الذين يتهمون الكتاب بالمبالغة في جلد الذات والتشاؤم والنظر دائما إلى الجانب المعتم لا أدري كيف يشعرون عندما يطالعون الأخبار الصادمة التي تصيب الإنسان بالدوخة والغثيان والحيرة البالغة في أسباب استمرارها وكأنها الواقع الطبيعي الذي لا مفر منه، أو كأن الخطأ والخطيئة أصبحا قدرا على مجتمعنا أن يتعايش معه. لا أدري بماذا يشعر هؤلاء عندما يقرؤون خبرا كالذي نشرته عكاظ يوم السبت واختارته المانشيت الرئيسي للصفحة الأولى، ويفيد مختصره بالتالي: «تحقق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تعثر وتأخر 500 مشروع تنموي يشرف عليها مقاولون من الباطن دون موافقة الجهة المتعاقدة خطيا، إضافة لتقديم هدايا لموظفي الجهة التي تعاقدت معها مقابل الحصول على العقد، ما تسبب في تعثر وتأخر هذه المشاريع وتجاوز بعضها أكثر من ستة أعوام على موعد انتهاء تسليمه». تفضلوا أيها السادة الذين تكيلون اللوم والاتهامات لمن يفور دمه ويرتفع ضغطه ويعلو صوته من مثل هذا الواقع الذي تفوح رائحته البغيضة من كل مكان. هل تريدون أن نقول هذه مجرد أخطاء استثنائية لا يجب تعميمها، وحالات شاذة لا يُحكم على الواقع منها، وقلة من المنحرفين في الوظيفة العامة لا يجب أن تسبب القلق. حسنا يمكننا قول ذلك لو كنا نقرأ مثل هذا الخبر مرة في السنة أو مرتين أو حتى عشر مرات، ولكن عندما تكون مفردات: تعثر، تأخر، رشوة، وغيرها من مفردات السوء المشابهة لغة يومية للصحف ومواقع التواصل وكل وسائل الإعلام فإنه واقع لا بد من التفاعل معه بما يستحقه من اهتمام وتسليط الضوء على خطره الكبير على مقدرات الوطن وحقوق المواطنين والقيم الاجتماعية والفضائل الأخلاقية التي اهترأت بسبب اللصوص الذين يتوالدون ويتضخمون ويتمخطرون أمام الأعين. أيها السادة الذين تصرون على تبسيط الأمور اسمحوا أن نقول لكم إن تهوين الخطأ مشاركة فيه وتضامن معه بقصد أو بدون قصد. هذه الطريقة في التعامل الناعم مع الفاسدين هي التي جعلت التريليونات تدخل نفق التعثر المظلم وجعلت المشاريع حملا طويلا محفوفا بالخطر ينتهي بموت قبل الولادة أو خروج أجنة مشوهة تلفظ الحياة سريعا. اللصوص وقطاع طريق التنمية لا بد من تعريتهم وفضحهم والاقتصاص للوطن منهم، وليس تركهم يعيثون فسادا باطمئنان كامل.