أحكام الشريعة كلها سواء أكانت أوامر أو نواهي أو مباحات إنما تقصد المحافظة على مصالح الناس بجلب كل ما فيه منفعة لهم أو دفع كل ما فيه مضرة عنهم. هذه الأحكام التشريعية بكل أسف شديد ننسى تطبيقها في مجتمعنا على أرض الواقع ولا نعمل بها في كثير من أمور حياتنا الخاصة والعامة. فرفع المضرات يجب أن يتقدم على جميع المنافع لا سيما بما يخص صحتنا. فيعد درء المفسدة مقصدا شرعيا لا يمكن الاستغناء عنه إذ إن المصلحة لا تتحقق بجلب المنفعة فحسب. بل إن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة في حال التعارض والتزاحم. وهذا الأمر يظهر واضحا جليا في قاعدة «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة» المستمدة من القرآن المجيد، وأحاديث الرسول منها في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» وهو حديث أخرجه مالك. فمن أتلف مال غيره مثلا لا يجوز له أن يقابل ذلك بإتلاف ماله؛ لأن ذلك توسيع للضرر بلا منفعة، وأفضل منه تضمين المتلف قيمة ما أتلف، فإن فيه نفعا بتعويض الضرر، وتحويل الضرر نفسه إلى حساب المعتدي. يتفرع عن هذه القاعدة ويندرج تحتها ويتعلق بها قواعد أخر، منها «الضرورات تبيح المحظورات»، و«الضرورات تقدر بقدرها»، و«الضرر لا يزال بمثله»، و«الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف». اختيار أهون الشرين أو أخف الضررين إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما. أي أن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الآخر فيتحمل الأخف ولا يرتكب الأشد. والأصل في هذه القواعد قولهم: «إن من ابتلي ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيهما شاء، وإن اختلفتا يختر أهونهما؛ لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة». إن قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المنافع التي بينت لنا أن الإنسان لا يجوز له أن يلحق الضرر بغيره مقابل انتفاعه هو بحقه؛ وهذا ما اصطلح عليه القانون الحديث اليوم بنظرية «التعسف في استخدام الحق» والتي بينت المسموح والممنوع في استخدام الحق. ومن هنا نلاحظ أن هذه القواعد توفر للعبد الراحة، وتبين له ما يجب عليه فعله وما لا يجب متى كان هذا الفعل يلحق الضرر بالآخرين، وإن كان حقا خالصا له. فهذه القواعد تنظم شؤون العباد وتضع الأسس المثلى والضوابط الجيدة لتعامل بعضهم مع بعض. فمثلا «غلط زائد غلط لا يساوي صح». كون الإنسان يدرأ مفسدة أعظم من كونه يجلب مصلحة التي يتخيلها ويظنها، فإذا كان اجتماعه بزيد أو بعمرو يترتب عليه شر فيترك هذا الاجتماع الذي يخشى منه الشر. منع الشخص من التصرف في ملكه إذا كان تصرفه يضر بجاره ضررا فاحشا، لأن درء المفاسد عن جاره أولى من جلب المنافع لنفسه أو لغيره. هذا هو دستورنا يا معالي أمين محافظة جدة. أتمنى من الجميع أن يعملوا ويطبقوا عمليا هذه القاعدة: «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، حيث إن دستورنا القرآن الكريم والسنة النبوية. للتواصل (فاكس 6079343)