من يخوض في الحياة الإدارية يجد أمامه صورا مختلفة من المعاملات والتعامل بعضها مضاد ومعاكس لبعضها الآخر، فقد تجد موظفا إداريا متفانيا في خدمة المراجعين وإنهاء إجراءات معاملاتهم بطرق نظامية سهلة لا يريد من وراء ذلك جزاء ولا شكورا، وإنما بدافع من ضميره الذي يملي عليه حسن أدائه لواجبه، وأن يكون كل ريال من راتبه يدخل جيبه حلالا، وفق قاعدة من أخذ الأجر حاسبه الله على العمل. وقد تجد في الجهة المقابلة موظفا بليدا لا يتحرك إلا مثل السلحفاة ويتقاعس في أداء واجبه أو يؤديه بتكاسل وملل بطريقة غير جيدة وبعد طول صبر وانتظار وضياع وقت وجهد من قبل صاحب المعاملة؛ لأن ذلك الموظف ألف الدعة ولم يجد من يحاسبه على الإنجاز فتمطى في ثوبه حتى انفتق! أما الصورة الثالثة، فهي عن الموظف «اللهلوب» الذي يسخر إمكانياته الوظيفية وموقعه في العمل لخدمة أهدافه الخاصة، فهو مستعد لعمل أي شيء يطلبه المراجع «بمقابل»، غير آبه بما ورد في الرشوة من لعن وما فيها من دناءة وقبح وظلم وتعد على النظام وعلى حقوق المراجعين الذين يضع لهم فوق رأسه العبارة القرآنية «ادفع بالتي هي أحسن»، فإن فهمها المراجع على ظاهرها ضاعت معاملته وتكبد المشاق، وإن فهمها على باطنها دفع الرشوة واستلم المعاملة جاهزة في سرعة البرق. أما النموذج المحير في الحياة الإدارية، فهو الموظف المعقد الذي لا يرتشي، ولكن أسلوبه في العمل قائم على الشك والحذر والتعطيل والمماطلة دون إبداء أي سبب أو مبرر لما يقوم به من تأخير وتنويم للمعاملات في أدراج مكتبه، وإذا لمح له راشون بأنهم على استعداد للدفع غضب وقال: معاذ الله!، وإن سعوا لمن يعرفه لإقناعه بعدم تعطيل المعاملات أخذ يسرد أمامهم مبررات واهية لا سند لها من خلق أو نظام، وهذه النوعية من الموظفين ينطبق عليها المثل الشعبي المنتهي بعبارة «ما يسلم من الأذى»! فلا هو قام بواجبه بأمانة وإخلاص وأنهى معاملات المراجعين وفق النظام، ولا هو مد يده لأخذ الرشوة فيكون ملوثا بها، ولكنه فضل تعقيد المعاملات وتنويمها تحته، وكأنه دجاجة نائمة على بيضها حتى يفقس أو يفسد.. ولله في خلقه شؤون!! تويتر: mohammed_568