تأتي جولة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع لليابان غدا ضمن جولته الآسيوية في إطار ترسيخ العلاقة التاريخية المتينة وتعزيز الشراكة الاستراتيجية القوية بين المملكة واليابان والتي تقترب من الذكرى الستين، حيث بدأت العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1955م، وإن كانت البدايات التاريخية بين الشعبين ترجع إلى ما قبل ذلك عندما قام المبعوث والسفير السعودي لدى إنجلترا آنذاك حافظ وهبة بزيارة اليابان عام 1938م ومشاركته في افتتاح مسجد طوكيو الذي يعد أول مسجد تم بناؤه في اليابان. وجاءت بعدها زيارة المبعوث الياباني لدى مصر ماسايوكي يوكوياما للمملكة في عام 1939م كأول مسؤول ياباني يزور المملكة وأيضا أول عضو ياباني يرشح لعضوية مجلس إدارة شركة آرامكو حيث التقى بالملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – في الرياض وتلى ذلك قيام وفد اقتصادي ياباني بزيارة المملكة عام 1953م أي قبل بدء العلاقات الدبلوماسية بسنتين وما ترتب على هذه الزيارة فيما بعد من منح المملكة لشركة الزيت العربية (اليابانية) حق امتياز التنقيب عن البترول حيث تم توقيع اتفاقية الامتياز في ديسمبر 1957م، وبعد ذلك توالت الزيارات المتبادلة بين البلدين. وقد تمخضت هذه العلاقة التاريخية والشراكة الاستراتجيبة بين البلدين عن تشكيل اللجنة السعودية اليابانية المشتركة التي توجت بالكثير من الاجتماعات المثمرة وأسفرت عن توقيع اتفاقيات كثيرة في جوانب مختلفة في المجالات التقنية والاقتصادية والعلمية والثقافية والبيئية وساندتها أيضا اجتماعات مجلس الأعمال السعودي الياباني في كثير من مجالات القطاع الخاص بين البلدين. إن ما يعزز اهتمامنا باليابان هو مكانتها العالمية المرموقة، حيث تحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث عدد براءات الاختراع لكل ألف نسمة وكما تملك أيضا أكثر من نصف ما يملكه العالم أجمع من أجهزة الريبوتات. كما تعد اليابان ثالث أكبر إمبراطورية اقتصادية في العالم والدولة الآسيوية الوحيدة في مجموعة (G8) وعلى هذا الأساس ليس غريبا أن نطلق عليها الإمبراطورية التقنية والاقتصادية. ومن هذا المنطلق تأتي زيارة الأمير سلمان الثانية لليابان تحمل في طياتها الشيء الكثير والتي سيتخللها بحث أوجه العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين وتعزيزها استراتيجيا ومناقشة المستجدات الإقليمية والدولية والوضع السوري والملف النووي الإيراني ونقل التقنية والتعاون في مجال التعليم والأبحاث والتدريب وفي المجال الطبي والطاقة الشمسية والمتجددة والنووية وتقنيات النانو والمياه والنقل والمواصلات وغيرها من مجالات العمل المشترك. ولا شك أن هذه الزيارة لسمو الأمير سلمان تأتي تأكيدا لعمق العلاقات والروابط التي تجمع بين اليابان والمملكة منذ أكثر من 59 عاما وتتزامن مع نهج ودور المملكة الطليعي والمتنامي في سبيل تعزيز السلام الدولي وتحقيق التوازن الاقتصادي ودعم الاستقرار والتنمية المشتركة حيث إن هذين البلدين الصديقين يسعيان دوما وبخطى ثابتة على استمرار هذا النمو والاستقرار في الاقتصاد العالمي وخاصة فيما يتعلق بسوق النفط وكذلك الاهتمام بالقضايا الأمنية العالمية والتعاون الدولي من خلال عضويتهم في هيئة الأممالمتحدة ومنظماتها المتعددة وأيضا العضوية المشتركة في دول قمة العشرين وفي تعزيز السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخاصة القضية الفلسطينية والأزمة السورية والنووي الإيراني. إن أهمية الشراكة والتعاون بين البلدين تأتي في إطار حجم وأهمية اليابان التي تعد ثاني أكبر شريك في العالم من حيث التبادل التجاري حيث تقدر صادرات المملكة الى اليابان في العام 2011 ب 48.2 بليون دولار مقابل 8.3 بليون دولار من اليابان إلى المملكة. أما فيما يتعلق بالاستثمار فإن اليابان تعد ثالث أكبر مستثمر في المملكة حيث يبلغ عدد المشاريع اليابانية في المملكة في العام 2010 م 59 مشروعا بتكلفة إجمالية تقدر بأكثر من 14.6 بليون دولار أمريكي ومن أهم هذه الاستثمارات مشروع الرازي بين شركة سابك وميتسوبيشي في مجال الميثانول ومشروع (شرق) بين نفس الشركتين وبترورابغ بين أرامكو السعودية وسامبتومو للبتروكيماويات اليابانية. إن استمرار التعاون الوثيق بين البلدين يفتح آفاق التعاون من أوسع أبوابه في الكثير من المجالات ومنها الطاقة والمياه والتحلية والصرف الصحي والطاقة المتجددة والفعالة والقطارات والمعدات والأنظمة الطبية وأيضا في المجالات الثقافية والتعليمية، حيث يدرس الآن أكثر من 500 مبتعث سعودي يندرج معظمهم ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي، حيث تولي الحكومة اليابانية اهتمامها الكبير بالمبتعثين وبتوسيع آفاق هذا التعاون في هذا المجال، حيث تهتم الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى اليابانية بتوفير كافة السبل وتقديم التسهيلات لمواصلة دراساتهم.