انتهت مهلة ال15 يوما الإضافية الممنوحة للمقاتلين السعوديين خارج المملكة لمراجعة النفس والعودة إلى البلاد وإلى رشدهم وتسليم أنفسهم قبل تطبيق العقوبات في حقهم. لماذا كانت استجابة هؤلاء لنداء الوطن ضعيفة؟ ومن لم يعودوا الى رشدهم لماذا لم يسلموا انفسهم؟ لماذا لم يلقوا السلاح ويرتموا في حضن الوطن؟ وبينما يرى البعض ان السبب الحقيقي في ضعف الاستجابة يكمن في عدم قدرة البعض على الوصول الى المناطق الآمنة لتوغلهم في المواقع المضطربة وعدم معرفة الكثير بما يدور هنا وتعرضهم لضغوط وتهديد بالتصفية والقتل وعدم قدرتهم على الخروج لتسليم انفسهم وغياب المعلومة الصحيحة عن هذه المهلة لعدم وجود وسائل تواصل بينه وبين أسرته، طرحت «عكاظ» السؤال على عدد من العلماء ورجال الامن والحقوقيين واولياء الامور، للوقوف على الاسباب الحقيقية وراء ضعف استجابة هؤلاء المقاتلين، إذ لم يكن هناك ما يشير إلى تسليم أشخاص أنفسهم للاستفادة من هذه المهلة، في حين بدأت وزارة الداخلية تطبيق عقوبة السجن بمدد من ثلاث إلى 30 سنة، على كل من يشارك في أعمال قتالية أو الانتماء للتيارات أو الجماعات الدينية أو الفكرية المتطرفة، سيما أن المملكة عززت قرارها الأخير بمعاقبة المقاتلين في الخارج والمنتمين للتيارات الفكرية أو الحزبية المتطرفة بقرار سابق عندما أصدرت قانون «مكافحة الإرهاب وتمويله»، الذي دخل حيز التنفيذ، وهو ينص على أن أي نشاط يقوض الدولة أو المجتمع يدخل ضمن جرائم الإرهاب، فيما تتركز مجموعات المقاتلين السعوديين في اليمن عبر الانضام إلى تنظيم (القاعدة في جزيرة العرب) والعراق من خلال ما يسمى بدولة العراق الإسلامية، وسورية بارتباطهم بتنظيمي (داعش) و(جبهة النصرة)، حيث تشير التقديرات الى وجود خمسة آلاف مقاتل تراوح أعمارهم ما بين 18 و25 عاما، ما يؤكد أن صغار السن تعرضوا لعملية (تغرير) صورت لهم الأمور بما يغاير الواقع. على خلفية هذا المشهد، استطلعت «عكاظ» آراء هذه الشرائح الاجتماعية، حيث عزا اعلاميون بداية السبب الرئيس لضعف استجابة المقاتلين السعوديين في الخارج للمهلة التي اعطيت لهم، الى كونهم في معزل عن الاعلام او ان بعضهم قد اقتنع تماما بالفكر المنحرف. يقول الاعلامي عبدالغني القش ان وزارة الداخلية اعطت فرصة كبيرة للمقاتلين في الخارج للعودة الى جادة الصواب والتراجع عن الافكار المنحرفة التي اقنع بها هؤلاء وغرر بهم، وأرادت الوزارة بذلك أن تعطيهم مهلة للتراجع عن الفكر الذي يحملونه الا ان الاستجابة لم تكن بالشكل المطلوب بسبب ان البعض منهم قد اقتنع بشكل كبير بالفكر الضال أو ربما أن بعضهم لم يعلم عن هذه المهلة حيث انهم في معزل عن الاعلام يعيشون ظروفا جعلتهم يبتعدون عن أي مهلة او اي فرصة تتاح لهم من القيادة الحكيمة. ورقة الدين وقال الكاتب الاعلامي محمد بتاع البلادي ان ضعف الاستجابة يعود إلى قوة المؤثر الأصلي. فهؤلاء الشباب يقعون تحت ضغط فكري ونفسي كبير، حيث تعرضوا في وقت سابق الى عمليات (أدلجة) وغسيل مخ استمرت لفترات طويلة جداً، ولأن العقل يحتله الأسبق وليس الأصوب بالضرورة خصوصا في هذه السن المبكرة، فان هذه الافكار تحولت الى ما يشبه القناعات بالنسبة لهم،وما يزيد الأمر صعوبة وتعقيدا هو لعب المحرضين بورقة الدين، واستغلال الحماس والاندفاع الطبيعي الموجود في نفوس الشباب لترسيخ مفاهيم وقناعات ليست من الدين في شيء فالفكر لا يقاوم الا بالفكر لذا فإننا نحتاج إلى وقت أطول وجهود أكبر وآليات أعمق من اجل تصحيح المفاهيم المغلوطه لدى الشباب، وإعادة عقولهم الى وضعها الوطني والتنموي والحضاري الصحيح. ومن منظور الاعلامي مرزوق العازمي انه فيما لو اراد البعض العودة فقد يجابه بردة فعل من قبل الإرهابيين ولكن مثلما تسلل المغرر بهم من وطنهم وذهبوا والتحقوا بمواطن الإرهاب ليس من الصعب عليهم التسلل والهروب من براثن الإرهابيين والعودة الى الوطن. وبدوره بين مسؤول التحرير بمكتب دار اليوم للإعلام بالأحساء عادل الذكر الله أن وزارة الداخلية بعد ان مدت يدها واعطت مهلة للسعوديين المقاتلين في الخارج توقعنا أن تنقل طائراتنا اولئك الشباب المغرر بهم ليعودوا