حرك الشيخ عبد الرحمن البراك الساحة مجددا بإطلاقه فتوى يصف من خلالها الصحافيين بأنهم جنود الشيطان عندما نصح سائلة بعدم كشف وجهها ورقبتها أمام المجاميع النسائية في الأعراس والمدارس ونحوها. وكان الشيخ عبد الرحمن البراك، يجيب على إحدى السائلات أثناء أحد دروسه الشرعية في الرياض عن حكم إظهار المرأة لشعرها ورقبتها ووجهها أمام النساء. وقال البراك، وهو أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض سابقا، إن «الصحافيين لا يرتضون توجه الستر وأنهم سيثورون ضده»، ناصحا السائلة «بتغطية الوجه والرقبة في محافل النساء كالأعراس والمدارس، فكشفه من مداخل الشيطان»، مشيرا إلى أنه «لو لم يفرض النظام في المدارس واللبس الساتر، لتهتكن». في حين أن الشيخ البراك لم يمنع أن «تكشف المرأة الوجه والشعر لقريباتها وفي الجلسات المختصرة». وكانت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات حجبت موقع الشيخ عبد الرحمن البراك بعد سلسلة فتاوى مثيرة له، كما أغلقت عددا من المواقع التي تتمتع بنفس الصفة وعملت على تحديث إغلاق الروابط التابعة لها. التساهل في القذف أكد القاضي في وزارة العدل الدكتور عيسى الغيث أن التساهل في رمي المسلمين بالتهم الباطلة والعبارات المسيئة أمر محرم شرعا، مشيرا إلى أن «هناك من يستسهل رمي المخالف له بالنفاق والبدعة والشهوة والشبهة والفسق وربما الكفر كذلك، والطعن في المقاصد التي لا يعلمها إلا الله، والطعن في الأشخاص والأعيان، وغيرها من مصطلحات تتكرر في أكثر من مكان، خصوصا في الإنترنت». وشدد الغيث على ضرورة إرشاد العلماء الربانيين لطلاب العلم وتوجيههم وتوعيتهم بخطورة هذه المسالك وحرمتها، مؤكدا أنه «لا يجوز إطلاق مثل هذه الكلمات، لأن لها تبعاتها في الدنيا والآخرة». وأوضح القاضي في وزارة العدل أن «الحاجة ملحة للاحتساب على كل من يستسهل رمي الآخرين بمثل هذه التصنيفات»، مشيرا إلى أن «كشف المرأة وجهها ورقبتها ورأسها جائز أمام النساء ولا دليل على تحريمه». وطالب الغيث المخالفين لهذا القول بالإتيان بدليل يثبت صحة رأيهم، مشيرا إلى أن «من قال بخلاف ذلك، فعليه بالدليل، مع أنه في جميع الحالات، يبقى الرأي ملزما لصاحبه، ولمن ارتضاه من المقلدين دون إجبار غيرهم عليه، ولا يجوز الإلزام به، فضلا عن التشنيع فيه والتحريض على خلافه والدعوة للخروج عليه، ومن أراد تقليد هذا الرأي، فله رأيه، ولكن لا يجوز إلزام الآخرين أو الإنكار عليهم». الإسلاميون والصحافيون أما الكاتب الصحافي ميسر الشمري فأكد أن لا أحد ينكر أن هناك عددا محدودا من الصحافيين حاد عن جادة الصواب. وأوضح الشمري أن انحراف صحافي أهون بكثير من استحلال دم الأبرياء والأملاك العامة، وذلك لأن الصحافي المنحرف إن وجد يكتب مقالا منحرفا، لكنه لا يفجر نفسه في الأبرياء من الأطفال ورجال الأمن. وأضاف: بحكم أنني أمضيت في مهنة الصحافة ثلثي عمري، أكاد أجزم أن