مرّ علينا حين من الدهر لم نك نجرؤ مُجرّد نطق مفردة "فساد". أقولها بكل وضوح؛ لم يكن الفساد في الماضي مستشرياً كما هو في عصرنا هذا. ثم المجتمع بكامله حينها وبكل فطريته لا يتخيل قبل أن يقبل وجود مرتش ولص وخائن وإرهابي وكاره للوطن. ما الذي حدث حتى أضحى النزيه والشريف كالعملة النادره؟ ما الذي قلب المفاهيم ولماذا هذه الانتكاسة في الفطرة؟ حتى لا يكون الكلام مجرّد هواجس في ذهن كاتب تمعّنوا في هذه المانشتات التي وردت في هذه الجريدة يوم الأحد الماضي 18 مارس 2012م: "مكافحة الفساد": جولات الهيئة كشفت الكثير من المشاريع المتعثرة والمتأخرة والآيلة للسقوط. بعض المشاريع لا تُنفّذ وفقاً للمواصفات والعقود وتعاني الضعف وعدم الالتزام. تقارير تؤكّد خطورة بعض المباني ووجوب إخلائها من السكان ومع ذلك مازالت تُستعمل. حسناً لمن تتبع هذه المشاريع؟ إنها أيها السيدات والسادة تابعة لأجهزة خدميّة حكومية مهمة مثل النقل (طرق) والصحة (مستشفيات ومراكز صحيّة) والخدمات البلدية ومشاريع المياه. ماذا بقي من خدمات لم ينوشها الفساد إذاً؟ قد يكون الشيء الإيجابي الوحيد في الحكاية هو تعاون المواطنين في الإبلاغ عن تلك المشاريع وهو ما لم نعهده من قبل. هناك دلالة أخرى مهمة لمستها في سياق الخبر حيث أفادت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أن أكثر ما يُلاحظ على المشاريع المتعثرة أو المتأخرة أو سيئة التنفيذ تقع في المحافظات والقرى النائية بحكم بعدها عن المراكز الرئيسة للجهات الحكومية وبالتالي بعدها عن الرقابة المباشرة. مشاريع بعيدة عن عين الرقيب أكيد سيرتع فيها الفساد ويُعشعش. السؤال: لماذا غاب الرقيب أصلاً؟ أقول فتّشوا عن بند الانتدابات لتتضح حقيقة أخرى أكثر قتامة مما يتصوره مفتشو الهيئة وباحثوها الميدانيون. اعتقد بتراكم عناصر ومقومات عدّة أدت إلى اشتداد عود الفساد وهي: تهاون، استهتار، تسيّب، غياب الرقيب، موات الضمير، ثم الأهم من هذا كلّه "الأمن من العقوبة"، ومن أمن العقوبة ولغ في الفساد حتى أُذنيه. متى سمعتم بالتشهير أو عقاب فاسد ليرتدع غيره؟ الآن عرفنا بوجود فساد حسب تصريح الهيئة؛ ثم ماذا؟ قيل ان أقصر الإجابات هي الفعل فماذا أنتم فاعلون أيها السادة؟