اشتعل الوسط الرياضي مؤخراً بآراء تؤيد وأخرى تعارض دخول الدين في الرياضة بين المنتمين إليه عبر تصريحات للبعض تتضمن آيات قرآنية، ولجوء لاعبين إلى المحاكم الشرعية لمقاضاة بعضهم بعد تعرضهم للقذف أو الشتم في الملاعب، وقيام مسؤولين في الأندية السعودية بممارسات قبل المباريات مثل شرب ماء زمزم وأكل تمر العجوة للتفاؤل والظفر بنتيجة المباراة، وكذلك عدم التزام بعض المحترفين الأجانب بالتعليمات ومخالفتهم لها بالتعبير عن فرحتهم بتقبيل الصليب أو الوشم على أيديهم. ما شهدته الساحة الرياضية في المملكة مؤخرا من أحداث أقحم الدين فيها، وضعته "الوطن" أمام علماء الدين ورجال الرياضة والإعلام للتعرف على وجهة نظرهم حول مدى ملاءمة الاقتباس من الكتاب والسنة أو ممارسة بعض السلوكيات، أو مخالفة السمت العام للجماهير الرياضية باختلاف ميولها. فهم خاطئ وعلق الإعلامي عاصم عصام الدين، على مقولة فصل الدين عن الرياضة، وقال "أعتقد أن من فهم كلمة فصل الدين عن الرياضة فهمها بشكلها المطلق وهذا فهم خاطئ، لأن كلمة فصل ونظراً لحساسيتها قد جانب مستخدميها التوفيق وأنا منهم". ويؤكد عصام الدين أن الدين الإسلامي يجب أن يتواجد في كل مجالات حياتنا ومن بينها الرياضة، قائلا "المقصود هو حماية الدين من الرياضة لسمو آيات القرآن الكريم، خصوصاً إذا تم استخدام هذه الآيات الكريمة في غير محلها. أذكر هنا المؤتمر الإسلامي الذي عقده الملك خالد يرحمه الله في الحرم المكي حين افتتحه الشيخ زكي داغستاني بآية كريمة هي قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، وبعدها بوقت قصير كان لاعبو منتخب عربي "مشغلين" شريطاً يرتل هذه الآية في الحافلة التي تقل اللاعبين إلى الإستاد لمواجهة منتخب عربي آخر، واستخدامها في هذا الموقف من وجهة نظري يدل على إقامة حرب لا مباراة، فهل كان الاستخدام هنا صحيحاً؟". ويضيف "لو أن أحداً دعا إلى قيام المباريات وقت صلاة العشاء فسنقول له توقف عن هذا الطلب، لأن الدين هنا جزء من حياتنا، أو دعا آخر إلى إفطار اللاعب في رمضان ليؤدي مباراة أو تغافل عن ارتدائه لسلسلة ذهبية فهنا يكون الدين حاضراً، يجب أن يدخل الدين الإسلامي في كل هذه الأمور ولا يمكن أن يفصل في أمور شتى وعديدة، إنما لا أحبذ أن يستخدم الرياضيون أو الإداريون الآيات القرآنية في غير محلها، لأن النشء قد يسيئون فهمها لقلة وعيهم في هذه العمر، كما أن هذه الآيات القرآنية تؤجج الجمهور من صغار السن". ويتابع: "ذات مرة أعلنت شخصية رياضية عن رغبتها في الكشف عن قضية حدثت في الاتحاد الآسيوي، فقال "سأتحدث عن قضية، فالحديث الشريف يقول "من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار"، فهل هذا استخدام في محله؟". عدم مخالفة الثوابت وفي المقابل، يرى الخبير الشرعي والقانوني الدكتور عيسى الغيث أنه ليس هناك ما يمنع من الاستدلال بالكتاب والسنة بشرط أن يكون في موضعه الصحيح ومن عالم بالنص ودلالته والواقع وحقيقته. وحول بعض عادات اللاعبين المحليين والأجانب، يقول الغيث "إن كان اللاعب غير مسلم فله دينه وعاداته وتقاليده، ولا يجوز لنا إلزامه بديننا وعاداتنا وتقاليدنا، بشرط ألا يخالف ثوابتنا أو يؤثر على عقول شبابنا وأطفالنا، بحيث يحتفظ بهذه الأمور لنفسه ضمن حدود الحرية الشخصية غير المتعدية ولا المعتدية على الغير". وأضاف "وأما إن كان اللاعب مسلما فلا بد من التزامه بالدين الإسلامي الذي يحرم الكثير من السلوكيات، فضلاً عن النظام العام للدولة والمجتمع والسمت العام للمواطنين". ويتابع: "لذا ينبغي أن يكون موقفنا وسطياً في هذه الحالة، فلا نصعد الأمور في كل الحالات، وفي نفس الوقت لا نسهل كل الممارسات