في أمسية مكية خاصة أقامها قبل أشهر أستاذنا الدكتور أمين كشميري مؤسس وعميد كلية الطب الأسبق بجامعة أم القرى، احتفاء بضيفه اللندني الدكتور بسام الساعي وحضرها جمع من علماء ومثقفي البلد الحرام، كانت أمسية قرآنية بحق تمحورت حول الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم متعديا ما سبق وكتب عنه إلى فكرة الجدة في اللفظ القرآني الذي أعجز فصحاء العرب، تذكرتها في هذا الشهر الفضيل وأحببت مشاركتكم بها آملا أن تسعفني المساحة. منذ كان الدكتور الساعي شابا وهو يسأل لماذا نقول إن القرآن معجزة، دخل كلية اللغة العربية ببلده سوريا ليعرف، قرأ كل كتب الأقدمين والمحدثين عن الإعجاز اللغوي في القرآن فلم تكفه، كان يجده بليغا فصيحا جميلا مؤثرا، لكن لم يفهم لم هو معجز، تخرج وأصبح أستاذا للغة العربية بجامعته ثم سافر للتدريس بأكسفورد البريطانية وما زال سؤاله دون جواب. حدثت الشرارة الأولى كما يقول عندما ترجم لطلبته ( وكان الله غفورا رحيما) إلى إن الله غفور رحيم، اعترض طلبته كيف تتحول كلمة كان الماضوية إلى يكون الحاضرة والمستقبلية أو إن التقريرية، ثم سأله زميل مستشرق هل نقول (ما زال) أم (لا زال) فأجاب بل ما زال، ففاجأه الزميل أن القرآن لم يستخدم (ما) مع (زال) قط، بل اقتصر على (لا) وفي غير الدعاء. فتح الله عليه فانطلق في دراساته ليكتشف سر الإعجاز في القرآن كلغة وألفاظ جديدة على من ظنوا أنهم جهابذة اللغة وأهلها، وأنه كلام إلهي لا يمكن أن يقوله بشر، بدأ بمسمى قرآن وفاتحة وسورة وآية وكلها ألفاظ لم يعرفها العرب قبلا، راجع الشعر الجاهلي كله وراجع كلام العرب فوجد كثيرا من الكلمات القرآنية مستجدة. ضرب لنا مثلا عما سماه المواقع أو الاستخدامات الجديدة للقرآن، بسورة الفاتحة المكونة من 29 كلمة فقط وبها ما لا يقل عن 58 لفظة مستجدة، لم يعرف العرب قبل الإسلام أن ينسبوا الحمد لأحد، أي تعدي الحمد باللام لاسم، لم يعرفوا كلمة العالمين ذاتها، ولم ينسبوا يوم الدين إن عرفوه لمالك، كيف يملك اليوم وهو غير أمر غير محسوس، والملك لأشياء محسوسة، لم يعرفوا جمعا للنفي وعطفا بين (غير) و (لا) في (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، بل لم تستخدم (غير) بمعنى (ليس) إلا في الفاتحة فقط دون بقية القرآن. للتدليل على تعجب العرب من لغة القرآن، قص لنا كيف انتدبت قريشا أحد أبرز علمائها باللغة عتبة بن ربيعة ليعرف ما يقول الرسول عليه السلام وليوقفه، فما انتهى لم يزد الرسول إلا أن قرأ عليه أول 13 آية من سورة فصلت، فهرول لقومه مذعورا وهو يقول سمعت كلاما عربيا ولم أفهمه، ولم يتذكر إلا الصاعقة التي سترسل عليهم إن لم يؤمنوا.. ضيق المساحة يجبرني على التكملة بعد غد.