غالبية الصحافيين السعوديين، هم في الواقع وطنيون وشرفاء، وليسوا جنودا للشيطان كما وصفهم الشيخ عبد الرحمن البراك. واستدعى الشمري جهود الصحافيين في الدفاع عن الوطن، موضحا «رأينا صحافيين يتسلقون الجبال ليلتقطوا صورا لجنودنا البواسل وينقلوا بطولاتهم وأخبارهم إلى العالم، وقرأنا لكتاب استلوا أقلامهم وراحوا يفندون مزاعم الخصم، وسمعنا محللين تسلحوا بالمنطق والحجة وراحوا يشرحون للعالم عبر الفضائيات، كيف فرض الإرهابيون الحرب على بلد السلام والإسلام». وشدد الشمري على أن «اتهام الشيخ عبدالرحمن البراك للصحافيين بأنهم جنود للشيطان مردود؛ لأنه قبل غيره يعلم من هم الذين سلموا عقولهم لشياطين الأنس قبل شياطين الجن، كما أنه يعلم من هم الذين يسعون إلى اختزال الوطن بفتوى متطرفة ويعملون على زعزعة الوحدة الوطنية، مرة بالتخوين وأخرى بالخروج على الملة. وزاد «منذ أن بدأت في الكتابة الأسبوعية المنتظمة أخذت عهدا على نفسي ألا أكتب في الشأن الديني ولا أتطرق إلى علمائنا الأفاضل، ليس ذلك لأن لحومهم مسمومة، بل لأنني لا أريد أن أركب الموجة وأصبح كاتبا جدليا أولا، وثانيا لأنني أدرك أن الكتابة في هذا المجال لا تضيف للوطن شيئا، فهي مجرد مماحكات ومحاولات لإثبات وجود، إن لم أقل مصالح، بين طرفين كلاهما يسعى لقيادة المجتمع. واستعرض الشمري بعض فتاوى البراك السابقة، مشيرا إلى أنه «سبق أن أفتى الشيخ البراك بكفر زملاء لنا، بعضهم يستطيع أن يحاججه بعلمه، ولم أنبس ببنت قلم، كما أنه أفتى قبل أسابيع بتكفير من استحل الاختلاط، وهو أمر أصبح ضرورة لمن لا يعيش بصومعة، ولم أبد رأيا في ذلك، لكن يبدو أنه قد بلغ السيل الزبى». مشيرا إلى أن «الدرس الذي قذف فيه الشيخ عبد الرحمن الصحافيين ووصفهم فيه بأنهم جنود للشيطان، مسجل على شريط وربما على قرص ممغنط، إضافة إلى أن الأشرطة والأقراص الممغنطة أصبحت جزءا لا يتجزأ من وسائل الإعلام، بل في صلب عملها». وأضاف: لست هنا لأطلب من وزارة الثقافة والإعلام حماية الصحافيين من الفتاوى العشوائية فهي لا تفعل ذلك، لكن وبما أن مسؤولا في الوزارة أقر بأن ما قام به الشيخ عبد الرحمن البراك قذف بحق الصحافيين، فإنني أطالب هيئة الصحافيين، مع الإقرار مسبقا بأنها لن تفعل، بإقامة دعوى قذف ضد الشيخ عبد الرحمن البراك، فهو وصفنا من دون استثناء بأننا جنود للشيطان، بينما معظمنا يرى في ذاته جنديا للوطن، وأن مهمته تتعدى حدود الجدل الاجتماعي للتصدي للمؤامرات التي تحاك ضد الأمة، بينما هناك من يراقب إن لم أقل، يشارك في تلك المؤامرات لنسف مكتسباتنا الوطنية. هيئة الصحفيين واعتبر رئيس هيئة الصحفيين تركي السديري أن تصريح البراك «لا يمثل رأي هذا الرجل وحده، بل يمثل اندفاع الانغلاق، الذي كان مغطى في السنوات الماضية، بحيث كان الواحد منا لا يعرف نوعية ثقافته الدينية، وكان المجتمع مضغوطاً بقيود دينية سار عليها بدون شرح أو قناعة. ومن