سؤال حار فيه الفلاسفة وعلماء النفس قديما وحديثا. اليوم لم يعد السؤال مطروحا بقوة، ويكاد المفكرون يجمعون على أن الإنسان ليس خيرا أو شريرا في أصله الطبيعي بل يكون كذلك بالتربية والظروف التي تحيط به. ولكن هذا أيضا لا يحل المشكلة... فهناك أناس نشؤوا في ظروف مأساوية وكانوا أخيارا، وآخرون نشؤوا في ظروف جيدة وكانوا أشرارا. وعلى أية حالة، كلنا نعلم أن معايير الخير والشر تختلف من زمان إلى زمان ومن ثقافة إلى أخرى؛ فما يكون شرا في مجتمع ما يكون خيرا في مجتمع آخر والعكس صحيح. إلا أن هذا لا يمنع من وجود مشتركات جوهرية لا يختلف عليها اثنان. فكل الأمم والثقافات تجمع على «شرية» القتل والسرقة والاعتداء والاغتصاب.. وعلى «خيرية» الكرم ومساعدة الناس والاحترام. وهناك مناطق بين بين. ولكن بودي أن أركز على موضوع (القتل) لتسليط الضوء على السؤال. والباعث على اختياري لموضوع القتل هو الجنون الحاصل اليوم في سوريا والعراق حيث صار الذبح أسهل من شرب الماء السائغ. مما يجمع عليه المؤرخون أن كل الأمم منذ الأزل تعد القتل شرا. ولكن هذا لم يمنع من وجود القتل بشكل مستمر. لذا فهناك استثناءات تجعل من القتل مقبولا. مثلا: قتل القاتل، أو قتل المعتدي المحارب. وبقدر إجماعهم على بشاعة وشرية قتل البريء، تجد البشر يقبلون بكل بساطة قتل القتلة والقتل في ساحات المعارك. فلو قتل فلان فلانا في السوق لصار القاتل مجرما. ولو قتل فلان فلانا في ساحة الحرب لصار القاتل بطلا رغم أن العملية كلها واحدة. وهكذا قل فيما يتعلق برضا الناس بقتل القاتل. الآن، لنأخذ مشهدا آخر وأكثر درامية. مقاتل في (داعش) ينحر بدم بارد رجلا مسنا لم يفعل من جرم إلا أنه من طائفة أخرى. دعونا الآن نقوم بعمل متهور قليلا.. لنلج إلى عقل ذلك المقاتل. يجب أن ننتبه إلى أنه ليس مجرما عاديا ( فهؤلاء يعرفون ويعترفون أنهم مجرمون)، بل هو يظن نفسه مجاهدا وأنه يدافع عن أمته ودينه وقيمه. وهذا الشخص قد يكون في ماضي عهده رجلا محترما خلوقا يساعد الناس ويحفظ العهد ويطعم حتى القطط الجائعة. فكيف ولم قام بتلك الفعلة الشنيعة؟ كيف له أن يقتل رجلا أعزل؟ لو تفحصنا عقل هذا (المجاهد) لوجدناه يتفق معنا تماما أن قتل الإنسان عمل شرير وبشع. فلم إذن يقتل إنسانا بريئا؟ السؤال الأخير هو مفتاح الحل. (إنسانا بريئا)؟؟ سيرد علينا ذلك المقاتل التعيس (ومن قال إنه بريء؟ بل من قال إنه إنسان؟ هذا بهيمة.. هذا يعبد الشيطان.. هذا... إلخ) إذن فهذا الرجل رغم فعلته يرى أنه لم يخطئ لأنه لم يقتل (إنسانا حقيقيا) بل قتل شيطانا وحسب. هنا لو سلمنا معه بأن المقتول كان شيطانا فلا يحق لنا أبدا أن نلومه. وسنلومه في حالة واحدة وهي أن نرد عليه ونقول (كلا.. لقد قتلت إنسانا وإنسانا جدا.. وبريئا أعزل.. وأنت مذنب. بل مجرم). لو آمن الرجل بما تقولون فسوف يصاب بالفزع خصوصا أننا افترضنا أن الرجل في سابق عهده وفي حياته العادية طيب القلب و ذو مروءة. من ثم فإنه يحق لنا أن نستنتج أن الإنسان بطبعه أقرب للخير. فهناك شيء في الإنسان يجعله خيرا؛ وهو أنه (أناني).. فهو يرفض أن يؤذي كل من (يشبهه).. ولذا فهو لا يرى قتل الحيوان شرا. الإنسان وبسبب من طبعه الأناني يستحضر ويتقمص كل موقف يتعرض له الغير.. فهو قبل أن يسرق مال أحد، يضع نفسه مكانه، فيتعرف على قبح الفعل. ومن ثم يرفضه. ولذا فالمرء متى ما كان طبيعيا سليم العقل فإنه لن يفعل الشر وإن فعله فإنه سوف يستبعد ضحيته من دائرة الإنسانية أولا ليأتي الشر ثانيا. وسيكون لنا مقال لاحق في ضرورة تقديم (تصور جديد للإنسان) أكثر شمولا من التصور الضيق الذي تعج به مناهجنا ومجالسنا لكي يعرف النشء أن الإنسان لا يمكن أن يتحول إلى ما دون الإنسان أبدا. وأن توجيه طاقات الشر نحوه ليس له ما يبرره إطلاقا.