لقد مرّت ستة أشهر تقريباً منذ وصولي إلى المملكة العربية السعودية في شهر ديسمبر من العام الماضي. لقد كانت هذه هي مهمتي الأولى في الشرق الأوسط، لكنني أشعر أنّي مرتبط بالمملكة العربية السعودية، وذلك بفضل جميع كرم الضيافة والمعاملة اللطيفة من الشعب السعودي. لدينا في اليابان، تقليداً للترحيب بالضيوف من الأماكن البعيدة ورعايتهم بطريقة جيدة، وقد عرفتُ أن المملكة العربية السعودية لديها تقاليد تشبه ذلك تماماً. إنّ كرم الضيافة في المملكة العربية السعودية يسهم حقاً في توطيد العلاقات الثنائية بين اليابان والمملكة العربية السعودية. لقد مضى 58 عاماً منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية، ولقد حافظ البلدان على علاقات ودية بنجاح خلال هذه الفترة. ولم يقم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود فحسب، بل قام أيضاً أفراد آخرون من الأسرة المالكة السعودية وأفراد من العائلة الإمبراطورية اليابانية بزيارات إلى كلا البلدان، وأصبح البلدان شريكين دائمين مهمين جداً في مجال التجارة والاستثمار. لقد قام دولة رئيس وزراء اليابان السيد شينزو آبي بزيارة المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 30 إبريل إلى 1 مايو 2013م. وعلى الرغم من جدول أعماله المشغول جداً، فلقد قام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد، بعقد مباحثات مع رئيس الوزراء السيد آبي، الضيف القادم من بعيد، وأقام مأدبة عشاء سخية في قصر الملك فيصل بجدة. أجرى رئيس الوزراء السيد آبي أيضاً اتصالاً هاتفياً ودياً مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. أعرب الملك عبدالله عن رغبته في الحفاظ على العلاقة الودية مع اليابان إلى الأبد. كما هو واضح، فإن العلاقات الثنائية بين البلدين هي علاقات ودية فعلاً، ومع ذلك، ومن أجل تعزيز علاقة أفضل، فقد أعرب رئيس الوزراء السيد آبي خلال زيارته عن تأكيده على تأسيس شراكة شاملة والتي هي ذات أبعاد جديدة بين البلدين، وتهدف هذه الشراكة إلى تحسين استقرار وازدهار المنطقة، وتشمل السياسة والأمن والاقتصاد والتبادل الثقافي وتبادل الأفراد وهي تتخطى العلاقات الحالية القائمة على أساس تجارة النفط والسيارات. قام رئيس الوزراء السيد آبي بإلقاء خطاب عن السياسة اليابانية حول الشرق الأوسط، للمرة الأولى على مستوى رئيس وزراء اليابان في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وأشار إلى أن العلاقات بين اليابان والشرق الأوسط سوف تنتقل إلى مرحلة جديدة من العلاقات تتميز بثلاث عبارات رئيسية، هي «التعاون»، و»التعايش والازدهار المشترك» و»الانسجام والتسامح». على سبيل المثال، يمكن لليابان أن تقدم مساهمة إلى المملكة العربية السعودية في مجال سياسة الطاقة من خلال تقنية الطاقة المتجددة، وترشيد الطاقة. ويمكن أن تساهم اليابان أيضاً في مجال إدارة المياه في المملكة العربية السعودية حيث إن اليابان تمتلك أعلى تقنية لتخفيض معدل تسرب المياه. هذا هو ما نسميه «التعايش والازدهار المشترك». علاوة على ذلك، أعرب رئيس الوزراء السيد آبي عن نيته في تعزيز خطة جديدة للتعاون التقني حيث يتم إرسال مهندسِين يابانيين إلى المملكة العربية السعودية، وإعطاء دورات تدريبية للموظفين الفنيين السعوديين في اليابان بحيث تتاح للسعوديين فرصاً أكثر لتعلّم المهارات اليابانية. خلال هذه الزيارة، رافق رئيس الوزراء السيد آبي أكثر من 100 من قادة الأعمال اليابانيين إلى المملكة العربية السعودية. تمتلك اليابان أحدث التقنيات ليس في مجال الصناعات البتروكيماوية والتصنيع فحسب، بل أيضاً في مجال الطب والنقل والمياه والمنتجات الزراعية. تآمل اليابان أن تكون شريكاً طويل الأمد مع المملكة العربية السعودية في مجالات متنوعة. دعا رئيس الوزراء السيد آبي أيضا إلى «التعاون» بين اليابان والشرق الأوسط بما في ذلك المملكة العربية السعودية من أجل الاستقرار الإقليمي. وفيما