إن عالم اليوم يعاني كثيرا من الأزمات، ويعالج كثيرا من الملفات بمنظور يفتقر إلى الشمول والعمق، والأصالة والمصداقية، وهذا لا يجوز البتة في التعامل مع ملف التطرف، لأن المصلحة فيه مشتركة وعامة، والضرر الناتج عنه نار تحرق الجميع بلا استثناء. إن مكافحة التطرف ممكنة إذا استدعينا ميزان الوسطية والاعتدال، ووزنا به ما نفيض على الجيل الذي بين أيدينا من دفء التوجيه وصادق النصح ووافر الرعاية، بذا تلامس حرارة الثقة رعونة المتطرفين فتبددها، ويلامس صفاء ألسنة مفكرينا عقولهم فتضيء كلماتهم دروب الجفاة، ويلامس ندى محابر العلماء أذهانهم فيغسل الشبه ويطهر العقول. مكافحة التطرف تحتاج إلى زاد من علم النفس، ومسكة من علم الاجتماع، ونظرة ثاقبة في الشرع الحنيف، وإدراك لمتغيرات الساعة، ومعرفة بلغة العصر، ومعالجة لواقع الاقتصاد ونأي عن استدعاء المعارك التي لا طائل منها. مكافحة التطرف لا تحتاج إلى سيف بلا عقل، ولا إلى يد بلا لسان، ولا إلى قول بلا عمل، بل تحتاج لذلك كله، وتحتاج إلى رعاية رسمية، ووقفة شعبية، ومتابعة أسرية، وجهود علمية. والعالم اليوم يجمع على محاربة التطرف، وهذا إجماع يلزم كل مسلم، لأنه إجماع على الخير، والله تعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). إن من التحديات التي عانت منها دولة الإسلام في الصدر الأول نزعة التطرف، وكان لها أثر سيئ في إضعاف الدولة وتبديد الثروات، وإرهاق المجتمع، لذا لا يجب الاستهانة بهذا الداء أو التقليل من أثره. وفي زماننا الحاضر نحن معشر المسلمين أكثر أمم الأرض اكتواء بنار التطرف، فقد فقدت الأمة بسببه دماء عزيزة منذ عهد الصحابة الكرام ولايزال الجرح داميا، علاوة على خسائر فادحة في كثير من المقدرات والموارد، فإذا لم يكن غيرنا صادقا في مكافحة التطرف فعلينا أن نصدق نحن المسلمين، لأننا أعرف الناس بثمار التطرف المرة وآثاره المدمرة. إن التطرف فكر، ومن الفكر ينبع السلوك، وينتج التصرف، وتنبثق الأعمال، فإن استقام الفكر استقام السلوك، وكان نتاجه عملا صالحا، وإن انحرف الفكر انحرف السلوك، وقد أكد القرآن على هذه المتلازمة في قوله عز وجل: (ما ضل صاحبكم وما غوى) فنفى الله تعالى عن نبيه ضلال الفكر، وتبعا لذلك نفى عنه غواية السلوك. وبما أن التطرف فكر، فالفكر من أعقد ما في الإنسان، إذ لا يمكن نزعه ولا بتره كما تبتر الأعضاء والجوارح، بل يحتاج إلى تقويم، وتقويم الفكر يتطلب بيئة، وهذه البيئة المبتغاة تستدعي تضافر كافة الجهود والطاقات المذكورة. والله الهادي إلى سواء السبيل.