الواضح أن انتشار الثقافة والوعي أوضح أن المجتمع السعودي عاش بعيداً عن حقائق العقيدة الإسلامية». ويشير السديري إلى أنه، «منذ وقت قريب، استمعنا إلى شيخ الأزهر في ندوة مع الزميل داود الشريان، فتحدث بكلام لا أعتقد أن الشيخ البراك أو أمثاله قادرون على التحدث بمثل ذلك الوعي ولو بنسبة 2%». المعرفة الدينية ورأى رئيس هيئة الصحافيين أنه «عندما يصف الشيخ البراك الصحافيين بأنهم جند الشيطان، فهو يتحدث من واقع انغلاق بعيد جداً عن المعرفة الدينية. توسع الاتصالات والمعارف والعلاقات، فكيف أن نحو مليار مسلم يعيشون في علاقات إيجابية، هي من إيجابيات الإسلام نفسه، بينما نحن نختلف معه. في حين أن ما يقارب 200 ألف منغلق سعودي هم الذين يعيشون الإسلام الصحيح، بينما هؤلاء الملايين هم على خطأ؟»، معتبراً ذلك «الخطأ الكبير الذي يجب أن يُزاح عن مجتمعنا، فرمي هذه التهمة بحد ذاته تجاوز إسلامي غير منطقي». وأضاف «الصحافة لعبت أدواراً كبيرة ليس فقط في خدمة المجتمع، ولكن أيضاً إسلامياً لأنها تصدت لكثير من التعقيدات وعرقلة الحياة الاجتماعية، منها ما كانت تفعله هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال السنوات الماضية». المجتمعات الإسلامية وتابع السديري: «أما أن يريدنا البراك أن نستمر بالعيش في بيت الطين القديم، بدون أن نعرف عن الثقافة الإسلامية الحقيقة، وحين لم نكن نعرف عن حقيقة الحياة في المجتمعات الإسلامية الحقيقية، فهذا ما يجب أن يعيشه هو في داخله أولا، لأن من يفكر بهذه الطريقة هو البعيد عن الإسلام ومفاهيمه». ونفى رئيس هيئة الصحافيين السعوديين أن يكونوا ضد «الستر والحجاب»، قائلاً «لو سألت أي صحافي ما إذا كان يتمنى أن تعيش المرأة العربية والمسلمة في مجتمعات غير إسلامية، فسيكون الجواب لا، لأن الحرية في الغرب تجاوزت حدودها، ودخلت المرأة في مجالات غير سليمة. لكن ما يراد للمرأة المسلمة هو أن تأخذ كامل حقوقها، وأن تعود إلى ما كانت عليه في العصر الإسلامي الأول، حيث لم تكن مستبعدة من الحياة الاجتماعية، حين أعطاها الإسلام أدواراً إيجابية كبيرة». واعتبر السديري أن «ما نعيش فيه الآن ليس خلافاً بين رأي إسلامي ورأي آخر معارض أو مضاد، بالعكس فالجانب الإسلامي السليم والصحيح هو الذي يظهر في الآراء المنشورة في الصحافة، وليس في مثل هذا الانغلاق المعزول عن الحقائق الإسلامية الموجودة في دول أخرى». وعن مستقبل العلاقة بين الصحافيين وبعض المشايخ الذين يتبنون هذا الفكر، ذكر السديري أن العلاقة «متأزمة من السابق. ولو رجعنا بالذاكرة إلى سنوات سابقة سنجد أنه ليست الصحافة هي التي خرجت من الإطار المنغلق، ولكنها جزء من مظاهر اجتماعية عديدة نجدها في الجامعات ومدارس البنات والأدوار الوظيفية للمرأة وتمثيلها في مجالات إيجابية مثل الطب والمؤتمرات الدولية حول حقوق المرأة والإنسان. وهذه كلها جوانب شرفت المجتمع السعودي، وأخرجته