قد لا يكون هناك شارع في العاصمة الايرلندية "دبلن" باسم "شارع الكستناء"، ولكن المؤلفة العالمية الراحلة مافي بينتشي جعلت قراء روايتها الأخيرة التي صدرت الأسبوع الماضي بعد عامين من وفاتها يستشعرون وجود هذا الشارع في أحد أركان المدينة وكأنه في الحقيقة. رواية "شارع الكستناء" عبارة عن سلسلة من القصص القصيرة، تقودنا بينتشي بخيالها الواسع إلى شارع وهمي غني بالشخصيات الاجتماعية التي تأتي وتغادر ذلك المكان، وكانت منذ مدة طويلة تتطرق من حين إلى آخر إلى هؤلاء الأشخاص وتكتب عنهم العديد من الصفحات، ثم تتركها لاحقا في أدراجها «للمستقبل»، كما كانت تقول، إلى أن حان هذا المستقبل بالفعل ورأت روايتها النور. وبحسب مقدمة قصيرة للرواية أعدها زوج المؤلفة الكاتب الايرلندي غوردون سنيل، وقال فيها إن زوجته كتبت هذه القصص على مدى عقود، بنية ربطهم معا في كتاب واحد يجمع خليطا من هذه الشخصيات التي صالت وجالت في شارع الكستناء الخيالي، وعند وفاتها جمع المحررون 36 قصة في إصدار واحد به نسيج مترابط من الشخصيات الاجتماعية الخيالية غير الموجودة في الواقع. لقد أبدعت وتميزت بينتشي في "شارع الكستناء" من خلال قدرتها على إضفاء السمات الواقعية لتلك الشخصيات الفردية التي صنعتها من نسيج خيالها وبثت فيها الروح بإبداع الوصف وقدرة عجيبة على تطويع الأفكار وأسلوب الطرح الذي ينتقل بنا ما بين الخيال والواقع أثناء سرد الحكايات والقصص عن تلك الشخصيات التي تنقلت في أنحاء المدينة ابتداء من طريق سانت جارلث ذي الطبيعة الخلابة الذي يقود في نهاية المطاف إلى ذلك الشارع الكستنائي الخيالي محور الرواية والذي يعج بالعديد من الجيران القادمين والمغادرين، ومن خلف أبوابهم المغلقة نواجه في هذه الرواية العديد من الشخصيات المختلفة في ظروف دنيوية متنوعة، عمليا وعاطفيا. ومن بعض هذه الشخصيات الجميلة التي جلبتها لنا برينتشي إلى حياة الواقع في روايتها، شخصية "بوكيت ماغواير" منظف النوافذ الذي تفرض عليه الحياة عملا شاقا يفوق ما يأمله لتأمين مستقبل ابنه "نيسا بيرن" الذي تزوره عمته من الولاياتالمتحدة كل صيف لتقلب حياته رأسا على عقب، وقصة الفتاة "دولي" التي تكتشف عن والدتها ذائعة الصيت في الحي العديد من الأمور التي لم ترغب في معرفتها، وقصة الشاب "ميلي" الذي اعتاد على إفشاء أسرار الجيران ونقل القيل والقال إلى "مدام سحر" العرافة التي نصبت نفسها دور المصلح الاجتماعي الذي يضع مستقبل الناس في المسار الصحيح، وقصة "مولي" التي تعلمت علاج الأرق من رفيقة لها في شيكاغو، والعديد من الشخصيات الأخرى التي أتحفتنا بها المؤلفة. رواية "شارع الكستناء" التي امتازت بالطابع الفكاهي هي أحد الأعمال الاستثنائية التي كتبتها الروائية العالمية "مافي برينتشي"، وأطربت قراءها بهذا اللون والأسلوب القصصي، وصدرت هذه الرواية التي تتألف من 384 صفحة في 22 أبريل الجاري عن مجموعة "كنوبف دوبلداي" للنشر. الكاتبة في سطور: توفيت المؤلفة الأيرلندية مافي برينتشي، التي تعد مؤلفاتها بين الأكثر مبيعا، وواحدة من أكثر الكتاب شعبية في ايرلندا، في 30 يوليو 2012م بمدينة دبلن بعد معاناة قصيرة مع المرض عن عمر ناهز 72 سنة. وقد باعت برينتشي أكثر من 40 مليون نسخة من مؤلفاتها التي ترجمت إلى 37 لغة، وأبرزها «الحافلة البنفسجية»، و«طريق تارا»، و«دائرة الأصدقاء»، وبعضها تحول إلى أفلام سينمائية. وبدأت برينتشي حياتها العملية معلمة للغة الفرنسية واللاتينية والتاريخ في عدد من مدارس البنات، ثم انتقلت إلى عالم الصحافة والتأليف بعد أن حطت رحالها في عاصمة الضباب لندن، حيث أصبحت رئيسة تحرير نسخة صحيفة ذا ايريش تايمز، ونشرت أول رواية لها «أشعل شمعة صغيرة» في عام 1982، وكانت حينها أكثر الكتب مبيعا. وفي مطلع الألفية الثانية احتلت الروائية الراحلة المركز الثالث في استطلاع رأي لأفضل المؤلفين بعد جين أوستن وتشارلز ديكنز. ونالت برينتشي جائزة عن إنجازاتها مدى الحياة من «جوائز الكتاب البريطانية» في عام 2010، وكانت برينتشي تعيش حتى وفاتها مع زوجها المؤلف غوردون سنيل، الذي أعادها لعالم الإبداع الروائي من خلال "شارع الكستناء" بعد عامين من رحيلها.