يتعلق بالسلام في الشرق الأوسط، فإنه يجب الاستئناف الفوري للمفاوضات المباشرة بين الطرفين المعنيين على أساس حل الدولتين، والذي يسعى إليه المجتمع الدولي، ويجب توفير الدعم لفلسطين. علاوة على ذلك، ومن أجل وقف المأساة في سوريا، فإنّ دعم المجتمع الدولي ضروري. ويجب علينا ألاّ نغفل أيضاً عن القضية النووية في إيران. سوف تبذل اليابان جهدها بالتعاون مع المملكة العربية السعودية من أجل الازدهار والاستقرار الإقليمي. إن اليابان لديها نية أن تبذل جهودها ل»التعاون» و»التعايش والازدهار المشترك» في جميع العالم. تبذل حكومة رئيس الوزراء آبي جهوداً لتنشيط الاقتصاد الياباني على أساس استراتيجية المسماه «خطط تعزيز الاقتصاد» ب»الهوامش الثلاثة» وهي «السياسة النقدية الجريئة» و»السياسة المالية المرنة» و»استراتيجية النمو التي تشجع استثمارات القطاع الخاص». فاليابان، كثالث أكبر دولة اقتصادية في العالم ودولة رائدة في مجال التقنية، يمكنها إفادة الاقتصاد العالمي عن طريق زيادة الواردات إلى اليابان والاستثمار الدولي من اليابان. ومن ناحية أخرى، قال رئيس الوزراء السيد آبي إنّ أساس قرارات السياسة هو إيجاد ما يجب أن يكون عليه المجتمع، أي «المثال النموذجي للمجتمع» في مجالات الصحة (العمر الطويل)، والطاقة والبنية التحتية وتطوير المناطق الريفية وإلى آخره. ومن المهم أن نجد ما نحتاج من السياسة الفعلية لتحقيق ذلك «المثال النموذجي للمجتمع». قبل 50 عاما، كانت الرحلة بالقطار من طوكيو إلى أوساكا (550 كم) تستغرق 7 ساعات. بينما تستغرق ساعتين ونصف ساعة فقط في الوقت الحاضر بأحدث نموذج من القطار. لقد تحقق هذا، لأن الحكومة في ذلك الوقت خططت «المثال النموذجي للمجتمع» وتبنّت سياسة لدفع الإبتكار لتطوير تقنية «القطار الرصاصة (شينكانسن)». إن التقنية والمعرفة التي تقوم بتطويرها اليابان، ستساهم بتأكيد في تطور العالم. وهنا تفتح الفرص ل»التعاون» و»التعايش والإزدهار المشترك» مع العالم. تود اليابان بقوة المساهمة ليس في الجانب الاقتصادي فحسب، بل أيضاً في القضايا العالمية مثل السلام العالمي ومكافحة الفقر. وتبذل اليابان أيضاً، جهوداً ثابتة لإلغاء الأسلحة النووية والحفاظ على وتعزيز نظام عدم انتشارها بوصفها الدولة الوحيدة التي تعرضت الدمار بقصف نووي. علاوة على ذلك، استضافت اليابان «مؤتمر طوكيو الدولي الخامس حول التنمية في أفريقيا» (TICAD V) في يوكوهاما في شهر يونيو 2013م وستقوم بتعزيز التعاون في مجال التنمية وبناء السلام واستقرار المجتمع في أفريقيا. إنه لشرف لنا أن نقوم ب»التعاون» مع المملكة العربية السعودية كعضو في «مجموعة العشرين (G20) من خلال التوصل للتعامل مع القضايا العالمية. أما أنا، كسفير لليابان لدى المملكة العربية السعودية، فإنني حريص على تشجيع تبادل المعلومات والحوار ليس على المستوى الحكومي فحسب، بل أيضاً على مستوى المواطنين. خلال زيارة رئيس الوزراء السيد آبي، رافقته حرمه السيدة اكيي آبى. قامت السيدة اكيي آبي بزيارة إلى جامعة عفت وتبادلت الآراء حول أشياء متنوعة مع الطالبات السعوديات. لقد أثار إعجاب السيدة اكيي آبي قيام بعض الطالبات اللواتي درسن اللغة اليابانية سابقاً بالترحيب بها باللغة اليابانية. أتمنى بشدة أن يتعلّم عدد أكبر من الشباب في المملكة العربية السعودية اللغة اليابانية وسيصبحون مهتمين بالثقافة اليابانية، وأنا مستعد لدعمهم بكل الوسائل. أشاد رئيس الوزراء السيد آبي كثيراً بإنشاء مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، حيث إنه هو تجسيد «للتعاون» و»للتعايش وللازدهار المشترك» و»للانسجام والتسامح». وأكد السيد آبي أن الحكومة اليابانية سوف تعطي أهمية كبيرة للتفاهم المتبادل مع الدول الإسلامية من خلال الحوار. إنني على ثقة بأن تبادل الأفراد بين البلدين وتعميق التفاهم المتبادل سوف يغنِّي العلاقات الثنائية بشكل أكبر. * السفير الياباني لدى المملكة