من غير المألوف الخروج عن اللباس التقليدي لاسيما في المناسبات الاجتماعية.. إلا أن غرابة ذلك تشتد حين تجد من هيئته وهندامه لا يتناسبان مع قدسية المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام.. أو أن تجد بعض المسائل الخلافية في أداء المناسك والعبادة وقد انبرى لها أحد المحتسبين بصوت عال، مشوشا بذلك روحانية العبادة التي تكبد لها المعتمر والزائر مشقة وتكلفة السفر.. في حين أن البعض من هؤلاء المعتمرين والزائرين من قد يمارس ما يعتقده شعائر دينية.. ثبت أن لا أصل لها في الاسلام.. لكن أين «المحتسب» الذي يستطيع الأخذ بيد هؤلاء!! وفي الغالب، فإن أكثر ما قد يفاجأ به الزائر للحرمين الشريفين مشاهد القزع لبعض الشباب، أو شعارات لأندية شهيرة محلية أو عالمية، وقد تزين بها أحد المصلين في أقدس البقاع، والأمر قد يتجاوز ذلك، حين تكتستي تلك الأزياء عبارات تنافي تماما تعاليم الإسلام الحنيف، والتي قد تمر مرور الكرام على القائمين على شؤون المسجد الحرم والمسجد النبوي الشريف.. إلى جانب بعض المشاهد اليومية التي أصبحت «عادة» في الآونة الأخيرة، كأخذ الصور التذكارية بجانب الكعبة أو المقام أو المسعى أو عند الروضة الشريفة، فضلا عن أصوات المحتسبين الموجهة للكاشفات وجوههن في المطاف «غطي وجهك يا مرة».. برغم أن الكثيرات منهن قد لا يفقهن اللغة العربية!. هذه الوقائع.. كان من المنتظر التعليق عليها من قبل الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، لكن وحتى لحظة إعداد التقرير، لم يصل رد المتحدث باسم الرئاسة الأستاذ أحمد المنصوري حول هذا الخصوص. الدكتور حسن الأزيبي، أستاذ أصول الفقه في المعهد العلمي بجدة، بادرنا بالقول «إن الإسلام هو دين وعقيدة وأخلاق، يراعي كافة المتغيرات في كافة مناشط الحياة، ومن ذلك أنه أصل إلى أن اللباس في أصله الحل، لكنه دعا عموم المسلمين إلى أخذ الزينة عند قصد وزيارة بيوت الله، حيث قال تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد)، فكيف إذا كانت تلك البيوت بيت الله الحرام، ومسجد نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام»، وأضاف «اللباس مبني على المباح.. لكن إذا ترتب على اللبس ما هو غير مألوف كأن يكون مثل بعض الملابس المنتشرة الآن وتحمل شعارات لأندية قد يكون بعضها أندية ليلية، أو تحمل عبارات أجنبية ذات مدلولات مسيئة.. فهذا أمر يجب أن يتنبه المسلم لخطورته.. وأن يساهم في التوعية بمخاطرة، لا أن يرتدي مثل تلك الأزياء حتى وإن كان في الشارع». وقال الأزيبي «من المعروف أنك إذا ما أردت مقابلة شخص ذا مكانة فإنك ستكتسي ما يليق بهذه المناسبة، فكيف بنا حين نقصد بيت الله الحرام ومسجد نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، فضلا عن كافة بيوت الله، وهو ما كان متأصلا في عهد الصحابة والتابعين والقرون التي تلت، أما الآن فمع التقدم في وسائل الاتصال، وقدوم ملايين الزائرين والحجاج والمعتمرين من شتى الأصقاع، جاء التهاون في مسألة الزي، والتي قد يكون سببها الرئيسي الجهل وضيق ذات اليد». وأشار الأزيبي إلى أن التصوير كمبدأ أجازه العلماء وفي مقدمتهم ابن عثيمين رحمه الله الذي يرى فيه نقل للأصل، إلا أن التصوير في المساجد يجب أن لا يضر بالمصلين، لاسيما في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف حيث يلحظ حرص كثير من الزوار على التقاط الصور التذكارية في هذين المسجدين اللذين تشد إليهما الرحال إلى جانب المسجد الأقصى. وأضاف «لكن في المقابل يجب أن لا يضيق على باقي المصلين، كأن يسد عليهم الطريق في سبيل حصول المعتمر أو الزائر على صورة يوثق بها زياته للحرمين الشريفين». ونوه الأزيبي إلى مسألة اعتاد بعض المحتسبين الخوض فيها ألا وهي الإنكار على المعتمرات أو الزائرات للمسجد الحرام بكشف وجوههن، فينبغي