يقول المتجولون في سوق مطرح العُماني، أن التسكع فيه ممتع كالتجول في دهاليز التاريخ القديم، فدكاكينه الصغيرة والمتراصة على جانبي ممر مغطى بزخارف ونقوش، تقدم للمتجوّل متعة بصرية أكثر من تقديمها أفكاراً للشراء، مع حال التجديد التي طاولت السوق حين عملت بلدية مسقط على تحويل المكان إلى تحفة فنية. ويذكّر سوق مطرح بأسواق شعبية مشابهة في الخليج كسوق باب البحرين في المنامة والحسين في القاهرة، وغيرها من الأسواق التقليدية، لكنه يكتسب خاصيته من قربه من البحر، والجبال الحارسة له، متمدداً داخل المدينة، تاركا تراثه بين أيدي العمالة الوافدة الآتية من آسيا ما عدا قلة من السكان المحليين الذين لا يزالون يحتفظون بمحالهم التي تبيع تذكارات تراثية، كالخناجر والسيوف والحلي التقليدية المستخدمة لدى النساء في السلطنة، وصولاً إلى تلك التذكارات المستوردة من أدوات الملاحة، كالإسطرلاب وغيرها، إضافة إلى السجاد التركي والإيراني. ويجد المتجول في دهاليز سوق مطرح خليطاً هائلاً من الروائح، إذ يعرض القادمون من محافظة ظفار البخور واللبان الذي يحرقون نماذج منه ليعم دخانه جوانب المكان، فيما يعرض آخرون البهارات والحناء والعطورات الشرقية، وتسود حال الجدال على السعر بين الباعة والمشترين، وسط تنوع في الوجوه والجنسيات والأزياء التي تتنوع في عمان وفق المحافظات وتلتقي جميعاً في سوق مطرح حيث يشتد الزحام قبل أكثر من شهرين من حلول عيدي الفطر والأضحى، ومواسم الأعراس. ويعد الوصول إلى سوق مطرح، مغامرة وسط ازدحام السيارات، فالحصول على موقف شاغر يعتبر هدية، ومع انسحاب السياح بحلول فصل الصيف، فإن السكان المحليين يعرفون أنه قبلتهم للتزود باحتياجاتهم لمواسم الأعياد، مهما كبرت المجمعات التجارية وتعددت معروضاتها وارتقت. ويلاحظ أن النساء الأكثر إقبالاً على السوق الذي يقدم لهن خيارات الأقمشة القادمة من الهند وجوارها، مع معرفة العمالة الباكستانية والهندية بحكم الخبرة لمتطلبات المرأة العمانية، خصوصاً في الأزياء التقليدية، وميل النساء القادمات من خارج مسقط للأسواق الشعبية القادرة على مزج بضاعتها بهالة من التاريخ والأمس المختزن لطاقات من الحنين والشجن إليه. وتشير المصادر التاريخية إلى أن سوق مطرح من أقدم أسواق عمان، وبني في عشرينات القرن الماضي، وعلى مقربة من بوابته المواجهة للبحر، يلاحظ الزائر بدء سكة يمتد فيها السوق بضيق أشد، ويطلق عليها سوق الظلام، نظراً إلى عدم وجود كهرباء في الماضي، وفي عز النهار فإن المكان لا يمكن السير فيه من دون إضاءة. ويجتهد المتجول لعدم الاصطدام بالآخرين، إذ لا يتسع الدرب الفاصل بين المحال في الجانبين لأكثر من شخصين، وفي حال وقوف أحد أمام محل، فإنه يسبب ارتباكاً في حركة مرور البشر. وترتفع أصوات الباعة الآسيويين تنادي على السياح الأوروبيين أملاً في بيع قطعة تراثية أو قماش بلغة عربية ركيكة أو بحسب توقع جنسية السائح، فيما يتوارى الباعة العمانيون في المحال الكبيرة التي تبيع الذهب والتحف الفنية بأعداد قليلة جداً.