شكلت الاحتياطيات النقدية السعودية محور نقاش حول إمكانية استثمار جزء منها، بين معارض ومؤيد، ففي الوقت الذي يرى فيه خبير اقتصادي ضرورة استثمار جزء منها نظرا لتزايد نموها ووصولها لأرقام ضخمة، قال آخر إنه من الصعوبة بمكان أن يوجه جزء من هذه الاحتياطيات للاستثمار، داعيا إلى رفع قيمة الريال السعودي والذي يدعمه في ذلك حجم الاحتياطيات الضخم. ويأتي هذا الخلاف في الوقت الذي سجلت الاحتياطيات السعودية لدى صندوق النقد الدولي نموا قدر بنحو 11% في نهاية أغسطس الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي لتصل إلى 20.19 مليار ريال، في حين ارتفع النقد الأجنبي والودائع في الخارج بنسبة 19.5% لتصل إلى 648.6 مليار ريال. وفي حين اتفق فيه خبيران اقتصاديان تحدثا ل"الوطن"، على عدم الإفراط في زيادة الاحتياطيات النقدية، دعا الخبير الاقتصادي فضل البوعينين إلى استثمار جزء منها في مشروعات تنموية مستدامة، أما المستشار والباحث الاقتصادي عبدالوهاب أبو داهش فأكد على أهمية تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر للدخل الوحيد للمملكة، مبينا أن الاحتياطيات النقدية لا يستطيع الاقتصاد الوطني أن يستوعبها وذلك لوجود فوائض مالية في الميزانية الحالية ومن الموازنات السابقة. وسجلت الأصول الاحتياطية لدى مؤسسة النقد السعودي ارتفاعا بنسبة 13.5% مقارنة بنهاية العام الماضي لتسجل 2.3 تريليون ريال بنهاية أغسطس من العام الحالي ومثلت الاستثمارات في أوراق مالية في الخارج نحو 69.3% من إجمالي الأصول الاحتياطية، لتسجل 1.595 مليار ريال في نهاية الفترة ذاتها بنمو بلغ 11.7%، مقارنة بنهاية العام الماضي. وقال عبدالوهاب أبو داهش إن الاحتياطيات النقدية تبنى لأن الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المحلي لا تستطيع أن تمتصها بسهولة، مؤكدا خلال حديثه ل"الوطن" على عدم وجود حاجة إلى السحب من تلك الاحتياطيات، بل يتم بناؤها بالطرق الصحيحة لمقابلة أي عجز في ميزانيات الأعوام المقبلة. وأكد أبو داهش بأن الاحتياطيات النقدية "الأجنبية" لا يمكن استخدامها في الوقت الراهن من أجل بناء مشاريع تنموية في الوقت الراهن، وذلك لوجود فوائض مالية في الميزانية الحالية ومن الموازنات السابقة لا يستطيع الاقتصاد السعودي استيعابها. وأشار أبو داهش إلى أن الاحتياطيات تلك وضعت لمواجهة أي عجز في الموازنات ومنها انخفاض أسعار النفط، مبينا بأن الاحتياطيات مهمة جدا في تقوية المركز المالي للمملكة، وبخاصة العملة "الريال السعودي"، مطالبا برفع قيمة الريال السعودي، وذلك لوجود عدد من الاحتياطيات والميزانيات المدفوعة وتقليص الإعانات ورفع الرواتب والأجور، مؤكدا بأن رفع قيمة الريال السعودي أفضل من أي وسيلة أخرى لزيادة القوة الشرائية للمواطن. من جانبه، طالب الخبير الاقتصادي فضل البوعينين بوجود تركيز على بناء الاحتياطيات التي تدعم الاستثمارات في البلاد، داعيا عدم الإفراط في الاستثمارات المالية دون استثمارها الاستثمار الأفضل. وأكد البوعينين أنه في الوقت الراهن يجب التفكير جديا في عملية استثمار جزء من تلك الاحتياطيات داخل البلاد، بهدف توسيع قاعدة الإنتاج وتنويعها بما يحقق هدف تنوع مصادر الدخل مستقبلية، والاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل قد يؤثر سلبا على الاستقرار المالي. وتابع قائلا: "من الممكن أن يستبدل جزء من تلك الاحتياطيات في عملية توسيع قاعدة الإنتاج وبناء قطاعاته بما يحقق أهدافا متنوعة منها الاستثمار الأمثل لتلك الاحتياطيات، وخلق الوظائف، وخلق تنمية صناعية، وتنوع مصادر الدخل مستقبلا". وبين أن الميزانية تنعكس إيجابا على حجم الاحتياطيات، إذا كانت هناك فوائض مالية على الموارد المقدرة ستعطي المملكة القدرة على تحويل جزء من تلك الفوائض إلى الاحتياطيات الرسمية، مشيرا إلى أن الإنفاق التوسعي يمثل مشكلة في جانب التضخم، وذلك لأن الاقتصاد أكثر حاجة لضبط الإنفاق ليساعد الاقتصاد على استيعابه ويساعد في كبح جماح تغطية التضخم، ويؤدي إلى تعزيز الاحتياطيات المالية. ودعا البوعينين إلى ضرورة تعزيز المشروعات التنموية الاستراتيجية كمشروعات الطاقة والمياه، ومشروعات السكك الحديدية، والتي لا يمكن تأجيل البت بها. يذكر أن وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف أكد أن الاقتصاد السعودي حافظ على أداء قوي شمل جميع القطاعات، وأن المملكة مستمرة في تعزيز هذا الأداء من خلال العمل على تنويع القاعدة الاقتصادية وتحسين الإنتاجية للمساهمة في إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين مع تهيئة المناخ المناسب لتحسين أداء القطاع الخاص، مبينا أن المملكة تعمل بشكل مكثف مع القطاع الخاص لضمان نجاح هذه المبادرة وعدم تأثيرها على تنافسية الاقتصاد السعودي. وعلى صعيد المالية العامة أكدت المملكة أن السياسات المالية التي تبنتها المملكة لمواجهة تقلبات الدورة الاقتصادية قد مكنتها من تجاوز الانعكاسات السلبية الناتجة عن التذبذب في أسعار النفط، واستخدام الإيرادات النفطية لتلبية الاحتياجات الاجتماعية بما في ذلك برامج الإسكان ودعم الباحثين عن العمل وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وذلك على المديين المتوسط والطويل.