أولا معرفة أن هذه مسألة خلافية بين كثير من العلماء، ومن يرى الكشف لوجه المرأة فله أدلته التي استند عليها سواء داخل الحرم أم خارجه، وعلى المحتسبين جزاهم الله خيرا أن يعوا أن هؤلاء المعتمرين والزائرين قد جاءوا من بلاد غير بلادنا، وأنهم قد أخذوا بفتوى علمائهم، فلا يجب الإنكار عليهم، بل إن المملكة قد أقرت مؤخرا أن تكون فتاوى مسائل الحج والعمرة وفقا للمذاهب الأربعة المشهورة، ولذا يجب أن يتسع القبول برأي الآخرين في هذا الجانب. أسباب وضوابط المستشار الشرعي الدكتور رضوان الرضوان، أكد من جانبه أن المسائل الخلافية لا يصح فيها الإنكار، كما هو الحال بالنسبة لكشف الوجه للمعتمرة، إلا إذا كان ذلك مدعاة للتبرج ولفت النظر، إلا أن الأصل في إحرام المرأة كشف الوجه، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه) رواه أبو داود. وأضاف الرضوان «كما ذكرت لا يجب إطلاق ذلك ليكون مدعاة للتبرج ولفت النظر، لكن في المقابل لا يجب الإنكار بصورة قد تؤدي معها المعتمرة أو المعتمر، وبطريقة قد تسيء للدين، فمن فقه إنكار المنكر ألا يبنى على إنكار المنكر الوقوع في منكر أشد وأكبر». وأكد الرضوان على ضرورة أن يتأدب المسلم مع ربه في اللباس حين يقصد بيوت الله سبحانه وتعالى، وقال «هناك من يدخل إلى المساجد بلباس هو أقرب إلى لباس النوم، وهو أمر لا يستثى منه المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد يكون مرد ذلك إلى الجهل وضيق اليد، لاسيما أن معظم من لا يهتم بهندامه هم من العمالة والتي تمتهن الحرف اليدوية، ولا يستنكرون الصلاة بأي زي». وأضاف الرضوان «أما ما يختص بالتصوير في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي فأنا أرى أنه من الممارسات الخاطئة، لكنني أجد في الوقت نفسه مخرجا لمن يقومون بالتصوير خاصة أن أغلبهم زائرون قد جاءوا من أقصى الأصقاع، وقد لا يمكنهم المجيء مرة أخرى إلى المشاعر المقدسة.. ولذا هم يحرصون أشد الحرص على توثيق مثل هذه اللحظات التاريخية والتي قد لا تتكرر». مشاهد صابر محمد (مقيم) يحرص على أداء العمرة وزيارة مسجد المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام من حين لآخر، يقول من جهته «أصبح التصوير عادة يومية لكثير من الزائرين للمسجدين الشريفين بمن فيهم أنا، حيث كنت في بادئ الأمر أحرص على التصوير، لكنني لمست ضيق البعض حين أقف لأخذ الصورة التذكارية أمام الكعبة الشريفة أو المقام أو في مسجد رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، ولذا آثرت التوقف عن ذلك، لكنني لازلت إلى الآن أتحين الفرصة كي أجد أي سانحة لالتقاط صورة للأبناء أمام الكعبة المشرفة أو قبر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.. شريطة عدم إزعاج أي من الطائفين أو الزائرين». وقال «المطاف في كثير من الأحيان قد لا يتسع للتوقف ولو للحظة من شدة الزحام، والذي يشتد كثيرا عند بلوغ الحجر الأسود، وكذلك الحال بالنسبة للروضة الشريفة التي تشهد زحاما معظم ساعات اليوم، ويتحرى كثير من الزائرين الجلوس بها ولو للحظات». أما عبدالقيوم، فيؤكد أن كثيرا من المظاهر قد تفاقم من زحام الطائفين أو الزائرين، ومن ذلك التوقف لالتقاط الصور التذكارية، أو التوقف للحظات لسماح موعظة المحتسب، والذي عادة ما يقف بشكل معاكس لسير الطائفين. ويقول «عادة ما يعترض المتحسب على كشف وجهه النساء في المطاف، والغريب أن موعظته دائما ما تذهب أدراج الرياح خاصة إذا ما كانت المرأة لا تفقه اللغة العربية، أو أن يتم تجاهله من قبل المحرم، حيث يفضل الأخير عدم الجدال مع المحتسب وهو في الحرم». أما فيصل الحربي، فيؤكد على أهمية التشديد على مسألة زي القاصدين للمسجد الحرام أو المسجد النبوي الشريف، ويقول «كثير من الزائرين يقطنون في أماكن قريبة من المسجد الحرام أو المسجد النبوي