الخاطئة، وذلك بمبدأ (سددوا وقاربوا)، ونحن بين طرفين، أحدهما لا يعترف بضوابط دينية ولا قانونية ولا اجتماعية ويجيز كل هذه الأمور، وطرف على النقيض تماماً فيحرم كل شيء حتى إنه بلغ ببعضهم حد المطالبة بمنع لعب غير المسلم في نوادي المملكة، بحجة أنه لا يجتمع في جزيرة العرب دينان وذلك تفسير متطرف للحديث، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم". جزاءات الجنايات وفيما يتعلق بازدياد حدة الشتم والقذف في الملاعب قال الغيث "هناك فرق بين نوعين من الجناية هما القذف والشتم، فالقذف لا يطلق إلا على من اتهم آخر بالفاحشة بشكل مباشر وصريح، وعقوبته عند عدم إثباته لذلك ثمانون جلدة دفعة واحدة بموجب حكم قضائي من محكمة شرعية، وأما عند إثباته لذلك فلا يحد للقذف وإنما يعزر على التشهير والاعتداء، لأنه ليس في موضع التبليغ عنه وإنما في معرض الإساءة والسب، وأما الشتم فهو ما دون ذلك من ألفاظ، وعقوبته دون الحد، أي من 79 جلدة فما دون، حسب تقدير القاضي". وأضاف "والجنايات لها جزاءات، وتختص بها في الأصل المحاكم فقط إلا ما استثني بموجب نظام أو أمر من ولي الأمر، والموضوع فيه تفصيل، فإن كان اللفظ صريحا في القذف بالفاحشة فهذا من اختصاص المحاكم الجزائية بوزارة العدل، لأن عقوبته حد القذف، ولا يملك الولاية في الحدود إلا القاضي، وأما إن كان دون ذلك كالسب والشتم ونحوهما مما لا يصل إلى حد القذف وإنما عقوبته التعزير فيكون الاختصاص على نوعين، فإن كانت أداة الجريمة وسيلة إعلامية (مرئية أو مسموعة أو مقروءة) أو وسيلة إلكترونية فهذا من اختصاص اللجنة المختصة بوزارة الإعلام حسب نظام المطبوعات والنشر ولائحة النشر الإلكتروني والأوامر السامية السابقة واللاحقة المؤكدة له، وأما إن كانت أداة الجريمة غير إعلامية كأن تكون مباشرة في مكان خاص أو عام فهذا من اختصاص المحكمة الجزائية". وتابع الغيث "وكل جريمة من هذا النوع يكون لها 3 عقوبات: أولها العقوبة المسلكية الإدارية من جهة المرجع الإداري، وهي هنا لجنة الانضباط، ولكنها لا تسقط الحقين الآخرين وهما الحق الخاص للمجني عليه والحق العام للنائب العام وهو هيئة التحقيق والادعاء العام، ولا يجوز منع أي مواطن أو مقيم من حق التقاضي أو تهديده بترك ذلك، كما أن المحاكم الرياضية لا تختص إلا في الشؤون الرياضية البحتة كالتحكيم واحتساب الأهداف ونحوهما كعقود الاحتراف مثلاً، ولكنها لا تختص بالقضايا الجنائية، وما يقال من أن نظام الاتحاد العالمي لكرة القدم يمنع التحاكم خارج منظومته غير صحيح، لأنه يقصد القضايا الرياضية وليس القضايا الجنائية، وسبب هذا اللبس أن الإعلامي غير متخصص في العلوم القانونية وبالتالي غير مدرك لما يقوم بنقله، ولكن هذا لا يمنع من أن تقوم رئاسة الشباب بإنشاء لجنة للصلح والتوفيق بين الأطراف، فإن تم التنازل فيسقط الحق الخاص ويسقط معه تبعاً الحق العام، قياساً على أن الإصابة التي تقل مدة شفائها عن خمسة عشر يوماً يسقط حقها العام عند التنازل عن الحق الخاص، وبهذا سوف تقوم هذه اللجنة بحل جميع المشاكل ودياً، ولكن في حال إصرار أي صاحب حق على اللجوء للقضاء فلا يجوز منعه وبالتالي تحال الأوراق من اللجنة إلى المحكمة أو يتقدم المجني عليه مباشرة إلى المحكمة". العدل والمساواة من جانبه، يقول الإعلامي صالح الطريقي "دعونا نضع الأمور في نصابها أولاً، فأقول إن إقحام علماء الدين لأنفسهم في الرياضة، حدث منذ الثمانينات حين انقضت فئة قليلة على المجتمع وأرادت أن تجعل كل شيء في مواجهة الدين، وأصدرت فتاوى تحرم الرياضة وجعلتها رجسا من عمل الشيطان، كما كان من مطالب تلك الفئة القليلة، إلغاء اللغة الإنجليزية من المناهج وترى أن التلفزيون