وقد التقى أبو العتاهية بأبي نواس وكان أبو العتاهية قد ترك شعر الغزل، ونصح أبا نواس بأن يحذو حذوه فقال أبو نواس : أتراني يا عتاهي ... تارك تلك الملاهي أتراني مفسدا بالنسك بين الناس جاهي وديوان أبو العتاهية مليء بالحكم وبالدعوة إلى ترك ملذات الحياة الدنيا والانصراف إلى العبادة والزهد، لكن كثيرا من معاصريه يشكون في صدقه لأسباب أوضحها أنيس المقدسي في كتابه ( أمراء الشعر العربي في العصر العباسي ) بقوله : وانك إذا تحريت الحكايات الكثيرة التي ينقلونها عن أبي العتاهية تجد أساسها شك معاصريه بصدق زهده، وهذا الشك مبني عندهم على ما يلي : 1 سيرته الأولى. 2 حرصه على المال. 3 تبرم الناس من الوعظ والإنذار .. وجل ما يقال هنا أن الرجل صدف عن سيرته الأولى، وانه لزم جانب التدين واتخذ الشعر الزهدي فنا فأجاد فيه. ولم يكن زهده انقطاعا عن الدنيا وترفعا عن حطامها، ولكن تقبيحا لمسلك مترفيها وإنذارا بسوء مصيرها، وإشباعا لشهوة فانية لم يستطع إلا إشباعها، وكان برغم ما يحكونه محترما من معاصريه حتى من أبي نواس. أما سبب تسميته بأبي العتاهية فهو لقب لقبه به الخليفة المهدي حين قال له: ما لي أراك متعتها، وقد أعجب الشاعر هذا الكلام فارتضى لقب أبو العتاهية، ولا نعلم هل كان ينشد بذلك التفرد على غيره من الشعراء ولو بنسبة الضلالة والحمق أم أنه كان يستدر عطف محبوبته عتبة جارية المهدي التي لم تستجب لغرامياته فيها (طالع كتاب أحلى القطوف لأحمد السقاف). ومما يدل على قوته في الشعر هو أن بشار بن برد سمعه ينشد شعره أمام الخليفة فقال بشار لصاحب له : ويحك يا أشجع أنظر هل طار الخليفة عن سريره سرورا ؟. تقول القصيدة : ألا ما لمحبوبتي ما لها تدل فأحمِل إدلالها ألا إن جارية للإما م قد أسكِن الحسن سِربالها مشَت بين حورٍ قصارِ الخطى تجاذِب في المشي أكفالها كأن بعيني في حيثما سلكت من الأرضِ تمثالها أتته الخِلافة منقادة إليه تجرر أذيالها ولم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها ولو رامها أحد غيره لزلزِلتِ الأرض زلزالها وإن الخليفة من بغضِ لا إليه ليبغِض من قالها السطر الأخير : يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ماشاه وللقلب على القلب ... دليل حين يلقاه