لم تكن معاناة طالب الابتدائية، وهو يعود إلى منزله بلا إفطار، مقتصرة على مدرسة بعينها، بل ممتدة إلى الكثير من المدارس، ولقطاع كبير من الطلاب والطالبات، الذين ربما قصرت قامتهم أو خابت قواهم في الحصول على وجبة إفطار من المقصف المدرسي، إما لضعف بنية أو لضيق الوقت، أو لأن «زجرة» المعلم بانتهاء وقت الفسحة يجعل الصغار يضحون بالوجبة، ويستسلمون للجوع. وما بين الوصول إلى تلك المقاصف، والحصول على وجبة منها، ونوع الوجبة التي تقدمها، ومدى الإشراف عليها، أكثر من علامة استفهام، إذ باتت المقاصف المدرسية في المدارس سواء الحكومية أو الأهلية، تحمل هم كيفية توفير الأطعمة والوجبات التي تتوافق والاشتراطات الصحية، بل تعدى الأمر إلى غرفة المقصف التي لا تتناسب مع أي معايير صحية، وعمالة لا تحتفظ لنفسها بأي قالب صحي، ورقابة لا يمكن أن تطال كل المدارس، ولا تصل إلى حدود داخل المدينة ناهيك عن مدارس خارج المدينة. وفيما يعيب القائمون على المقاصف، قلة إنفاق التلاميذ ومحدودية إقبالهم على تناول الوجبات في المدارس، برر الكثير من أولياء الأمور الأمر بمخالفة المقاصف لكل المقومات من الغرف والأيدي التي تعمل داخلها وما يوزع فيها، الأمر الذي يجبرهم على توفير البدائل من المنازل وإن كان إعدادها أكثر معاناة وأكثر إنفاقا، وتخويف أبنائهم من وجبات غير مأمونة العواقب. ويدللون على أنهم ضبطوا وجبات غير صالحة، أو انتهت مدة صلاحيتها، ومع ذلك لم يجدوا آذانا صاغية أو حسما للمشكلة. بداية الأزمة يرن جرس الفسحة، فتنطلق قوافل الطلاب والطالبات، نحو حجرة صغيرة لا تزيد مساحتها على (4×4)م2، تمتلئ محتوياتها ببعض الأطعمة، فيما يصطف الصغار والكبار على صفوف للحصول على وجبة من تلك المقاصف، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فيطول الانتظار في ظل تردد بعض الطلاب، وعدم حسم نوع المطلوب من البعض الآخر، فيصبح سرقة النظر هو السبيل الوحيد لاختيار الوجبة، فيما يطول انتظار البعض، إلى الدرجة التي يفقدون فيها فرصتهم في الحصول على الوجبة، فلا يسمعون إلا صيحة المعلم أو المعلمة، أو لعلها صيحة إغلاق نافذة المقصف، وتنتهي الفسحة، ويأكل الجوع من الطالب أو الطالبة قواهم على التفكير، فيتشتت الذهن وتصبح القابلية على التفكير أو تحصيل الدرس، أمرا لا وجود له، والسبب مقصف لا يقوى على توفير وجبة للطلاب بالسرعة المطلوبة، أو مقصف لم تضع له إدارة المدرسة تنظيما يكرس أهمية وجبة الإفطار للطلاب خاصة الصغار، أو مقصف لم يرتق إلى المستوى المطلوب لطموح الصغار. عائد المقاصف تؤكد وزارة التربية والتعليم أن عدد الطلاب والطالبات يزيد على 5.187.498 طالبا وطالبة وفق إحصائية العام الدراسي 1432/1433ه، مما يفتح المجال للوصول إلى إحصائية تؤكد أن هناك متوسط عائد بيع للمقاصف يصل إلى خمسة ملايين ريال يوميا، بمعدل إنفاق مقداره ريال لكل طالب أو طالبة، ويصل إلى 120 مليون ريال شهريا. وإذا كان العائد يرتفع قليلا أو يكبر بحجم رغبات بعض الطلاب في شراء ما يعرف اصطلاحا بأنه وجبة لا تقل قيمتها عن ثلاثة ريالات، فإن هذا المبلغ يجعل المقاصف المدرسية ميزانية يجب ألا تترك دون إصلاح أو تدخل، بل ورش عمل ترتقي إلى حدود المسؤولية. دور الوزارة وضعت وزارة التربية والتعليم العديد من الاشتراطات وشكلت العقود التي يتم بها التعامل في المقاصف المدرسية، لكن الأمر على أرض الواقع يختلف كليا، فالبداية باحتكار التوزيع، مما لا يوفر المقومات المطلوب توفرها. لكن على الصعيد العام لا يرى أولياء الأمور أي اهتمام بتلك المقاصف، وإلا لأصبح حالها أفضل من الواقع الحالي، حيث يقول موسى ردة إنه حتى المقاصف التي تباشرها شركة في الرياض والشرقية ومنطقة مكةالمكرمة، فعلى الرغم من أنها تستوعب أكثر من 1.2 مليون طالب وطالبة إلا أن الجميع غير مقتنع بجدوى ما تقدمه من أطعمة، وكان من المفروض أن تكون الأمور أكثر تنظيما لأنه على الصعيد العام فإن العائد يشير إلى أكثر من 1.2 مليون ريال يوميا، وبمعدل يصل إلى 26.4 مليون ريال شهريا، وهو مبلغ ضخم يستحق الرعاية والاهتمام، لكن يبدو أن المقاصف المدرسية بعيدة عن أنظار أي مسؤول في التربية والتعليم. ويضيف صالح مريسي أن الوزارة يجب أن تدخل وتحسم هذا الأمر، لأن الأبناء يشتكون كثيرا من سوء المقاصف المدرسية، فيما لا رقابة فعلية عليها، لا من حيث النظافة أو من حيث صلاحية المواد الغذائية. ويرى عبدالله الزهيري أنه من المفترض أن تبادر الوزارة بتصحيح مسار المقاصف «لأننا نسمع أن محدودية الصرف عليها من قبل الطلاب، وهذا أمر غير مقبول، لأنه من المفترض أن يتم دعم المقاصف، بدلا من الحالة التي عليها، فهل تريد الوزارة أن تربح من وراء المقاصف؟، لكن المعروف أن هناك ربحا معروفا وكبيرا من وراء تلك المقاصف، خاصة إذا علمنا أن معدل الربح يصل إلى 15%، لتصبح نسبة الربح بحساب بسيط لا تقل عن 18 مليون ريال شهريا، الأمر الذي يدعو لوقفة وتأمل».