هارون الرشيد هو الخليفة العباسي الخامس، حكم بين عامي 786 و 809م، وهو واحد من أشهر الخلفاء المسلمين، شهد عصره الكثير من التألق والازدهار والقوة للدولة الإسلامية، وذلك في جميع المجالات. ومن مناقبه أنه كان يحج عاما ويغزو عاما، وهو صاحب الرسالة الشهيرة: (من عبدالله أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى نقفور كلب الروم)، وهو الذي كان يخاطب السحابة في السماء بقوله: أمطري حيث شئت، فوالله ليأتيني خراجك. هارون الرشيد بنى له قصرا في الكوفة ولما انتهى من بنائه وحانت ساعة افتتاحه نادى أعيان الناس وعلى رأسهم الشعراء، ومن بينهم أبو العتاهية شاعر الزهد والحكمة، فدخل الشعراء على الخليفة زرافات ووحدانا يمدحونه ويمدحون قصره ويمدحون ما هو فيه، ولما دخل أبو العتاهية بدأ بقصيدته فقال: عش ما بدا لك سالما في ظل شاهقة القصور ففرح الخليفة واستبشر وقال: هيه، زدنا، فقال أبو العتاهية: يسعى عليك بما اشتهيت مع الرواح مع البكور فقال: هيه زدنا ، قال: فإذا النفوس تقعقعت بزفير حشرجت الصدور فتأثر الخليفة ، فقال أبو العتاهية: فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور فبكى الرشيد حتى كاد يغمى عليه، فخرج أبو العتاهية بعد أن نصح ووعظ وبين للخليفة أن: أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها هاهم الذين يصدقون في نصحهم ووعظهم.. لقد ذهب هارون الرشيد وذهب قصره وذهب أبو العتاهية وشعره.. لكن أولئك أقوام إذا أتى من بعدهم يقولون مر وهذا الأثر فنعم الأثر الذي تركه أولئك الرجال، رحمهم الله تعالى وتجاوز عنهم.