مازال الانفلات اللفظي والسلوكي والاجتماعي هو السمة السائدة في وسطنا الرياضي بشتَّى ساحاته. ففي الملاعب مازلنا نرى كابتن نادي النصر حسين عبدالغني يمارس عنتريته المعتادة كل ما خسر لقاء أو لم تأت مجريات المباراة على هواه. المميز في هذه الحادثة أنها شملت لاعبين في آن واحد على خلاف ما اعتاد عليه أبو عمر بالتركيز على خصم واحد فقط. ولن تتوقف هذه الحوادث ما دامت لجنة الانضباط تغض الطرف عنه في كلِّ حادثة بحصانة لم ولن تمر على ملاعبنا تختص بلاعبٍ بذاته. قد يقول قائل: إنه قد تمَّت معاقبة حسين في أكثر من حادثة وهذا صحيح، ولكن نسبة التجاوزات لديه تزيد بشكل كبير جدًا عن المرات التي عوقب فيها، لدرجة أصبح من شذوذ القاعدة أن يخطئ حسين ويعاقب. المحزن في الأمر أن هذه التجاوزات تصدر من لاعب رغم تقدمه في السن إلا أنه مازال يقدم مستويات رائعة وثقلاً فنيًا كبيرًا في الملعب (اللهم لا حسد)، أفلا يترفع عن السفاسف لتُضَاهي انضباطيته أمام خصومه لتوازي إبداعه أمامهم؟ هي أمنيَّة لكل من يتابع حسين، وليتها كانت إحدى أماني حسين نفسه. وفي ساحة شبكات التواصل الاجتماعي نرى انفلاتًا لفظيًا تجاوز بكثير حدود المنافسة وحتى التجريح ليغوص في وحل البذاءة والاتهامات في الشرف والعرض والأمانة والأخلاق. وجميعنا نعلم أن وزارة الإعلام أوجدت قسمًا للتحقيق في مخالفات النشر الإلكتروني، فهل هذا القسم يملك صلاحيات رقابية أم هو مُجرَّد جهة تحقيق؟ وإن لم يملك هذه الصلاحيات فلم التأخير في منحه إيَّاها أو إيجاد قسم رقابي آخر بوسيلة تواصل سهلة بعيدًا عن بيروقراطية الإجراءات وتعقيداتها ليتم كبح جماح هذا الانفلات المرعب؟ فالوضع لم يعد يطاق، وغرور الشتامين والقاذفين بأنفسهم وصل لحدود السماء بسبب معرفتهم الأكيدة أنه لا يوجد أيّ رادع لهم فيما يقولون أو يكتبون. علتنا العظمى تكمن في الجهات الرقابية، إعلاميًّا وإلكترونيًا وحتى داخل الملعب. فالجهة الرقابية لا يجب عليها انتظار الشكاوى لتقوم بعملها. والجهة الرقابية ليست لتهدئة النفوس بين المتخاصمين. الجهة الرقابية يا سادة هي كالحاجزالكهربائي الذي يمنع كل متسلق من العبور خارج حدود الأخلاق. فهي بأنظمتها وقوانينها تصعق المتجاوز قبل أن تعرف من هو؟ فالخطأ لا يأول، والتجاوز أمام الملأ يجب أن يعاقب صاحبه عليه حتَّى لو تنازل الطرف الآخر. فالعقوبات في شتَّى المجالات لم توضع لأذية المخطئ، بل وجدت أساسًا لتردع الذي يفكر بالتجاوز. لذلك ونظرًا لأن تقديم حسن النيّة في مواقف تتكرر بشكل يومي، فأتمنَّى ألا يتنازل أيّ شخص تمَّت الإساءة له مرارًا وتكرارًا واتهم في دينه أو شرفه أو عرضه. فالتسامح مطلوب مع من زل لسانه في مرة وحيدة واعتذر عنها، وليس مع من امتهن الشتم والدخول في الذمم ولم يعتذر إلا عندما أحسَّ بالخطر. يجب أن نقتلع هذه الإساءات من جميع مدرجاتنا بكلِّ قوة، فالتهاون لا يزيد سيئ الخلق إلا سوءًا وتماديًّا في تجاوزاته. فما دامت الجهات الرقابية تغط في نوم عميق فلنصلح رياضتنا بأنفسنا، بردع المخطئ وأخذ الحق منه. وإلا أصبحنا شركاء في تشويه رياضتنا مثلهم تمامًا. لكل مسؤول وصاحب يد في إيقاف شتَّى أنواع الانفلات نقول له: إن كنت ارتضيت لنفسك أن تهمل واجبك تجاه عملك والأمانة التي أوكلت لك، فلن نرضى بتهاونك أن تشوه لنا كرتنا التي نعشقها ونتمنى أن نتنفس من خلالها هواءً نقيًا يزيد من تركيزنا على جماليَّة اللعبة بدلاً من محاولة تفادي سهام المتجاوزين في كلِّ لحظة وأخرى، خوفًا من رصاصة طائشة تصيبنا بلا ذنب أو خطيئة. خاتمة... (لا يعجبكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدَّى الأمانة وكف عن أعراض الناس، فهو الرجل) عمر بن الخطاب