كالعادة مع صدور الميزانية كل عام سوف يخرج علينا المسؤولون التنفيذيون في قطاعات الدولة بتصريحات مضمونها الاستبشار والإشادة بالمبالغ الضخمة المرصودة لكل قطاع والزيادات المتصاعدة التي تضاف لها باستمرار لتحقيق البرامج والخطط والمشاريع على أكمل وجه وأفضل مستوى، وبما يمكن أن يفيض عن الحاجة الفعلية. وعادة ما يؤكد هؤلاء المسؤولون بأن الميزانية كفيلة بتحقيق توجهات الملك وتطلعات الدولة في تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وأنهم حريصون على الوفاء بتلك التطلعات طالما توفر لهم الدعم المالي، لكن الواقع والتجارب المتوالية تؤكد لنا الفجوة بين التصريحات وقت الميزانية وحجم ومستوى الإنجاز الذي يتحقق لاحقاً. الواقع الذي يعرفه الجميع أنه ما إن تبدأ دورة العمل بالميزانية حتى تبدأ مشاكل التعثر والخلل، وما إن تقترب السنة المالية من نهايتها إلا والأعذار عن التقصير قد تراكمت، لننتهي مع نهايتها من بعض المشاريع لم تنجز، مفردة «التعثر» أصبحت شائعة في التداول الاجتماعي والإعلامي، وأصبحت إحصائيات المشاريع المتعثرة خبراً شبه يومي في وسائل الإعلام، وقضية بارزة لجهات الرقابة والمتابعة، بل إنها دخلت قاموس مصطلحات هيئة مكافحة الفساد كدليل على أن التعثر غير المبرر شكل من أشكال الفساد. أيها السادة المسؤولون: إذا كنتم تصرحون للملأ بأن الدولة أغدقت على مرافقكم بالميزانيات التي تضمن تنفيذ كل برامجكم ومشاريعكم، بل وأكثر مما تتطلبه الحاجة الفعلية فكيف يمكنكم إقناع المجتمع بمحصلة إنجازاتكم التي تتواضع كثيراً عن حجم المخصصات المرصودة لها. نحن لا نتحدث عن دقة التخطيط وملاءمته للحاجة الفعلية، لا نتحدث عن ترتيب الأولويات، ولكن نتحدث عن التنفيذ للمشاريع التي نفترض أنكم قمتم بدراسة كل جوانبها وأكدتم أنكم ستنجزونها في موعدها وبمستوى الجودة التي وضعتم معاييرها. أين الخلل أيها السادة؟ ولماذا أصبح التعثر والتأخير وتدني الجودة سمة تغلب على نسبة من مشاريعكم؟. لقد تكرر تأكيد خادم الحرمين الشريفين عليكم بسرعة الإنجاز وقالها أكثر من مرة إنه غير راضٍ عما يصل إلى علمه من تعثر وخلل، وأن الأمور بعد كل ما طلبتموه من ميزانيات قد خرجت من ذمته إلى ذمتكم، فمتى يصبح الشعور بالمسؤولية في مستوى تطلعات القيادة والمواطنين؟ إن الميزانيات المرصودة لكل وزارة من وزاراتنا قد تفوق أضعاف مثيلاتها في دول أخرى، فما المشكلة أيها السادة؟ وهل من سبيل للخروج من هذه المعضلة؟. فكروا في هذه القضية بدلاً من التصريحات التي أصبحت تحتاج إلى نظام لتقنينها والمحاسبة عليها.