ترزح الخدمات البلدية في المملكة تحت وطأة الانتقادات الشعبية المستمرة، فيما لا يلغي ذلك وجود أناس ينظرون إليها بعين الرضا. هذا التفاوت في الآراء رصدته "الوطن" خلال جولة ميدانية على أكثر من بلدية. غير أن الواضح أن هناك إجماعا على وجود أوجه متعددة للقصور، تتمثل في الفساد وطلب بعض مفتشي البلدية رشاوى مقابل التغاضي عن المخالفات، إلى جانب تأخير الإجراءات وغموض الأنظمة، وضعف الرقابة. تأخر الإجراءات ثلاثة أشهر استغرقها المواطن عبدالمحسن النافع لإنهاء إجراءات معاملة ضم صكوك في بلدية الروضة. المعاملة لم تكن قيد التداول خلال تلك الفترة بما يشفع الانتظار من أجلها، بل كانت نائمة في أحد الأدراج، وفقا لوصف المواطن، وبعد شد وجذب أخرجها أحد الموظفين لينهي إجراءاتها في يوم واحد، في حين استغرق موظف المسح شهرا كاملا لإنجاز مهمته. مشكلة التأخير لم يكن عبدالمحسن وحده الذي يعاني منها، فما إن علم علي بن مريع القحطاني، وهو أحد المراجعين للبلدية بتواجد "الوطن" في مقر البلدية، حتى انطلق في الشكوى من أن معاملته لاستخراج ترخيص مشروع استغرقت أكثر من 4 أشهر، مشيرا إلى تأخر الموظفين عن بداية وقت الدوام الرسمي، وقلة تواجد الموظفين على شباك المراجعين بالشكل الذي يتوافق مع كثافتهم. المواعيد غير المنتظمة كانت إحدى المشكلات التي يواجهها مراجعو بلدية الروضة، حيث يتابع القحطاني قائلا "نحصل على مواعيد مراجعة، إلا أننا عند مراجعة البلدية نبلغ بأن الموظف في إجازة، أو غير متواجد، ونضطر لزيارة البلدية عدة مرات حتى يحضر الموظف، وبخاصة في القسم الفني للرخص المهنية". مسؤولية الأخطاء آخر ما يتمناه مراجع البلدية، هو حدوث خطأ طباعي من قبل الموظف المختص في الرخص الهندسية، فعندها سيضطر المراجع لإعادة الإجراءات مرة أخرى، وتحمل تكاليف رسوم المكتب الهندسي، وهو ما عانى منه المواطن علي القحطاني، في تجربة سابقة له مع البلدية، واضطر فيها لإعادة كافة الإجراءات مرة أخرى، ودفع رسوم جديدة. سلوكيات غير أخلاقية ويواصل القحطاني شكواه، لافتا إلى عدم انتظام دوريات الأمانة في التفتيش على المحال التجارية، وقيام بعض المفتشين بسلوكيات غير أخلاقية، منها طلب رشاوى تتراوح ما بين 500 و1000 ريال للتغاضي عن المخالفات. وأشار إلى تقديمه بلاغا للمباحث الإدارية قبل عامين حول أحد المفتشين، لطلبه رشوة من أحد العاملين لديه، لصرف النظر عن بعض المخالفات، مؤكدا أن المفتشين لا يطلبون الرشوة في حال وجود شخص سعودي، ويستغلون تواجد العامل غير السعودي لتحقيق مأربهم. محلات الخضار وخلال جولتها رصدت "الوطن" عددا من محلات الخضار في عدد من شوارع الرياض، تباع فيها الخضار والفاكهة على الشارع تحت أشعة الشمس، وبالقرب من عوادم السيارات، وقيام عمال مخالفين بعملية البيع. ومن تلك المواقع شارع الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي (الضباب)، وشارع الأمير بندر بحي الروضة. ورغم أن هذه المخالفات تجري علنا إلا أن البلدية لا تمارس دورها الرقابي لمنعها. "أبو تركي"، حضر إلى البلدية للتقديم على رخصة جديدة، إلا