وأكثرهم من جنسيات غير عربية، ولذا هم لا يأبهون بمسألة الزي كثيرا، وهنا يقع على عاتق المسؤولين في شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريفي رصد الأزياء التي قد تكون صارخة للذوق العام.. والتي قد يكون من المفاجئ رويتها داخل المسجدين الشريفين، خاصة أن جميع الصلوات فيهما تنقل مباشرة إلى كافة المعمورة». وأضاف «لكن يجب التشديد أولا على توعية الحاج والمعتمر فيما يتعلق بالعبادات، وعلى أنها توقيفية مستمدة من القران والسنة، وأنه لا يجب الإتيان بالبدع والخرافات على أنها عبادة، وممارستها في أطهر البقاع». وقال الحربي «من حين لآخر يرى من بعض المعتمرين القيام ببعض الممارسات والتي هي أقرب للدجل من العبادة، كرفع الصوت واللطم أثناء السعي، فضلا عن الممارسات القديمة والتي لاتزال تمارس في المطاف كالقراءة من كتب الأدعية بصوت عال على مجموعة من الطائفين.. أو قراءة القرآن وبصوت عال أيضا بعد الانتهاء من مناسك العمرة، أو عند زيارة المسجد النبوي الشريف». مشيرا إلى أن ترك مثل هذه الممارسات قد يؤدي إلى تكرارها بشكل ظاهر وجلي، والإيمان بها من قبل العوام وكبار السن القادمين من بلدان شتى. نظره علمية أستاذة علم الاجتماع في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة ريما سعد بوحيمد، قالت من جانبها «إن من يشاهد السلوكيات والممارسات التي قد تقع من قبل بعض الزائرين للحرمين الشريفين يرى أنها خاطئة وقد يساء فهمها، لكن في المقابل يجب أن نلتمس العذر لهؤلاء الزوار، باعتبار أن ما يرتديه الزائر قد يعد في بلده أمرا طبيعيا وغير مستغرب. كما أن اختلاف اللغة قد يشكل عائقا لفهم أنظمة وقواعد المكان، ومعرفة عدم جواز بعض هذه السلوكيات، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الأجهزة المسؤولة سواء وزارة الحج أو الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، إلى جانب الدعاة والمشايخ والمحتسبين». وأضافت «ومن بعض الظواهر التي قد يراها البعض أنها سلبية يأتي التقاط الصور داخل المسجد الحرام، وهذا الأمر لا بد أن نقف عليه من ناحيتين، فالناحية الأولى تتمثل في رغبة الزائر في توثيق حدث زيارته لهذا المكان المقدس حيث إن دخول المسجد الحرام قد يكون لحظة تاريخية للحاج أو المعتمر.. وقد صبر لأجلها سنين طويلة من حياته حتى يصل للمشاعر المقدسة.. إذن من حق الحاج والمعتمر أو حتى الزائر أن يوثق هذه اللحظة التاريخية، لكن الجانب السلبي في هذا الأمر يتمثل في عدم اختيار المكان المناسب لالتقاط الصور التذكارية مما يعيق حركة الآخرين سواء في الطواف أو السعي. أو المبالغة والتركيز في التقاط الصور وترك الهدف الأساسي ألا وهو العبادة». من جانب آخر، ألمحت بوحيمد إلى أن المبالغة في المظهر أو حتى إهماله وعدم الاهتمام به، يعد أمرا غير لائق وغير مناسب في أي مكان، فما بالك في أطهر وأشرف بقعتين على وجه الأرض.. في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. وقالت «من هذا الجانب أقول أولا إن على المرأة أن تراعي حدود الله في زينتها في كل مكان فما بالك في بيت الله حيث التوجه الوحيد هناك للعبادة.. لكي لا تؤذي الآخرين بمظهرها المبالغ فيه وإظهار زينتها.. وبخلاف ذلك أجد أنه لا يجب أن نغفل عن قولة تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) الأعراف (31)، ففي هذه الآية الكريمة دعوة للاهتمام بالمظهر.. ومراعاة أن يكون المظهر معتدلا غير مبالغ فيه، ولائقا بالمكان ويمثل صاحبه». وقد يكون الحل في مواجهة ظاهرة عدم اهتمام زائري المسجد الحرام والمسجد النبوي بالزي اللائق بالعبادة، في تكثيف التوعية الموجهة لقاصدي بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف، وبلغات مختلفة، تقوم بها سفارات الدول الإسلامية بالدور الأساسي، إلى جانب الجهات الرسمية ذات العلاقة.