وأنت تسير في أزقة وحارات المنطقة التاريخية في جدة، يسترسل عقلك في استعادة أسطوانة الماضي وتكتشف أن عروس البحر الأحمر تنام صباحا في الوقت الحالي مع عطلة الصيف غير أن البيع على أشده في منطقة البلد التاريخية والأسواق وشارع قابل والخاسكية وباب شريف، حيث الزحام والأصوات المرتفعة، وكأنك في شهر رمضان المبارك أو في زحام ما قبل العيد. جميع المحلات مشرعة الأبواب تستقبل الزبائن، محلات الجملة، والخردوات والباعة المتجولون، والأقمشة، حتى الأفريقيات يتجولن في الممرات يبعن الماء البارد والعصيرات والحلويات، وهناك باعة المساويك. «عكاظ» تجولت في المنطقة التاريخية وسوق قابل وكان التوقع أن تجد المحلات مغلقة والناس نياما، إلا أن المفاجأة كانت عكس التوقع، حيث كل شيء مفتوح، محلات العسل والسمن والأشمغة والأحذية وباعة الدقيق وعمال يرممون المباني القديمة في المنطقة التاريخية. أصحاب الليموزينات يتكدسون في الممرات وعلى الشوارع العامة، نساء يشترين أغراضا من المحلات، وكأن العيد فات منذ وقت طويل. وبعض المحلات مشرعة الأبواب من غير زبائن، كل ذلك لا يهم بل المهم أن يتواجد العامل في محله منذ وقت باكر فمحلات البلد لا تغلق الأبواب. حتى المطاعم القديمة والمقاهي والكافتيريات التي تجمع جميع الجنسيات الكافتيريات الإريتيرية والمصرية والهندية والعربية كلها مفتوحة، وكل جالية تشغل كاسيتات الأغاني التي تعنيها، (أم كلثوم وعبدالحليم والأغاني السودانية وعدوية) تسير في المنطقة التاريخية وأنت تسمع الأغنيات وهدوء المتجمعين. عبد القادر باجمال (أحد الزبائن المتجولين) سألناه عن سبب وجوده في السوق رغم أن عيد الفطر لم ينته منذ فترة بسيطة، فأجاب: بأنه يحضر في الوقت الحالي من كل عام لأجل الحصول على بضاعة بالجملة (ملابس وأحذية) حتى يرسلها لمحله الواقع في منطقة في جنوب المملكة، استعدادا لعيد الحج. وأضاف: انتهت بضاعتي في المحل بعد عيد الفطر المبارك، لذلك فالواجب أن أقوم بتعبئة المحل من هنا، حيث أقوم باختيار بضاعتي بنفسي ومن ثم أرسلها. وأضاف «ليست هذه المرة الوحيدة التي أحضر فيها، بل أكرر زياراتي لجدة بين فترة وأخرى على مدار السنة من أجل تجارتي». أما أبو نادر (من المدينةالمنورة) صادفته «عكاظ» أمام أحد محلات البخور والعود ودهن العنبر، فسألته ما إذا كان يشتري لنفسه أم لمحل تجاري، فأفاد بأن موسم شهر رمضان المبارك وعيد الفطر المبارك استهلك جميع بضاعته، وأن التوقيت الحالي أنسب وقت لشراء دهن العود والبخور بالجملة، استعدادا لموسم الحج. وأفاد بأن الهدوء في الأسواق بعد عيد الفطر المبارك، يغري الزبائن الراغبين في شراء بضاعة بالجملة والاختيار بهدوء وبعيدا عن الصخب والازعاج والزحام الخانق وغلاء الأسعار. واضاف: أتعمد الحضور في الوقت الحالي من كل عام لأن الأوضاع هادئة والباعة غير مضغوطين ولا زحام عندهم، أهاتفهم قبل مجيئي فأطلب الكمية المرغوبة ومن ثم أحضر للموقع وأختار ما أريد، ومن ثم أدفع نقودي وأرسل بضاعتي لمحلات النقل، وأغادر مرة أخرى لمدينتي. وأثناء الجولة في المنطقة التاريخية بعد مسجد الحنفي تجد مخبزا قديما اسمه (مختار يوسف شكري) وهو من أقدم مخابز جدة على