تعتبر شركة أرامكو السعودية هي أكبر مُنتِج ومُصدِّر للنفط الخام في العالم ولا يقتصر الأمر عند ذلك فحسب بل إن بلادنا ستكون هي آخر الدول النفطية التي ستستمر في الإنتاج بعد نضوب البترول من معظم الحقول التقليدية المعروفة حتى الآن، ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل إن أية اكتشافات جديدة لزيت الوقود في أراضي المملكة سوف تعزِّز من الاحتياطيات المؤكدة في مكامن النفط السعودية وتزيد من أمد استخدامها. التحديان الرئيسيان للطاقة والأمر المؤكد هو أن بلادنا بما حباها الله من مخزونات هائلة من الذهب الأسود سوف لن تضطر لاستيراد الطاقة البترولية لعقود عديدة قادمة إلَّا أن هذا ليس هو التحدي الذي تواجهه البلاد بل إن التحدي الرئيسي يكمن في أمرين أولهما هو التنامي المفرط للاستهلاك الداخلي للنفط الخام ومشتقاته وبما يُقلِّل من كمية البترول المتاحة للتصدير، أما التحدي الثاني فيتمثل في تسارع وتيرة اكتشاف واستخدامات مصادر طاقة متجددة غير أحفورية المصدر كما هو حال البترول، مع استمرار التقدم الكبير الذي يتم إحرازه عاماً بعد عام في رفع كفاءة تلك الطاقات البديلة اقتصادياً. الموارد المالية والتراخي وفي تقديري فإن التعامل مع هذين التحديين هو ما يتعين على بلادنا التحسُّب له وحشد كل الجهود والموارد الممكنة للتخفيف من تأثيراته الضارة المرتقبة على اقتصادنا الوطني فيما لو تم الركون للتراخي المعتاد الذي صبغ أداء العديد من أجهزتنا الحكومية طوال العقود الماضية وترتَّب عليه التأخير في استكمال البنى الهيكلية اللازمة للتنمية المنشودة على الرغم من توفر الموارد المالية التي تفوق احتياجاتنا للصرف في الوقت الذي تُعتبر السيولة النقدية هي العقبة التي تواجهها الكثير من دول العالم المتطلعة لمستقبل أفضل. تأثير متغيرات الطاقة ورغم الوضع المالي المتميز للمملكة والذي تعكسه احتياطيات نقدية يتم استثمار معظمها في الخارج وتبلغ قيمتها نحو 3 تريليونات ريال، فإن استمرار اعتماد البلاد على الدخل النفطي بنسبة 92 % هو بمثابة قلق دائم لما ستؤول إليه الأوضاع فيما لو حدثت متغيرات رئيسية على سوق الطاقة العالمي وترتَّب عليها تراجع وضع البترول كمصدر أوَّل للطاقة، أو حتى لو استمر الوقود النفطي باعتباره البديل الأكفأ إلَّا أن استهلاكنا الداخلي المفرط للطاقة محلياً سيؤثر بشدة على الكمية المتاحة للتصدير وما سيتركه ذلك من تراجع ملموس على مصدر السيولة الأول لتمويل الميزانية العامة للدولة. زيادة قدرتنا التصديرية مثل هذه المحاذير لا يجب أن تغيب مطلقاً عن أذهان كبار مسؤولي قطاع البترول في المملكة الذين أدركوا جديَّة هذه المحاذير وبدأوا في السنوات الماضية جهوداً حثيثة لتجنيب بلادنا السيناريو القاتم، وقد تم ذلك من خلال الالتفات لمصادر طاقة بديلة تُخفِّف الضغط على قدرتنا التصديرية للبترول وتشمل الاستثمار في الطاقة الشمسية وإيلاء اهتمام كبير للاستفادة من الغاز غير التقليدي اللذين نعقد عليهما الأمل في توفير نفطنا للتصدير واستبداله بطاقة الشمس والغاز الصخري لتشغيل محطات تحلية المياه وتوليد الكهرباء. الاحتياطيات الغازية المؤكدة قبل نحو 3 أسابيع كشف خالد الفالح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية عن أنه «بعد عامين فقط من إطلاق برنامجنا للغاز غير التقليدي في المنطقة الشمالية، نحن مستعدون لتخصيص الغاز لتطوير محطة كهرباء بقدرة 1000 ميجا وات ستغذي منجماً ضخماً للفوسفات والغاز الصناعي». الشركة الأكثر تكاملاً رئيس أرامكو الذي كان يتحدث أمام مؤتمر الطاقة العالمي في كوريا الجنوبية في الرابع عشر من أكتوبر الماضي أكّد استعداد الشركة لبدء إنتاج الغاز الصخري وأنواع مختلفة من الموارد غير التقليدية في السنوات القليلة القادمة وتوصيلها للمستهلكين، وأن الشركة قد خصَّصت أكبر ميزانية في تاريخها لبرامج الاستكشاف والتنقيب، وذكر الفالح أن أرامكو التي تتطلَّع إلى أن تُصبح شركة الطاقة الأكثر تكاملاً في العالم قد زادت ميزانيتها الرأسمالية السنوية لعشرة أمثالها من 4 مليارات دولار إلى 40 مليار دولار في السنوات العشر الأخيرة. الترتيب الخامس دولياً ووفقاً لتقديرات «بيكر هيوز» فإن اكتشافات الغاز الصخري السعودية تبلغ 645 تريليون قدم مكعب وتضع المملكة في المرتبة الخامسة دولياً في احتياطيات الغاز المؤكدة، كما أن البدء بعمليات الإنتاج سيجعل أرامكو السعودية تلحق بالولايات المتحدة التي كانت طفرة الغاز غير التقليدي فيها سبباً رئيسياً لتحويلها من أكبر مستورد للغاز في العالم إلى دولة مصدرة له، من جانبها فإن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية وضعت المملكة في المركز الخامس دولياً أيضاً على قائمة احتياطيات الغاز الصخري التي تشمل 32 بلداً تتصدرها الصين التي تم منحها امتيازاً للتنقيب وتتطلع إلى إنتاج 6.5 مليار متر مكعب سنوياً بدءًا من عام 2015. الفرص والأمل والتحديات وعلى الرغم من التفاؤل الكبير بشأن مستقبل الغاز الصخري في المملكة إلا أن وصول بلادنا إلى المرحلة التي نصل فيها بإنتاجنا منه إلى القدر الذي يمكننا من الاعتماد عليه نأمل أن تسير جهود إنشاء مدينتنا الصناعية الجديدة المسماة (وعد الشمال للصناعات التعدينية) حسب البرنامج الموضوع لها حيث من المتوقع أن يبدأ إنتاجها بنهاية عام 2016 إذا ما التزمت شركتنا العملاقة «أرامكو» بتطوير حقل الجلاميد لمساندة المدينة الجديدة.