أنه فوجئ بإبلاغه أن البلدية لا تستقبل المعاملات بعد صلاة الظهر، وعليه الحضور في اليوم التالي، ليتساءل: لماذا ترفض البلدية استقبال الطلبات بعد الظهر، رغم أن الإجراءات الحالية تقتصر فقط على استقبال المعاملة والتحقق من الأوراق، ويتم منح المراجع موعدا للمتابعة في وقت لاحق. ويواجه صالح الجويعي مشكلة عدم التنظيم، وغموض الإجراءات والوثائق المطلوبة، إذ يقول " تعامل بعض الموظفين في البلدية سيئ مع المراجعين، وأواجه مشكلة عدم تحديد الطلبات والأوراق المطلوب مني إحضارها دفعة واحدة، حيث أضطر للمراجعة بشكل شبه يومي لإحضار طلب جديد في كل مرة، رغم قدرة الموظف على إبلاغي عن الطلبات دفعة وحدة، وتوفير عناء المراجعة في كل مرة". ويتابع الجويعي سرد مشكلته قائلا "بعض الموظفين اتكالي، وكل موظف يحيل المعاملة لزميل آخر، والبعض الآخر يبحث عن المعاملة ولا يجدها، وذلك بسبب سوء التنظيم". تعامل ممتاز بخلاف رأي المواطنين في تعامل موظفي بلدية الروضة، وصف عبدالله السيف، أحد مراجعي بلدية الملز تعامل الموظفين فيها بالممتاز، إلا أنه خص الشكوى ببعض الأنظمة والإجراءات التي تعطل المعاملات بشكل غير مبرر. وحول المشاكل المتعلقة بالأمانة والبلديات التي يعاني منها ساكنو حي الريان، أوضح السيف أن أبرز تلك المشكلات هي الحفريات، حيث يتعطل العمل فيها لفترات تتراوح بين 6 إلى 8 أشهر، وهو ما يدل على ضعف الرقابة على الشركات المنفذة لتلك المشاريع، وعند إنجاز العمل فيها، تحدث مشاكل جديدة في نفس موقع الحفرة بعد فترة زمنية بسيطة لا تتجاوز الشهرين، ويضيف" أيضا نعاني من مشكلة المطبات الاصطناعية التي تزرع بشكل غير منطقي في بعض الشوارع، فمثلا هناك شوارع لا تتجاوز 100 متر، يوجد بها أكثر من 3 مطبات، إضافة إلى عدم وجود مواصفات ومعايير معينة لها، ولا توضع تحذيرات قبل المطب، وهو ما أدى إلى تضرر السيارات بشكل كبير، ولدي باستمرار مشاكل في مساعدات السيارة، كما أضطر لعبور نفس الشوارع لأني حفظت مواقع المطبات، وكي لا أفاجأ بمطبات جديدة". "أبو فيصل"، بالرغم من سداده مخالفة بقيمة 4600 ريال تمثل غرامة على مجموعة المطاعم التي يمتلكها، إلا أنه خرج من بلدية الملز وعلى وجهه ابتسامة، ولدى سؤاله عن السبب قال "في السابق، كان مفتش البلدية يتحكم في كل شيء، وكانت تحدث مشاكل كثيرة بين المراقبين وأصحاب النشاطات التجارية، أما الآن فقد أصبح دور المراقب يقتصر على كتابة الملاحظات، ثم تحول لمكتب صحي آخر، وهو ما قلص فعليا من المحسوبيات والمجاملات، والعلاقات الشخصية، بل دفع ذلك المفتشين لمحاولة التقرب من المراقبين الصحيين بعد أن فقدوا سيطرتهم على الغرامات". وأضاف "اليوم دفعت غرامة 4600 ريال وأنا مرتاح، لأني في السابق كنت أضطر لدفع مبالغ أكبر لبعض المفتشين لتجنب المخالفات على نشاطي التجاري، واستفدت من الملاحظات لإصلاحها وتجنبها مستقبلا". بلدية خالية وخلال جولة "الوطن" على بلديات مدينة الرياض، لاحظت قلة عدد المراجعين لبلدية النسيم، وكانت البلدية تتسم بحسن تنظيم شبابيك المراجعين، والنظافة، إلا أن عدد المراجعين لم