في خطوة تكرس التزمت والانغلاق، تحرم الحلال وتصف عادات المجتمع وحراكه المباح بالمخالفة الشرعية على أمور لا يصح الاحتساب فيها أصلا؛ لأنها أمور اجتهادية ليست محلا للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قامت إدارة التربية والتعليم في الدمام بتحذير مدارس البنات بعدم إقامة حفلات التخرج للطالبات متوعدة كل من يسهم فيها بالعقاب، واصفة هذا الاحتفال بالمخالفة الشرعية وخروج عن الأنظمة التعليمية، ومن بينها ارتداء الملابس غير المحتشمة والقصيرة والشفافة والمفتوحة من الأعلى والأسفل والرقص والموسيقى والإيقاعات وعباءات وقبعات التخرج الحياة (18635)، هذا التحذير يعبر عن ثقافة مرضية تتعلق بطريقة تفكيرنا وأسلوب معالجتنا لأي مبادرة لا تروق لعقولنا ظنا منهم أنهم يرهبون المجتمع بهذه العبارة يتسلقون على مبدأ سد الذرائع ليحرموا كل العادات والتقاليد بعد أن يدخلوها في الدين رغم أن الأصل فيها الإباحة، كما حدث مع بعثات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله والرياضة النسائية في المدارس، والتي اعتبرها أحدهم أنها من الكبائر مثل الخمر والزنا وقيادة المرأة وعملها وعضويتها في الشورى وغيرها. إن العادات أحلها الله مثل المعاملات والعقود واللباس والزينة، وتحذير إدارة التربية والتعليم ومسبباته ليس لها أصل في الشرع، فحفلات التخرج هي دأب اعتادت عليه المدارس منذ سنوات طويلة يحضر لهذه الحفلات مدرسون وطلبة يودعون بها مرحلة ليستقبلوا أخرى، وهي حفلات لا يتم فيها أي اختلاط بين الجنسين تتم في قاعات مغلقة، فالبنات مع مدرساتهن لا اختلاط ولا رجال، وإنما في محيط نسائي بحت. فعلى المذاهب الأربعة حكم المرأة مع النساء كحكم الرجل مع الرجل مختصر خليل للحطاب 1/498 الذي أكد على أن عورة المرأة في حق المرأة من السرة إلى الركبة، وفي التاج والإكليل للموافق 1/499 أن للمرأة أن ترى من المرأة ما يرى الرجل من آخر. وفي نهاية المحتاج 6/190 ومغنى المحتاج 3/131 أن المرأة مع المرأة كرجل مع رجل، أي يجوز لها أن تنظر من بدن المرأة ما يجوز أن ينظر الرجل من بدن رجل، فتنظر المرأة من المرأة ما عدا ما بين السرة والركبة، وفي المغنى لابن قدامة 6/562 وشرح المنتهى 3/9 على مذهب الحنابلة أن حكم المرأة مع المرأة في النظر إليها كحكم الرجل مع الرجل في النظر إليه، وقد أباحوا أن تغسل المرأة المرأة بعد موتها كما يغسل الرجل الرجل بعد موته، ورد في المبسوط للسرخسى 10/147 وبدائع الصنائع للكاسانى 5/124 وشرح العناية 8/12 أنه من المباح للنساء دخول الحمام والاغتسال فيه، فضرورة الانكشاف فيما بينهن متحققه في الحمام. هذه الحفلات فرحة للطالبات وأمهاتهن، لهن شرعا أن يكشفن ما بدالهن ما عدا ما حرمه الشرع في حكم النظر لحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام «ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة» صحيح مسلم 4/30، فيجوز للمرأة أن تلبس في هذه الحفلات ما تريد من مكشوف أو قصير أو شفاف أو خلافه طالما أنها سترت عورتها. فالتبرج لا يتحقق معناه إلا في حضرة رجال أجانب، فكيف يعتبر قرار التعليم أن إظهار زينة المرأة للمرأة من المنكرات والمخالفات الشرعية. لا يجمل بأي أحد من الناس أن ينكر على المرأة التزين وإظهار زينتها في غير محظور، علما أن زينة المرأة ليست حكرا على الزوج، فقد كان رسول الله وهو المشرع يكره ألا تختضب المرأة لحديث عائشة ذكره القرطبى في الأحكام 2/123 والشوكانى في نيل الأوطار، فليس ثمه محرم إلا ما حرمه الله وليس ثمه منكر إلا ما أنكره الله، حتى لو غنوا وفرحوا ورقصوا فيما بينهن، فالغناء ليس بمنكر، فقد ذكر الشوكانى في نيل الأوطار 8/266 أن خمسة عشر صحابيا وأحد عشر تابعيا كانوا لا يرون في الغناء بأسا بالمعازف. وله رسالة سماها (أبطال الإجماع على تحريم مطلق السماع). كما أباح مالك الغناء بالمعازف ذكره الشوكاني في رسالته عن القفال ص26، وفي الميزان للذهبي 4/192 نقل عن أبى طالب المكي في قوت القلوب أنه سمع طنبورا في بيت المنهال بن عمرو المحدث المشهور، وقد علق الحافظ بقوله (وهذا لا يوجب غمز الشيخ). فطالما أن هناك خلافا في مسألة الغناء، فلا يجمل بأحد من المخالفين مجاهدة الآخرين على الأخذ برأيه وحملهم عليه، أما لبس روب التخرج وقبعته فليس بمحرم لحديث ابن عباس في البخاري «كل ما شئت والبس ما شئت» ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة، ومثله أيضا روب المحاماة والذي شغل المختصين هل هو حرام أم حلال، ليس ثمة حرام إلا ما حرمه الله، وليس ثمه منكر إلا ما انكره الله، والأصل في كل المحرمات الوقف، فهذه من خصائص الألوهية، ولئن يخطئ المرء من القول بالإباحة أولى له وخير من أن يخطئ القول بالتحريم، فإن الأصل في الأولى حق وفي الثانية ضده، فضلا عما يكتف هذا المسلك الوعر من معاني قوله أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.