إذا أخطأ موظف عام في حق مواطن أو مقيم وتصرف ضده تصرفاً مبنياً على سوء استغلال السلطة التي بين يدي ذلك الموظف في لحظة انفعال أو سوء ظن أو سوء فهم لمواد النظام، وأراد المتضرر الذي ارتكب ضده الخطأ أخذ حقه ممن ظلمه أو آذاه أو عطل معاملته أو عاقبه عقاباً لم يرد في مواد النظام، فجاء «أهل الخير» ساعين إلى الاصلاح بين الطرفين جامعين الموظف المخطئ بالمواطن أو المقيم الذي ارتكب الخطأ ضده، ضاغطين معنوياً وأدبياً واجتماعياً على «الضحية» للتنازل عن حقه الخاص، آمرين المعتدي المخطئ بأن يقوم بتقبيل رأس المعتدى عليه أو أنفه أو كتفه من باب الاعتذار له عما حصل ضده من تجاوز أو خطأ، فهل من المصلحة أن ينتهي الموضوع عند هذا الحد؟ وإذا قلبنا الصورة وكان المعتدي أو المخطئ هو المواطن أو المقيم، وأن الضحية في هذه الحالة موظف عام حصل خطأ أو تجاوز ضده وهو يؤدي عمله الرسمي فهل سيتم تدارك الأمر من قبل «أهل الخير» أيضاً والمجيء بالمراجع المخطئ إلى الإدارة والصلح بينه وبين الموظف وأمر الأول بتقبيل رأس أو أنف الثاني «ولا يراك الله إلا محسناً»، وهل سيتم في هذه الحالة قبول اعتذار وندم المراجع أم سيتمسك الموظف بحقه وحق إدارته وفي حالة تسامحه ورضاه بتدخل الشفعاء فهل من المصلحة أن تنتهي المسألة عند هذا الحد؟ إن لهذا الأمر جانبين يمثلان الحق الخاص والحق العام، فإن تم التسامح بالنسبة للحق الخاص من قبل المواطن المعتدى عليه أو من قبل الموظف الذي أخطأ مراجع في حقه فإن ذلك مقبول لأنه تنازل عن حق خاص، أما الحق العام فلا بد أن يستوفى من المخطئ حسب النظام حتى تستقيم الأمور وتحترم الأنظمة وتحمى المصلحة العامة لأنه لا يوجد في الأنظمة الإدارية والمالية والجزائية مواد تنص على امكانية إنهاء سوء السلوك من قبل المراجعين ضد الموظفين، أو العكس باستخدام «حب الخشوم»، وإذا كان هناك من يرى وجود مصلحة من إضافة مواد من هذا النوع فإن عليه اقتراح نظام أو فقرة من نظام تحت فصل «حب الخشوم» ومجالات تطبيق هذا النوع من النظام، أما إن كانت المصلحة العامة تقتضي إلزام الجميع بما تنص عليه الأنظمة ومحاسبة أي متجاوز لها سواء كان ذلك التجاوز عن طريق إساءة استخدام السلطة الإدارية والوظيفية من قبل الموظف أم كان التجاوز عن طريق تحايل المراجع على النظام أو كان التجاوز يتمثل بالاعتداء اليدوي أو اللفظي من قبل الموظف أو المراجع أحدهما ضد الآخر، فإن انتهاء الحق الخاص عن طريق «أهل الخير» لا يعني انتهاء الحق العام، بل لا بد أن يأخذ مجراه ويحاسب المخطئ المتجاوز للنظام أو الخلق، وإن كان التنازل عن الحق الخاص يخفف من المسألة، لكنه لا يلغي حصول الاعتداء أو التجاوز أو الخطأ، وبهذا يمكن صيانة الأنظمة والحقوق وتربية الناس على احترام الأنظمة واحترام بعضهم بعضاً وتكريس مثل هذه القيم التي طبقتها الدول المتحضرة فازدهرت فيها الحياة وأهملتها الدول المتأخرة فأصبحت في ضنك وسوء حال!