الإطلاق. الأهالي القدامى وسكان (قابل) يستبعدون بأن يكون في الشارع العتيق أوكارا لبيع المخدرات أو لممارسة أعمال الرذيلة، مقارنة بأحياء قديمة في جدة أو في غير جدة، فهذا الشارع أصيل يحمل جمال الماضي ونظافته وأناقة الحاضر ورقيه. مولد التجارة شارع قابل، الذي ولدت منه التجارة في جدة وخرجت منه الأسماء الكبيرة تغير حاله اليوم، حيث اختلطت رائحة الخردوات والعطورات والبخور بالنفايات المتراكمة داخل بعض المباني القديمة التي تستغلها الأفريقيات للنوم ولقضاء حوائجهن فيها ودس كراتينهن التي ينبشنها من أبواب المحال المتراصة فيه، وآثار مقاهي قديمة ترسم صورا وتتخيل أحداثا وأناسا كانوا في الجوار يتجولون ويتحدثون، عبارات نقشت على الجدران يعود تاريخها لزمن بعيد، و(علب) قديمة جدا لجراك الشيشة فارغة في مقهى قديم ومدمر كليا. الشارع الذي كان في يوم من الأيام ملتقى المثقفين والأدباء والتجار ما زال كذلك إلا أنه اختلط بالمتسولين والباعة المتجولين والمفترشين ومخالفي العمل والإقامة. فتكاد لاتتخيل شيئا إلا وتجده هناك، وبأسعار متفاوتة وحسب نوعية وجودة الغرض، فتجد أشكالا متراكمة من شامبوهات الغسيل التي لم تشاهدها من قبل، وأنواع الصابونات ذات المسميات العجيبة، وأشكال الخردوات والعطورات التي لن تجدها إلا هنا. بائعو الكبدة والعصيرات ينتشرون في كل مكان، والخضروات تزحم الممرات، والكل يطلب رزقه بطريقته الخاصة بتصريح نظامي أو دونه من غير خوف أو قلق أو ترقب لمنع أو جولة مسؤول. مجوهرات تزحم المحلات حتى يتبادر في ذهنك سؤال: هل هذه المجوهرات حقيقية؟ لكثرتها ولأن المكان قديم جدا فكيف يمكن الاطمئنان عليها بين تلك المحلات التي يعود تاريخها لأكثر من مائة سنة. في شارع قابل اللحوم مكشوفة ومعلقة على أبواب المحلات، من غير عناية مطلوبة وحذر من هجوم الذباب. في الأسواق القديمة في المنطقة التاريخية والبلد عطورات بأسماء كبيرة بسعر رخيص جدا ما يؤكد بأنها مغشوشة أو مقلدة على أقل تقدير. جولات ميدانية «عكاظ» واجهت مسؤولا في أمانة محافظة جدة يعمل في بلدية المنطقة التاريخية بالوضع في منطقة البلد والمنطقة التاريخية والافتراش والباعة المتجولين، فأجاب: نقوم بشكل يومي بعمل جولات ميدانية في جدة القديمة، وعند اكتشافنا بأن هناك مخالفات فإننا نقوم بالإجراء اللازم حيال المخالف والمكان المخالف. أما العربات العشوائية فأكثر أصحابها من مجهولي الإقامة، وحين رؤيتنا كأعضاء بلدية يفرون هاربين، وبدورنا نقوم بحجز عرباتهم بمحتوياتها وإرسالها للجمعيات الخيرية للاستفادة منها. وأفاد المصدر بأن جميع محلات شارع قابل رسمية ولديها رخص للسماح لها بمزاولة المهنة، وهناك القليل يخالف ذلك، وبجولاتنا المستمرة اليومية نعالج المخالفات كل حسب نوعية المخالفة كعدم تجديد الرخصة فإننا نشعره بذلك وإن تكرر فإننا نتخذ الإجراء اللازم. مشاريع كبيرة مسؤول في أمانة جدة أوضح أن هناك مشاريع كثيرة وكبيرة للمنطقة التاريخية وسيكون لها صداها الإيجابي، لما تعنيه المنطقة التاريخية وهناك مشاريع قيد الإنشاء. هناك مبان قديمة أعيد ترميمها وهناك ترميم للساحات وعمل أرصفة، وستكون هناك ترميمات لمتاحف عدة أهمها متحف بيت نصيف.