن بقية مدن العالم تتطور وتحسن من مقدراتها في مسعى للارتقاء بتنافسيتها. أما ما قد يجعل الأمر في المتناول أن البلاد تمتلك العديد من الإمكانات التي تمكنها من تحقيق ذلك، في سباق مع الزمن لتنويع الاقتصاد وتحسين قدرتنا لاستغلال مواردنا البشرية وموقعنا الاستراتيجي وما نمتلكه من إمكانات. وأضاف أن مشروع «مدن المستقبل» ليس مشروعا لتدبيج الدراسات الإنشائية والأحاديث حول الاقتصاد الكلي، مما عرف، بل لوضع خطة استراتيجية ليس بالسعي لاستحداث مدينة أو اثنتين، كما كان مؤملا من مبادرة المدن الاقتصادية، رغم أهمية ذلك، لكن مبادرة «مدن المستقبل» تختلف نوعا؛ فهي تسعى لجعل حواضرنا القائمة حواضر متقدمة تقنيا، تدب بها الحيوية الاجتماعية والاقتصادية وترتقي بها قابلية استقطاب الاستثمارات والكوادر عالية التأهيل والمهارة. أما الحيوية الاجتماعية والاقتصادية فتتولد من السعي لجعل نوعية الحياة مميزة، بما يجعلها تكسب المنافسة مع مدن نظيرة من حيث جودة الخدمات والتعليم والصحة وبالتأكيد السكن، والحيوية الاقتصادية تعنى بتبسيط إطلاق الكيانات والحصول على الخدمات (على تنوعها) وبتكلفة منافسة. وأشار إلى أن مبادرة «مدن المستقبل» تعتمد في الأساس على بناء شبكة من الحواضر التنافسية تستفيد من مزايا المملكة، كل حاضرة تبعا لمزاياها النسبية الناتجة عن الموقع الجغرافي أو المخزون من الموارد الطبيعية أو المواد الخام أو المخزون البشري، وفي حين أن دولا عدة تسعى للاستفادة من موقع جغرافي محدود، نجد أن موقع المملكة بين قارتين وثلاثة منافذ مائية يجعل المهمة أقل صعوبة، يبقي وضع تصور منافس وتنفيذه. ويمكن الجدل أن المحور الأساس لمبادرة «مدن المستقبل» لن يكون نفطا بل الرغبة الأكيدة لتنويع الاقتصاد الوطني. ولا بد من الإقرار أن هذه الرغبة كانت دائما في البال، منذ الخطة الخمسية الأولى. ولا بد من الإقرار كذلك أن تنفيذ تلك الرغبة يتأرجح صعودا وهبوطا تبعا للدوافع. ويبدو أن ظهور منافس للنفط التقليدي مثل النفط الصخري، وتراجع أسعاره كما لاحظنا منذ بداية النصف الأول للعام الحالي (2014) سيوجد سببا إضافيا لنا لكي نتحرك وعنصر الزمن بين أعيننا، ليس استعجالا أو تعجلا بل استدراكا لما فات وتحسبا لما سيأتي. التخطيط الحاذق من جانبه، قال الاقتصادي فضل البوعينين إن المملكة تعتمد في تمويل موازنتها على إيرادات النفط؛ ما يجعلها أكثر تأثرا بمتغيرات الأسعار العالمية. وأن خسارة ما يقرب من 45 في المئة من الدخل سيحدث أثرا بالغا في الإيرادات؛ وبالتالي النفقات الحكومية؛ وخطط التنمية؛ إلا أن التخطيط المالي الحذق قادر على تحقيق التوازن المطلوب في موازنة العام المقبل. يمكن للحكومة التعايش مع أسعار نفط منخفضة لسنوات مقبلة؛ فانخفاض الدخل لا يعني بالضرورة إحداث تغيير جوهري في خطط التنمية؛ مع وجود بدائل التمويل. كما أن وجود الاحتياطيات المالية الضخمة سيسهم في خفض المخاطر؛ وتوفير بدائل جيدة لسد العجوزات المستقبلية؛ عوضا عن الاستدانة؛ في الوقت الذي توفر فيه التوقعات المستقبلية الدقيقة لأسعار النفط مزيدا من الطمأنينة حيال سعر برميل النفط الذي ستبنى عليه الموازنة. وأضاف أنه برغم انعكاسات أسعار النفط على الدخل؛ إلا أنها لم تتسبب في وقف عجلة التنمية؛ أو تأجيل خطط البناء والتوسع؛ لذا جاءت النفقات المتوقعة بحدود 860 مليار ريال وهو إصرار عل مواصلة الإنفاق ودعم الاقتصاد، وبرغم الإنفاق التوسعي، إلا أن هناك تحديات في الدخل يجب عدم تجاهلها، مشيرا إلى أنه يفترض أن تسهم تحديات الدخل الحالية في تعليق الجرس؛ وأن تحفز الحكومة لمراجعة خططها الاستراتيجية ذات العلاقة بتنويع مصادر الدخل؛ وبناء قطاعات الإنتاج، إضافة إلى دعم القطاع الخاص، وتفعيل دوره في التنمية ومساعدته على تحمل مسؤولياته الرئيسة، والانعتاق التدريجي من إيرادات النفط التي قد تتحول مع مرور الوقت إلى نقمة، إن لم نحسن إدارتها. وقال إن استثمار جزء من الاحتياطيات المالية لتطوير الاقتصاد، وبناء قطاعات إنتاج جديدة، إضافة إلى التوسع في استثمار المقومات التجارية المتاحة، من الأولويات الحكومية الواجب تفعيلها. فالاعتماد على النفط، أو الاحتياطيات المالية المودعة في الخارج أمر لا يخلو من المخاطر، فالنفط سلعة ناضبة، وأسعارها متغيرة، وقد تواجه بضرائب أو بدائل تضعف من أهميتها المستقبلية، في الوقت الذي يمكن أن تتعرض فيه الاحتياطيات الخارجية لمخاطر الوفاء، وهو أمر يمكن حدوثه في أي قت. وأوضح أنه يمكن التعامل مع تحديات الدخل الحالية بسهولة، إلا أن تركها دون معالجة هيكلية شاملة قد تعرض المملكة لمخاطر يصعب علاجها، أو التعايش معها مستقبلا، لذا يفترض أن يكن الإصلاح الاقتصادي من أولويات الحكومة، وأول الإصلاحات: الخصخصة، وتفعيل دور القطاع الخاص، ومراجعة سياسات الدعم، ودعم قطاعات الإنتاج، وتنويعها، والفصل في الصلاحيات المالية والاستثمارية والنقدية، والرقابية، وبما يعزز العمل المؤسسي ويحقق الكفاءة الإدارية والتشغيلية.