يجب أن يتحول إلى منبر لخطابهم السياسي المتخفي خلف الدين". ويضيف "صحيح أن المجتمع لم يستجب لتلك المطالب، لكن هناك من أصبح يفكر بنفس طريقتها، فترك بعض الرياضيين الرياضة من باب أنها ضد الدين، و هناك صحفيون وكتاب رياضيون تركوا الكتابة من نفس الباب، بل إن رئيس تحرير صحيفة رياضية سابق، قال على الهواء مباشرة "الله لا يشغلنا إلا بطاعته"، بمعنى أن انشغاله بالرياضة ضد الدين". ويتابع الطريقي "هذا التتفيه لكل شيء كان بسبب أولئك الذين وضعوا كل شيء في مواجهة الدين، فأصبح الكثير ينظر للأمر من باب المقارنة (الدين أم الرياضة؟)، أو (الدين أم المعرفة؟) أو (الدين أم تعلم اللغة الإنجليزية؟)، وهكذا إلى ما لا نهاية من المقارنات. ومن الطبيعي أن نذهب جميعنا مع الدين ونتفه كل الأشياء، ولكن هل فعلاً الدين يتصادم مع كل شيء؟". ويضيف الطريقي "بما أننا نتحدث هنا عن الرياضة، دعونا نسأل: ما الذي يريده الدين من الرياضة؟ إنها نفس المطالب التي يطلبها في كل أمورنا الحياتية، وهي أن نضع أنظمة تحقق العدل والمساواة بين الجميع وألا يظلم بعضنا بعضا، وعندما يرفه الإنسان عن نفسه في هذه الحياة لا يعني أنه ضد الدين". اقتباس جائز من جانبه، يقول لاعب نادي الاتحاد والمشرف العام على الفئات السنية سابقاً والمحلل الرياضي، خميس الزهراني: "إننا كمسلمين ديننا موجود في كل حياتنا ولا يمكن أن نفصله عن الرياضة أو السياسة أو غيرها من المجالات، فالله تعالى يقول "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين". ويضيف "من قناعتي الشخصية أقول إن نظام الاحتراف هو حسنة من حسنات الدين الإسلامي، لأنه يحثنا على الانضباط والالتزام والاحترام والأخوة، لكن البعض أخطأ في التعاطي معه فأراد الفصل". وحول الاستشهاد بالآيات القرآنية، قال "هذا اقتباس طبيعي ولا يعني إذا استخدم شخص آية مثل قوله تعالى (قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) أنه يقصد أن هذا الرجل هو نبينا موسى عليه السلام". وفيما يتعلق بتقبيل الصليب في الملاعب السعودية، قال الزهراني "الأصل هو أن ديننا يحترم جميع الأديان، وخادم الحرمين الشريفين أحدث نقلة تاريخية عندما أثبت للعالم أن الدين الإسلامي يدعو إلى التسامح والحب وليس إلى الإرهاب، لكن في نفس الوقت لنا خصوصيتنا، فمثلما نحترم الآخرين عندما نسافر إلى بلدانهم نتمنى منهم أن يحترموا تقاليدنا وعاداتنا". وحول شرب ماء زمزم أو تناول تمر العجوة قبل المباريات قال "هذا من باب التفاؤل، وزمزم لما شرب له، وكذلك تناول العجوة قبل المباراة، فهذه أمور تعبر عن خصوصيتنا ولا أرى فيها شيئاً". التقاضي في المنظومة ولا يؤيد المحلل الرياضي عبدالرحمن الرومي إقحام الدين في الرياضة، مؤكداً أن هذا من فعل شخص غير سوي، ويوضح "الدين موجود في حياتنا ونأخذ به في كل أمورنا، لكن أن نقحمه في ملاعب كرة القدم لابتزاز لاعب أو إيقاف آخر فهذا أمر مؤسف". ويرفض الرومي التقاضي بين اللاعبين في المحاكم، ويشدد على البقاء ضمن المنظومة الرياضية واللجوء إلى الاتحاد السعودي لكرة القدم، قائلا "هذه أمور استجدت على مجتمعنا ولا نقبل بها، فقد جرد البعض لعبة كرة القدم من المتعة التي كنا نعيشها من قبل، ووصل حد التعصب إلى التقاضي خارج الملعب"، ويؤكد أنه إذا ظُلم لاعب فيمكنه استرداد حقه ضمن المنظومة الرياضية. وفيما يتعلق بالنقد الذي يوجه للمحترفين الأجانب، قال الرومي "نحن كلاعبين يمكن أن نقوم ببعض التصرفات التي تعبر عن ديننا أيضاً، لقد سجد لاعبونا في مباريات كأس العالم التي أقيمت في ألمانيا ولم يرفض ذلك أحد هناك، وكلنا يتمتع ولله الحمد بعقيدة راسخة ولا يمكن أن يتأثر بلاعب أجنبي أبداً".