يتجاوز الخمسة مراجعين لأكثر من ثلاث ساعات في يوم الزيارة، وهو ما أثار التساؤل. وبحثا عن الإجابة، سألت "الوطن" عددا من المراجعين والمتواجدين حول البلدية، فذكروا أن الناس لا يحتاجون لمراجعة البلدية، فأمامها يتواجد عدد من مكاتب الخدمات العامة، يمكن للمواطن اللجوء إليها لتخليص معاملته، بما فيها المعاملات غير القانونية، وخاصة فيما يتعلق بتراخيص البناء، مقابل مبلغ مالي. وقال مواطن آخر لم يعرف بنفسه لكونه كان مستعجلا إن البعض يلجأ في بعض الأحيان عند رفض الموظف للمعاملة لوجود مشكلة قانونية، لسؤال الموظف عن بعض المكاتب التي تستطيع إنجاز المعاملة، حيث إن بعض المكاتب تتفق مع بعض موظفي البلديات، لتأجيل بعض المعاملات القانونية، لدفع المواطن للجوء إلى تلك المكاتب، التي تربطها علاقة خاصة مع بعض الموظفين. رد البلديات من جانبها، أوضحت بلدية النسيم على لسان رئيس البلدية رياض بن عبدالكريم العبدالكريم في ردها على استفسارات "الوطن" حول دعوى المراجعين، بأن البلدية حرصت بتوجيه من أمين منطقة الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف، على العمل على راحة المراجعين والزوار، وإنهاء إجراءاتهم بيسر وسهولة، وكان من ضمن الإجراءات تهيئة الدور الأرضي في البلدية بصالة حديثة مجهزة بالموظفين القادرين على إنهاء الإجراءات بسرعة، وخدمة المراجعين، وتم تزويدها بأجهزة حاسب آلي ومكاتب مريحة وأماكن انتظار مناسبة، وتتم عملية إنهاء معاملاتهم، إذا كانت مكتملة في أسرع وقت. وأضاف العبدالكريم، بأن لجوء البعض لمكاتب الخدمات العامة، يعود للرغبة الشخصية، حيث إن البعض ليس لديه وقت لمراجعة البلدية، أو لا يملك معلومات الإجراءات المطلوبة لإنهاء معاملته، فيلجأ لتلك المكاتب، والبلدية ليس لها علاقة بذلك، فهي تقدم خدماتها للمراجع سواء كان بحضوره الشخصي أو بحضور وكيله. بلدية الروضة من جهتها، أوضحت بلدية الروضة في معرض ردها على شكاوى المواطنين من تأخر إنجاز بعض المعاملات لفترات تمتد حتى 4 أشهر، أن جميع المعاملات الخاصة بالمراجعين يتم في الغالب إنجازها في وقتها، وفي حالات نادرة جدا تتأخر لدى البلدية، لأسباب منها عدم وضوح الطلب المقدم للبلدية، ونقص بعض المستندات المطلوبة لإنجاز المعاملة، وعدم مراجعة صاحب الطلب في حينه لإحضار المستندات المطلوبة، وغير المرفقة بالمعاملة، وعدم إحضار موافقة جهات أخرى خارج الأمانة على بعض الطلبات. وحول منح المواطنين مواعيد، وعند الحضور يبلغ المواطن بتغيب الموظف، ويضطر للمراجعة أكثر من مرة لحين حضور الموظف، أوضح رئيس بلدية الروضة المهندس عبدالله بن سليمان الطيار أن هذا الأمر يحدث في مرات قليلة جدا نتيجة عدم حضور الموظف المختص، كالمساح أو المراقب الفني، أو المراقب الصحي المكلف بإنجاز المعاملة نتيجة لغيابه أو مرضه، وتتم في الغالب إحالة المعاملة لأحد زملائه لإنجازها في أقرب فرصة، وذلك من بديهيات العمل داخل الأقسام، حيث يتوفر البديل مباشرة في حال غياب الموظف المختص، إلا أن بعض المراجعين يربط إنجاز معاملته بالموظف وليس بالإجراء المتبع مما يسبب