الكتابة تقنية واستراتيجية للتعبير. تحاط عمليتها بتاريخ من القراءة وطموح جامح من طرف الكتاب للاستقلال عن تأثيرها. جينيالوجيا الكتابة عوالم من الكلمات والأسرار، من التجلي والإضمار. وفي إطار تدوين تاريخ الكتابة وسيرة الكاتب. اقتربنا من مجموعة من الأدباء والأديبات، ففتحوا لنا قلوبهم في هذه الحوارات الشيقة. ما هو نصك الأول المنشور؟ وكيف تنظر إليه الآن؟ كان نصي الأول قصة قصيرة بعنوان: «اغتيال الشمس». نص محمول على نفحة شعرية غائمة، إذ كنت أعيش حيرة بين كتابة الشعر والسرد، في سنتي الجامعية الأولى، قبل أن ألتفت إلى كتابة الشعر جديا، طوال حقبتي الثمانينات والتسعينيات. ما هو المنبر الأول الذي نشرت فيه وكيف كان إحساسك؟ صحيفة «تشرين» السورية. يصعب وصف ذلك الاضطراب الآن. أذكر أنني استيقظت في السادسة صباحا، بقصد شراء الصحيفة من بائع صحف قريب من سكني، وتصفحت الجريدة في الشارع، غير عابئ بمن حولي. قرأت القصة عشرات المرات، طوال ذلك اليوم. ما هو الكتاب الذي حفزك على الكتابة؟ ربما كان ذلك الكتاب «آلام فارتر» لجوته. أذكر بأنني عشت مشاعر غير عادية وأنا ألتهم الصفحات، وقد عشت اضطرابا أكبر مع دستويفسكي في «الجريمة والعقاب»، ولكن من موقع القارئ. لم أفكر بالكتابة حينذاك، عدا محاولات شعرية تقتفي أثر نزار قباني، من دون نجاح يذكر. الآن ربما يحضر جاك بريفير في «كلمات» ، ويانيس ريتسوس في «إيماءات»، فقد كانا بوصلتي إلى القصيدة. ما هو الكتاب الذي تمنيت كتابته؟ «دون كيخوته» لسرفانتس. هذه الرواية تسحرني إلى اليوم، واعتبر صاحبها هو الأب الروحي لسرد الحداثة لجهة تقنيات الكتابة، بالإضافة إلى الشحنة العالية من التهكم العميق، والقدرة على تشريح أفعال الشخصيات. من هو الكاتب الذي يتجول في عروق كتابتك؟ عشرات الكتاب. نحن نحمل فوق أكتافنا مقبرة من الأسلاف، لذلك يصعب فحص فصيلة دمي بدقة. ففي كل مرحلة هناك من يجذبني إلى جحيمه: تشيخوف، جنكيز ايتماتوف، ستاندال، إدواردو غاليانو. ربما كان غابرييل غارسيا ماركيز هو الأكثر سطوة بين هؤلاء، بالإضافة إلى أبي حيان التوحيدي. ما هو الكتاب الأول الذي نشرته؟ كتاب شعري بعنوان «افتتاحيات» (1982). ما هي ظروف النشر التي رافقته؟ نشر ضمن مطبوعات وزارة الثقافة في دمشق، إلى جانب مجموعات شعرية لشعراء كبار، وقد كنت من أوائل جيل الثمانينات الذين تبنت كتاباتهم الوزارة، مقابل مكافأة قدرها ألف ومئتا ليرة سورية. لم أمر إلى اليوم بمكابدات النشر. كان هناك من يحتضن كتاباتي على الدوام، حتى أنني أندم أحيانا، على سرعة التخلص من مخطوطات كتبي. ماذا تكتب الآن ..؟ أنا في فترة نقاهة الآن، فقد انتهيت للتو من كتابة رواية كابوسية بعنوان «جنة البرابرة»، وقد صدرت عن «دار العين» في القاهرة. الرواية مزيج من اليوميات التي عشتها خلال ألف يوم ويوم في ظل جحيم الحرب الذي تعيشه سوريا اليوم. إثر انتهائي من كتابة هذه الرواية كتبت دراسة صغيرة بعنوان «الرواية تلك المهنة الشاقة التي نذهب إليها طوعا»، عن أحوال الروائي في فترة العطالة، إذ فجأة تجد نفسك في منطقة اللاجاذبية، معلقا في الفراغ، بعد أشهر، وربما سنوات من المخاض والولادة، واختراع حيوات وكمائن وأوهام لشخصيات تشاركك حياتك. هل تفرض عليك كتابتك نوعا من الطقوس؟ لا طقوس على الإطلاق. أكتب في كل الأوقات ، وفي مختلف الأمكنة، المهم أن يكون لديك ما ترويه. خلال الكتابة أعيش حالة طويلة من الكآبة والشغف والعزلة. ما هو المكان الذي تحب أن تكتب فيه؟ كتبت ثلاثا من رواياتي في المطبخ.. ومنذ ثلاث سنوات انتقلت إلى بيت جديد بمطبخ ضيق، فاحتللت غرفة النوم، فيما توزعت مكتبتي في أرجاء البيت. لا أعيش رفاهية الكاتب، فمن يعمل في الصحافة أشبه بالعمال المياومين، عليه أن يوزع أوقاته بين أكثر من مجال. التفرغ لكتابة رواية ضربا من الأحلام المستحيلة. ما هو تعريفك للكتابة؟.. وهل لها جدوى الآن؟ الكتابة حياة موازية، أو الحياة كما نشتهيها، بقدر ما هي ممتعة إلا أنها مهنة شاقة وكئيبة وضرورية على الدوام، فهي لا تتوقف عن التحريض على الجمال، فيما يعيش الكاتب تعاسته الكاملة. هل حقا الأدب في خطر؟ .. ماذا علينا أن نفعل من أجله؟ ليس الأدب وحده في خطر، إنما القارئ في خطر. الفيس بوك حول القراء إلى كتاب. الخطر في الركاكة وشجاعة الجهل، واحتلال الميديا للمساحات الأخرى، وفي مقدمتها الأدب. كما أن تسليع الأدب أقصى كثيرا من جمالياته الروحية لمصلحة التسلية العابرة. حين أعبر أمام مكتبة قديمة وقد تحولت إلى دكان للأحذية أو مكان للوجبات السريعة، أو محل للهواتف النقّالة، أدرك أي مصير مفجع ينتظر حرفة الأدب. هل تحب أن توجه تحية شكر لشخص ساعدك في مشوارك الأدبي؟ إنهم كثيرون، وأغلبهم قراء لا أعرفهم. عبارة قالها مرة جمال الغيطاني في مديح رواياتي منحتني شحنة كبيرة على الاستمرار. هل لديك أمنية أدبية تحلم بتحقيقها؟ أن أهجر العمل الصحافي وأتفرغ للكتابة الأدبية. أحسب أن كل رواياتي كتبتها في أوقات مسروقة من العمل الصحافي، وكان بالإمكان أن تكتب بروية أكبر.. صورة حديثة موجز عن السيرة إنني من مواليد الحسكة (سوريا) 1959، أعيش في دمشق، وأعمل في الصحافة الثقافية ، منذ منتصف الثمانينات. درست في كلية الآداب في جامعة دمشق (قسم التاريخ). كتبت ثلاث مجموعات شعرية: «افتتاحيات» (1982)، و «هكذا كان المشهد» (1986)، و «اقتفاء الأثر» (2000)، ثم تحولت إلى كتابة الرواية، وأنجزت «وراق الحب» (2002)، وقد حازت هذه الرواية على جائزة نجيب محفوظ للرواية (2009)، و «بريد عاجل» (2004)، و «دع عنك لومي» (2006)، و «زهور وسارة وناريمان» (2008)، و «سيأتيك الغزال» (2011)، و «جنة البرابرة» (2014)، بالإضافة إلى كتاب حوارات مع محمد الماغوط بعنوان «اغتصاب كان وأخواتها» (2002).