أفصح سفير خادم الحرمين الشريفين لدى إيطاليا صالح بن محمد الغامدي بأن فكرة إقامة احتفالية بمناسبة مرور 08 عاما على العلاقات السعودية الإيطالية هي من اقتراحه بعد أن فكر بالأمر ووجد أن هذه الاحتفالية ستفتح بابا لعرض ما لدى المملكة على الأصعدة كافة. وأوضح السفير في حوار ل «عكاظ» أن هذه الاحتفالية ستعمل على تجديد الترابط والتواصل ليس مع الحكومة الإيطالية فقط ولكن مع المجتمع الإيطالي أيضا، وقدم شكره وتقديره وتثمينه لموافقة خادم الحرمين الشريفين الفورية على هذا المقترح. وأعرب عن استيعابه واحترامه لكل نقد بناء، وذلك على خلفية الانتقادات التي وجهت له من قبل بعض الجهات الإعلامية بعد إلقاء كلمته باللغة الانجليزية بدلا من العربية خلال افتتاح الاحتفالية بمناسبة مرور 08 عاما على العلاقات السعودية الإيطالية، معزيا ذلك إلى أن اللغة الانجليزية مفهومة لدى الحضور ولا تحتاج إلى ترجمة، وبالتالي اختصار مزيد من الوقت لمصلحة برنامج حفل الافتتاحية المزدحم بالفعاليات... فإلى تفاصيل الحوار: ما هي تداعيات الأزمة السياسية الراهنة التي تمر بها إيطاليا واحتمالية تغيير الحكومة الحالية على العلاقات بين المملكة وإيطاليا على الصعيد السياسي والاقتصادي؟ نحن اعتدنا بأن الحكومات الإيطالية تتغير باستمرار، وأحيانا هذا التغيير يصل إلى مرتين في العام الواحد، وأنا أذكر منذ التحاقي بوزارة الخارجية أننا كنا نشاهد هذا الأمر باستمرار، حكومة تأتي وتزول بسرعة ومن ثم تقام انتخابات وتأتي حكومة جديدة، ولكن عجلة الحياة مستمرة بالنسبة لهم وهذه الميزة في إيطاليا، وهي أن الحكومات تنتخب وقد تتغير ولكن الحياة العملية والمصالح العامة لا تتوقف ولا تتعطل نتيجة لذلك لأن الدولة بنيت على أساس صلب. ولكن هذا لا يمنع من أن هناك أخطاء تسببت في الأزمة الاقتصادية التي مرت بها إيطاليا، ولكن أيضا هذا الأمر يعمم على العالم كله، فإيطاليا لم تكن وحدها من تعرض لأزمة اقتصادية بل ما حدث كان ظاهرة عالمية ولا تخص إيطاليا وحدها، وهو أمر مؤقت ومحدود بالتأكيد غير مؤثر على استقرار إيطاليا لأنها بلد صناعي يحتل ما بين المرتبة الثانية أو الثالثة أوروبيا، ولديها قرابة 47 مليون سائح سنويا، وهذا يكفي لتجاوزها أي أزمة اقتصادية تمر بها، وبالتالي من المستحيل أن تؤثر عليها هذه الهزات، والاستثمارات ستظل مستمرة لأنه لن تأتي حكومة مكان أخرى لتقضي على إنجازات الحكومة التي سبقتها بل تبقي على هذه الاستثمارات وتنميها ولا يوجد مخاوف تذكر في هذا الشأن. هل هناك معوقات أمام تطوير العلاقات الاقتصادية بين المملكة وإيطاليا؟ ليس هناك أي معوقات أو حواجز كما يتصور البعض، ولكن على سبيل المثال عند القيام بمشروع إنشاء جسر ما، فإنه يتطلب أن يبنى على أساس صلب وأن تكون صيانته مستمرة، لأنه إذا سقط سيأخذ منك وقتا مضاعفا لإعادة تركيب هيكله مرة أخرى ونفس الأمر ينطبق على بناء علاقاتنا الاقتصادية. وعلى العموم فإن حجم التبادل التجاري بين السعودية وإيطاليا يأتي في المرتبة السابعة من ضمن دول العالم التي لدينا معها تبادل اقتصادي، كمان أن هذا التبادل ظل في ارتفاع مستمر فقبل أربع سنوات بلغ حجم التبادل التجاري قرابة 7 مليار يورو والآن ارتفع الرقم إلى قرابة 11 مليار يورو. وكيف أجواء الاستثمار؟ إيطاليا من ناحية الاستثمارات، مثل أي بلد في العالم، فطالما لديك أموال ترغب في استثمارها سوف تجد كما كبيرا من التسهيلات التي تجيز ما تتوقع أنه مستحيل، وكل ذلك لأجل كسب مستثمر جديد، ولكن هناك من رجال الأعمال من ينقل صورة سلبية جدا عن التعامل مع المستثمرين الطليان نتيجة لمواقف فردية مع بعض الشركات، وبالطبع هناك مستويات متفاوتة للشركات، ولذلك من المفترض أن يستفسر المستثمر السعودي من السفارة عن الشركات الإيطالية التي يرغب في التعامل معها قبل الخوض في شراكات استثمارية، وبالتالي نستطيع التعامل مع المواقف السلبية والتواصل مع الجهات الرسمية في حال عدم تجاوب إحدى تلك الشركات مع المستثمر السعودي وتوضيح الأمر حتى لا تتسبب الأخطاء الفردية في حرمان الجانبين من التوسع في الاستثمارات التي تعود بالنفع على كلا الجانبين السعودي والإيطالي. ونحن في السفارة نتقبل ونرحب بالاستماع لمشكلات وقضايا المستثمرين السعوديين ونسعد بحلها قبل أن تتفاقم وتتسبب تجربة فردية في تعكير صورة الاستثمار بين البلدين. ولكن خلال اجتماعات مجالس الغرف السعودية الإيطالية ورجال الأعمال تكررت مؤخرا الإشارة بأن حجم التبادل التجاري مايزال غير مرضٍ لكلا الطرفين، فما هو رأيكم في ذلك؟ في الحقيقة أعتقد أنه كان هناك نوع من عدم التفاعل الكافي بين مجتمع رجال الأعمال في المملكة ونظرائهم في إيطاليا في السنوات القليلة، وبعد وصولي إلى إيطاليا ولله الحمد حضرت في ميلان مع مجموعة من رجال الأعمال الممثلين لمجلس الغرف السعودية مع الجانب الإيطالي وكانت النتائج جيدة، ومن هناك انطلقنا لتكثيف التواصل. وكما بدأنا الإعداد منذ وصولي قبل سنتين للمنتدى السعودي الإيطالي الذي حضرتموه خلال فعاليات مناسبة الاحتفال بمرور 80 عاما على العلاقات بين البلدين، وكنا نسعى لتنشيط العلاقات الاقتصادية والروابط بين رجال الأعمال وبناء جسور جديدة للتواصل والتي كان من بينها فكرة إقامة احتفالية بمناسبة مرور 80 عاما على العلاقات السعودية الإيطالية وهي من اقتراحي بعد أن فكرت ووجدت أن هذه الاحتفالية ستفتح بابا لعرض ما لدينا على عدة أصعدة، وستعمل على تجديد الترابط والتواصل ليس مع الحكومة الإيطالية فقط ولكن مع المجتمع الإيطالي أيضا، ولذلك أنا في الحقيقة أشكر وأقدر وأثمن موافقة خادم الحرمين الشريفين الفورية على هذا المقترح. لماذا أجلت الاحتفالية بمناسبة مرور 80 عاما على العلاقات السعودية الإيطالية لأكثر من عام على الرغم من موافقة المقام السامي عليها؟ أجلت الاحتفالية حتى نحصل على الموافقة بإقامتها في الموقع المميز الذي أقيمت به في ساحة الشعب (بيازا ديل بوبولو) بقلب العاصمة روما ولمدة خمسة أيام متتالية، ولم يسبق أن يعطى ذلك الموقع لأي جهة نهائيا لأكثر من يوم واحد فقط. كيف ترى الإقبال على السياحة هنا في إيطاليا، وما هي أبرز المشكلات التي يواجهها السائح السعودي؟ السائح السعودي مرحب به في إيطاليا والشعب الإيطالي هو شعب صديق فدائما الابتسامة موجودة ولديهم روح جميلة في التعامل مع السياح تشعرهم أيضا بشرق أوسطية المجتمع وذلك بحكم موقعهم في حوض البحر المتوسط واكتسابهم الكثير من الصفات والخصال العربية عن طريق الهجرات العربية، والتأشيرات باتت تعطى للسائح خلال يومين فقط، كما أن أعداد السياح السعوديين الذين يفدون إلى إيطاليا زاد عددهم خلال السنتين الماضيتين بعد مضاعفة عدد الرحلات الأسبوعية من السعودية إلى إيطاليا من أربع رحلات إلى 12 رحلة. والمشكلات التي يواجهها السائح السعودي تقتصر فقط على السرقات، والسبب في ذلك يعود إلى عدم الاهتمام من قبل السياح في أخذ الحيطة والحذر وعدم إظهار ما يلفت لوجود أموال كبيرة ومجوهرات أمام العامة، ولكن بشكل عام إيطاليا بلد آمن وتتمتع بالاستقرار. يتفاجأ موظفو السفارة من بعض استفسارات وطلبات السائحين السعوديين، وعلى سبيل المثال، اتصل سائح سعودي في مدينة ميلان على السفارة ليطلب منها احتياجه لشاحن جوال للتواصل مع أهله بعد أن عجز عن وجود أماكن لشراء الشاحن المطلوب.. ما هي ردة فعلكم لمطلب كهذا؟ لن أستاء أبدا، بل دورنا هنا هو مساعدته للحصول على احتياجه الضروري هذا وإيصاله إليه حتى لو تطلب الأمر إلى الذهاب بأنفسنا إلى مدينة ميلان وتسليمه شاحن جوال حتى يتسنى له التواصل مع أهله، وهذا هو دورنا الحقيقي الذي يتمثل في خدمة المواطن بأقصى قدر ممكن. لماذا لا يبادر الكثير من السياح السعوديين في تسجيل بياناتهم اللازمة لدى السفارة؟ بالفعل لا يتجاوز عدد الذين يقومون بتسجيل بياناتهم لدى السفارة 20 بالمائة، وذلك على الرغم من التسهيلات الكبيرة التي نقدمها في هذا الأمر حيث بمجرد وصول السائح إلى إيطاليا يتسلم رسالة نصية على جهازه الخلوي بأرقام السفارة وعناوينها ورابط موقعها الالكتروني، وبالإمكان التسجيل عن بعد من خلال موقعنا الالكتروني، وبالتالي لا عذر لمن لم يسجل بياناته وهو أمر ضروري لحمايته وتسهيل مساعدته وقت الضرورة لا سمح الله، وللأسف هناك اعتقاد خاطئ لدى البعض أن تسجيل جواز سفره وبياناته الشخصية لدى السفارة يعني أننا سوف نتعقبه ونراقب خطواته، وهذا الأمر غير صحيح وليس من اختصاصنا ولا أعلم من أين أتت هذه الادعاءات. وأود أن أوضح بأن «السفارة تعمل جاهدة للسعي خلف المواطن السعودي في إيطاليا وإعطائه كل ما يريد والتوضيح له بأن السفارة بيته الثاني، وتقدم له الحماية خلال تواجده في إيطاليا، ومحاولة حل جميع المشكلات التي تواجه أي مواطن مهما كانت». خلال العام القادم سيحصل مواطنو بعض دول الخليج على تسهيلات تسمح لهم بدخول دول الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة «شنغن» .. ماذا بالنسبة للسعودي؟ نحن أيضا لدينا رغبة وتوجه نحو الخوض في الإجراءات اللازمة مع الدول الأوروبية لإعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول إلى أوروبا، وسيتم العمل عليها قريبا. المملكة كان لها السبق في فكرة إنشاء المركز الإسلامي الثقافي في روما عن طريق المغفور له الملك فيصل رحمه الله حدثنا عن تجربة المركز ؟ ولماذا جميع أئمة المركز من الأزهر ؟ الدين الإسلامي هنا في إيطاليا هو ثاني أكبر ديانة بعد الكاثوليكية، حيث يوجد أكثر من واحد ونصف مليون مسلم في الوقت الحاضر، وهذا كان سببا رئيسيا في اهتمام المملكة بإنشاء المركز الثقافي الإسلامي الذي وضع حجر أساسه بحضور رئيس جمهورية إيطاليا ومعالي وزير الأوقاف السابق عبدالوهاب عبدالواسع رحمه الله، وهو خير دليل على القبول وعلى التسامح بيننا وبينهم، وقد أنجز هذا المشروع بعد مفاوضات طويلة أخذت عدة سنوات حتى تمت الموافقة عليه، وتم افتتاح المشروع رسميا عام 1995م بحضور سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وشارك في الحضور رئيس الجمهورية، وهذا معناه أن الحدث ضخم ومهم جدا. وبالنسبة لتكاليف إنشاء المركز وتمويله، فقد أسهمت عدد من الدول العربية والإسلامية في ذلك أيضا، وقد تطوعت جامعة الأزهر في مصر بتزويد المركز بأئمة، ولكن المملكة قامت بالجزء الأكبر جدا من نفقات بناء المركز ودعمه وتمويله. قبل مجيئك إلى إيطاليا كان موقع السفير خاليا لأكثر من عامين منذ رحيل معالي السفير محمد الجارالله، ما السبب؟ وهل أثر هذا الوضع على انطلاق مهامكم بالشكل المطلوب؟ بالتأكيد لم يكن هناك أي أسباب سياسية على الإطلاق وأستطيع أن أجزم لك بذلك، ولكن دولة كبيرة مثل إيطاليا يجب أن يتم اختيار من يذهب إليها بشكل دقيق جدا، لأن هذا الاختيار يسهم في الارتقاء بالعلاقات ويزيد من وتيرة التبادل مع الجانب الإيطالي، وهذا هو السبب الرئيسي في التأخير ولكننا نتجاوزه الآن بالتواصل المكثف مع الإيطاليين، وكان لا بد أن يضاعف الجهد وقد فعلنا ذلك .. هل لديك المزيد لتقوله لنا عن المنجز الكبير الذي تم مؤخرا بامتياز وهو الاحتفالية بمناسبة مرور (80) عاما على العلاقات السعودية الإيطالية والنجاح والتفاعل منقطع النظير الذي حققته خلال أيام الفعاليات؟ كما ذكرت لك، إن هذه الاحتفالية نتيجة جهد بدأت العمل عليه منذ سنتين ووفقت في ذلك ولله الحمد بعد أن حظيت بدعم سيدي خادم الحرمين الشريفين وأيضا دعم سمو الأمير سعود الفيصل ، وقد كان الحفل عرسا سعوديا في قلب بلد الحضارة والفن، وبلد له تواصل تاريخي مع الإسلام حيث أقام المسلمون في صقلية لأكثر من 400 عام.