من انغلاقات بيت الطين الذي جعل من الرجل حارساً ومالكاً ومسيطراً وسيداً، ضد أي شيء يخص المرأة». أما الكاتب والباحث في الشؤون الإسلامية نجيب عصام يماني فقال «منعت نفسي من أن أرد على البراك لأن ما قاله لا يدخل إلى منطقة العقل ولا يمكن أن تهضمه معدة الإنسان السوي. فهو نوع من الجنون، والبراك وأمثاله بعد أن اتضح إفلاسهم الفكري وأسقطت وسائل الإعلام المختلفة أقنعتهم وبدأوا يفقدون أثر تلك المقولة أن لحوم العلماء مسمومة بدأوا يهرفون بالقول. وأضاف: ما يقوله البراك مجرد فرقعة إعلامية. حباً في التمسك بتلك الهالة التي أحاطوا بها أنفسهم، من أن على المرأة تغطية وجهها ورقبتها في محافل النساء كالأعراس والمدارس وأن كشفه من مداخل الشيطان، فهذه العبارة تحمل بين طياتها منزلقاً سيئاً لا يجمل بأحد من عامة الناس الوقوع في وخمه فما بالك لو كان من العلماء والدعاة. وزاد «الوجه الآخر لعملة هذه العبارة هو القول بأنه (من الحق رفض شرع الله)، فالمذاهب الأربعة تنص على أنه كل ما يحل للرجل أن ينظر إليه من الرجل يحل للمرأة أن تنظر إليه من المرأة، وقد أباحوا أن تغسل المرأة المرأة بعد موتها كما يغسل الرجل الرجل بعد موته وقد ورد في المبسوط للسرخسي والبدائع للكاساني والهدابة أنه مباح لهن دخول الحمام والاغتسال فيه، فضرورة الانكشاف فيما بينه متحققة في الحمام كما جاء في شرح مختصر خليل للحطاب والتاج والإكليل للمواق وحاشية الصاوي للدرديري». وأكد يماني أن حكم المرأة مع بنات جنسها على المشهور كحكم الرجل مع بني جنسه من السرة إلى الركبة لا يكشف أحدهما للآخر بخلاف سائر البدن، والمالكية مثل الأحناف لا يفرقون بين نظر مسلمة وغير مسلمة إلى المسلمة. وفي المذهب الحنبلي أورد ابن قدامة في المغني وشرح المنتهى أن حكم المرأة مع بنات جنسها في النظر إليها كحكم الرجل مع بني جنسه في النظر إليه، كما ورد في صحيح مسلم 4/30 وجامع الترمذي 8/77 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله «ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة». وتساءل الباحث في الشؤون الإسلامية «هل يا شيخ عبدالرحمن رقبة المرأة ووجهها عورة يجب تغطيتها أمام النساء، وهل أم أنت أغير من الله ورسوله، فالتبرج لا يتحقق إلا أمام رجل أجنبي عن المرأة، وأين الوسطية والاعتدال وعدالة هذا الدين ومتانته ووصية رسول الله أن نوغل فيه برفق بعيداً عن التشدد المذموم وإطلاق التحريم واتهام الناس في أعراضهم والتدخل في نياتهم». وأوضح يماني أن زينة المرأة ليست حكراً على الزوج فرسول الله كان يكره ألا تختضب المرأة والخضاب من الزينة التي تظهر لغير الزوج من الوجه والكفين، فليس ثمة حرام إلا ما حرمه الله وليس ثمة منكر إلا ما أنكره الله. ووجه يماني خطابا للبراك يقول فيه: اتق الله فالكتاب والصحافيون لديهم أسر وعوائل ونساء يخافون عليهم ويغارون على حرماتهم، فهم ليسوا جنودا للشياطين.