الى حضن وطنهم الكبير الذي يسعنا جميعا على اختلاف مشاربنا واتجاهاتنا واعراقنا، لكننا صدمنا بتعنت اولئك المتطرفين وعدم سماعهم لصوت بلادهم الحاني علينا وعليهم ولأننا تعودنا من ولاة أمرنا الصفح والعفو ونبذ الارهاب بأشكاله والعنف والتطرف والغلو. التحذير من مخاطر العودة ومن وجهة النظر العسكرية يرى اللواء خالد الطيب مدير شرطة القصيم سابقا أن ضعف استجابة المقاتلين في الخارج تعود الى قوة إقناع مورست على اولئك الشباب في الذهاب اولا ثم في البقاء والتحذير المبالغ فيه من مخاطر العودة، وهنا يتضح شيء واحد هو أن التعامل مع هذه الحالة يحتاج الى قراءة واقع مناطق الصراع ومعرفة منهجية من يدفع شبابنا الى تلك المناطق وعزلهم عن مثل هذه الدعوات وتصويرها بأنها كاذبة. ويرى العميد عبدالله البدراني مدير الامن الوقائي في شرطة القصيم سابقا ان هناك في مناطق الصراعات المختلفة التي يذهب لها شبابنا من حاول التشويش وتشويه هذه الدعوة للتسامح بدعوات مختلفة واهداف متنوعة، وكم نحن بحاجة الى أن نوصل الى الشباب أن هذه الدعوة التي لم يستجيبوا لها كانت لصالح مستقبلهم. وأضاف العقيد راشد بن فهاد الهاجري مدير مرور بقيق أن عدم الاستجابة للمهلة تعود الى ان هؤلاء الشباب قد غرر بهم فانخدعوا من أناس يريدون الفساد ولا يريدون الإصلاح، مشيرا إلى أنه لا بد من الأخذ بأيديهم وإسداء النصح لهم من قبل المشايخ. وعبر مدير شرطة النعيرية العقيد عثمان اليوسف والعقيد منصور حمدان مدير الدفاع المدني في بقيق عن أملهما في عودة كل مغرر به خاصة بعد ان بين العلماء ان ما تقوم به تلك الجماعات ليس جهادا بل إرهاب. كذلك عبر قائد دوريات أمن الطرق بالنعيرية ملازم اول خالد حميد القريقري الحربي عن امله في عودة أبناء الوطن المغرر الى البلاد، مضيفا: انا لا اعلم عن الأسباب التي تجعل البعض لا يعود ولكن في اعتقادي ان من أراد العودة سيواجه من قبل تلك المجموعات الإرهابية ولن يسمح له بالعودة وهذا قد يكون احد الأسباب في اعتقادي. غسيل مخ ومن وجهة النظر القانونية يرجح المحامي الدكتور يوسف الجبر رئيس لجنة المحامين بغرفة الاحساء ان تكون هناك عمليات غسيل مخ مورست على هؤلاء لان الاماكن التي يتواجدون فيها بؤر خطيرة وهم الان معزولون عن صوت العقل والحكمة. وفي رأي المستشار القانوني عبدالهادي محمد العتين ان انقضاء المهلة المحددة ليس دليلا على عدم رغبة البعض في العودة لان تلك المنظمات والمجموعات الإرهابية لا تسمح لأحد بالتراجع والانسحاب منهم فمصير من يفعل ذلك التصفية والقتل مهما كان وضعه واتوقع انه بعد اعلان وزارة الداخلية ستكون هناك وقاية لكل المغرر بهم من السعوديين. وقال عبداللطيف محمد العبدالقادر محافظ بقيق: يبدو ان هناك اسبابا منعت البعض من العودة منها ان تلك المنظمات الإرهابية يسهل الدخول في شرورها ولكن ليس من السهولة الخروج من شباكهم ولا نعتقد ان الخروج من الباب مثل الدخول، وقد يكون هناك من يرفضون العودة ولكن نتوقع ان الغالبية حتى لو أرادوا العودة سيكون من الصعب عليهم ذلك لان اولئك الإرهابيين يقتلون الأطفال ويمثلون بالجثث فليس من الصعب عليهم قتل من يحاول الخروج عن طاعتهم. بدوره قال محافظ النعيرية زيد عبدالعزيز الدغيلبي: لا شك ان الدولة حريصة كل الحرص على أبنائها وتلك النداءات التي وجهت لهؤلاء المغرر بهم كانت نداءات صادقة مخلصة وتمنينا الاستجابة من قبلهم للعودة لاحضان الوطن والابتعاد عن مواقع الفتن. ومن جانبه اوضح الشيخ غازي المطيري ان المهلة كانت فرصة سانحة للشباب من قبل القيادة لتعلن امام الجميع موقفها في التسامح مع ابنائها، مؤكدا ان عدم استجابتهم امر خارج عن ارادتهم وقال ان المملكة لها جهود كبيرة في اعطاء الفرص لكل من غرر بهم وذلك خلال لجنة المناصحة والتي تهدف الى توعية واصلاح الشباب للابتعاد الفكر المنحرف والعودة الى الفكر الصائب. ويؤكد الدكتور فهد العتيبي أن الدولة من حرصها على ابنائها حتى اولئك الذين تجاوزوا التعليمات وتعرضوا للتحريض واتجهوا للجهاد دون دراية سعت لاعطائهم الفرصة والرجوع الى جادة الصواب والعودة الى الوطن قبل انتهاء المهلة المقررة.