تذمره في حال غياب الموظف المكلف بإنجاز معاملته. وردا على شكوى أحد المواطنين من عدم تمكنه من مقابلة رئيس البلدية، وإبلاغه بأنه مشغول أو في اجتماع، وتكرار ذلك عدة مرات، أفاد الطيار بأن البلدية تتبع توجيهات ولاة الأمر بجعل مكاتب جميع المسؤولين فيها، وعلى رأسهم رئيس البلدية ووكيلها، ولا تغلق إلا وقت الصلاة فقط، ولا يتم منع أي مواطن من مقابلة رئيس البلدية أو من ينوب عنه مطلقا، وعندما يكون أحدهما أو كلاهما في اجتماع يتم الاعتذار للمراجعين عند ذلك خلال هذا الوقت فقط، كما أن المهام الإدارية موزعة بما يتلاءم مع كفاءات واختصاصات الموظفين الإداريين من مديري إدارات ورؤساء أقسام، وذلك للحد من المركزية حسب توجيه المسؤولين في الأمانة، وعليه فإن كثيرا من المعاملات والإجراءات لا تلزم مراجعة رئيس البلدية أو وكيلها. وعن تحمل المواطن مسؤولية خطأ الموظف في طباعة تراخيص المشاريع والبناء، أشار الطيار إلى أن التراخيص الخاصة بالمشاريع والبناء وفقا للتوجيهات الصادرة من أمين منطقة الرياض، يتم إصدارها من المكاتب الهندسية، وينحصر دور البلدية في مراجعة الرخص واعتمادها بشكل فوري، وعند اكتشاف خطأ في تلك الرخص، فإن مسؤولية تعديلها تتم من قبل موظفي إدخال البيانات في إدارة رخص البناء، ولا تستغرق عملية التعديل سوى دقائق، ويكمن الخلل في كثرة أخطاء البيانات المدخلة من المكتب الهندسي وعدم إلمامهم بالأنظمة الصحيحة لإصدار الرخص الفورية. طلب الرشاوى وحول عدم انتظام دوريات مفتشي البلدية، وقيام بعضهم بسلوكيات لا أخلاقية مثل طلب الرشاوى عن المخالفات، نفى الطيار أن تكون البلدية ضبطت أي حالة لسلوكيات لا أخلاقية ضمن موظفيها، وقال "هذا الاتهام يصعب إنكاره أو تجاهله أو إثباته في نفس الوقت، ولكن في حال ثبوت مثل ذلك التصرف يتم اتخاذ الإجراءات الإدارية وفق الأنظمة من قبل جهات الاختصاص بالأمانة والبلدية على استعداد تام للتعاون مع أي مواطن يثبت حصول مثل تلك التصرفات اللامسؤولة وأن تسيء للجهاز بأكمله. وعن وجود محلات للخضار تبيع الخضراوات على الشارع دون رقابة، بين رئيس البلدية أن هذه المحلات تقوم بالمخالفة في خارج وقت العمل الرسمي، وسبق أن تم عمل عدة حملات في تلك الأوقات عليها بمساندة من وحدة دوريات الأمانة، وتطبيق الأنظمة عليها. ورفض الطيار اتهام البلدية بعدم استقبال المعاملات بعد الثانية عشرة ظهرا، وقال إن هذا الاتهام غير صحيح، والبلدية وقت الصلاة لا تستقبل المراجعين، وتكمل العمل بعد ذلك حتى نهاية العمل الرسمي، وجميع الموظفين المكلفين ملتزمون باستقبال المعاملات بالعمل خلال وقت الدوام الرسمي، وأضاف "يجب التفريق بين عدم استقبال المراجعين، من عدم تواجد الموظف كما تم إيضاحه سابقا". وعن عدم منح المراجعين المستندات المطلوبة لإنجاز المعاملات دفعة واحدة، قال الطيار إن المستندات المطلوبة لإنجاز أي معاملة مدونة على النماذج الخاصة بالبلدية، ومتوفرة لدى الأقسام، كل بحسب اختصاصه، ولكن المشكلة أن ثقافة بعض المراجعين الذين لا يطلعون على هذه النماذج وقراءتها قبل تعبئتها هي السبب في ذلك.