تعودنا في المطارات على سماع الإعلانات المتتالية عن إقلاع ووصول الرحلات المختلفة على كافة خطوط الطيران. تسمع: النداء الأول أو النداء الأخير على إقلاع الرحلة الفلانية، أو اعتذار عن تأخر رحلة، أو نداء على بعض الركاب، أو غير ذلك. لكن يبدو أن كل ذلك في طريقه إلى التغير، بل قد اختفى بالفعل في عدة مطارات عالمية ضخمة مثل مطار لندن أو مطار دبي. في الواقع مع اتساع المطارات وكثرة عدد الرحلات يصبح من الصعب وأحيانا من المستحيل النداء على كل رحلة. أيضا لو تمعنا في الموضوع يمكن لنا أن نتساءل: لماذا يتم إزعاج كل المسافرين بمعلومات عن رحلات لا تخصهم؟. هل يتوجب إصدار كل هذه الضوضاء في كافة أرجاء المطار ؟. طبعا هذه الأسئلة لا يكون لها معنى إلا في حالة وجود نظام بديل لإعطاء الركاب المعلومات اللازمة عن حركة الطيران وهو ما يتوفر حاليا في كل المطارات الحديثة على الشاشات الإلكترونية الكبيرة المنتشرة في كل مكان. النتيجة هي ظهور جيل جديد من المطارات الهادئة أو الصامتة «silent airports». وقد تصبح كل المطارات من هذا النوع في المستقبل القريب. يتمشى هذا المبدأ مع التطورات الكبيرة في تصميم المطارات الجديدة والتي أصبحت هذه المطارات بسببها أماكن للتسوق والتسلية والقراءة ومشاهدة التلفاز والاسترخاء أو الاستمتاع بالوجبات المتنوعة وإنجاز كافة الأعمال المكتبية عن طريق الشبكة المعلوماتية، أوغير ذلك.. مع إعجابي واقتناعي بفكرة المطارات الصامتة إلا أن هناك متطلبات أساسية لتطبيقها يجب مراعاتها بدقة، وإلا نتج عنها جانب سلبي، يدفع ثمنه عادة المسافر، وهو ما حدث لي عند عودتي مؤخرا من رحلة قصيرة إلى عمان بالأردن الشقيق. وصلت إلى مطار الملكة علياء مبكرا لأستقل رحلة عودتي إلى جدة على الخطوط السعودية. المطار حديث وجميل وتم افتتاحه قبل حوالى شهر وهو من المطارات الصامتة. سلمت حقيبتي وتسلمت بطاقة صعود الطائرة مع دعوة للانتظار في صالة الدرجة الأولى تحت ضيافة بطاقة «فرسان» التي أحملها. عند وصولي إلى الصالة رحب بي موظف الاستقبال موضحا أنهم لا ينادون هناك على الركاب عند إقلاع رحلاتهم. تفهمت ذلك وجلست بالقرب من إحدى الشاشات الكبيرة لمتابعة أخبار رحلتي. قبل موعد الإقلاع بساعة توجهت إلى بوابة الصعود إلى الطائرة. كان ثلج خفيف ينزل بطريقة متقطعة وقيل لنا إن الرحلة ستتأخر لمدة ساعة فأصبحت بعد ذلك ساعتن ودعينا إلى تناول طعام الغداء في مطعم قريب من البوابة. كان الركاب لا يزالون يتناولون القهوة والمشروبات في المطعم عندما خطر لي العودة للانتظار في صالة الدرجة الأولى وكنت حتى الآن قد قضيت أكثر من أربع ساعات في المطار. توجهت إلى الشاشة لمتابعة أخبار رحلتي فلم أجد أي معلومات جديدة وظننت أن أمامي فترة أخرى طويلة من الانتظار. بعد حوالى عشرين دقيقة ساورني القلق عندما لم يتبين لي أي شيء عن الرحلة فاتجهت لسؤال موظف الاستقبال الذي لم تكن لديه أية معلومات على الشاشة الصغيرة التي أمامه ولكنه تطوع باستخدام هاتفه الجوال للاتصال بموظف الخطوط السعودية. فوجئت بالموظف يطلب مني الاسراع نحو بوابة الخروج فهرولت عائدا. كانت الطائرة لاتزال جاثمة مكانها ولكن الأنبوب الموصل لها قد تحرك على مسافة صغيرة وكانت بوابة الصعود مغلقة ولا أثر لأي من الركاب أو الموظفين. تعجبت من السرعة التي تم فيها صعود الركاب وإغلاق البوابة. بحثت عن موظف الخطوط السعودية مطالبا بالصعود إلى الطائرة خاصة أن حقيبتي لازالت على متنها، ولكنه أفادني بأن صعودي أصبح مستحيلا. قال إنه لم يعد أمامي إلا العودة في اليوم التالي مع احتمال ضرورة شراء تذكرة جديدة من مكتب الخطوط السعودية في وسط البلد. اتجهت للخروج نحو فندق المطار، ولكن، لحسن الحظ، كان مكتب الخطوط الأردنية في المطار مفتوحا واستطعت الحجز على رحلة لها إلى جدة بعد ست ساعات. هذه المرة تسمرت في مكاني أمام بوابة الصعود. للعجب هناك سمعت أكثر من عشرين نداء على مسافرين متأخرين عن إحدى الرحلات حتى تمكنوا من الوصول ويبدو أنه يتم تجاوز قاعدة الصمت في حالات الضرورة. حز في نفسي حرص الأردنية على ركابها مقارنة بالسرعة التي أقلعت بها السعودية بدوني.. لن أعتب على اللوحات الإلكترونية التي كان بإمكانها إيضاح صعود الركاب وقرب مغادرة الرحلة، أو على خطوطنا «السعودية» التي لم تنبهنا إلى موعد المغادرة الجديد، بل أنصح كل مسافر من أحد المطارات الصامتة، خاصة على «السعودية» أن يتسمر أمام بوابة الصعود إلى الطائرة عندما تتأخر رحلته مهما كان السبب.