«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل»..هذا الحديث النبوي تذكرته عندما هاتفتني إحدى الفتيات تريد مفتيا يفتي لها بشرعية الزواج من أحد الشباب الثقاة (حسب قولها) بدون إذن وليها الذي يدعوها للزواج من أحد أقاربها الذي تقول عنه انه من «الفسقة». لم أذكر لها هذا الحديث خاصة أن هناك أقوالا لبعض العلماء (حسب المذاهب المختلفة) حول تزويج المرأة من غير ولي من قبل القاضي خاصة في حالات «العضل» الذي قال عنه ابن قدامة رحمه الله: «ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه». وقد ذكر معقل بن يسار أنه زوج أختا له من رجل، فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقال له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (فلا تعضلوهن) فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجها إياه. فقد دعا الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس الشورى وإمام وخطيب المسجد الحرام بالابتعاد عن الشروط المؤدية إلى تعليق الزواج أو الدخول إلى مدد طويلة غير معلومة، بل قد تكون شروطاً لم تعلم بها المخطوبة أو غلبها فيه الحياء وليس فيها مصلحة ظاهرة، كشرط تأخير الدخول لسنوات طويلة من إنهاء دراسة بعيدة النهاية، أو بحث عن عمل أو تجارة لا ترتبط بوقت محدد. وطالب فضيلته المساعدة على الإحصان والعفاف والحرص على الأكفاء ذوي الدين والخلق وتحقيق الاستقرار النفسي، موضحا أن من الظلم البين حرمان الفتيات من الزواج بمثل هذه الأساليب والأعذار الباردة والحجج الواهية حتى ضاع على كثير من البنين والبنات سنوات العمر، وعنس الكثيرون والكثيرات. وأضاف: «إن في منع المرأة من تزويجها بالكفء ثلاث جنايات، جناية الولي على نفسه بمعصيته الله ورسوله، وجناية على المرأة حيث منعها من الكفء الذي رضيته، وجناية على الخاطب حيث منعه من حق أمر الشارع بإعطائه إياه في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه». وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله : أن الولي إذا امتنع من تزويج موليته بكفء رضيته سقطت ولايته وانتقلت لمن بعده، الأحق فالأحق، أو انتقلت إلى السلطان لعموم حديث: «فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» (أخرجه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها ، وقال: حديث حسن. كما قال أهل العلم أيضاً: إذا تكرر من الولي رد الخطاب من غير سبب صحيح صار فاسقا ودخل عليه النقص في دينه وإيمانه. الداعية الشيخ محمد صالح المنجد أوضح أن بعضا ممن ولاه الله على المرأة يرد الخطاب الذين يتقدمون إليها وهم أَكفاء، ولكن قد تستحيي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها، مضيفا بقوله: لا شك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك، ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء، أي أن في ذلك ثلاث مصالح هي: «مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج»، و«مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه»، و«منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون»، وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». موضحا فضيلته أن الأب إذا امتنع من تزويج ابنته من الكفؤ الذي ترضاه، فإنه يكون بذلك «عاضلا»، وتنتقل الولاية إلى من بعده من العصبات، فإن امتنعوا من تزويجها أو لم يوجد، انتقلت الولاية إلى القاضي الشرعي، مشيرا إلى أنه لا يجوز بحالٍ أن تتزوج من دون ولي، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي». وقد جاء في «المغني»: من منع موليته من التزوج بالكفء المرضي في دينه وخلقه، كان عاضلا لها، تنتقل الولاية منه إلى من بعده، فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلا لها، فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلا لها». وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مفتي الديار السعودية: «متى بلغت المرأة سن البلوغ وتقدم لها من ترضاه دينا وخلقا وكفاءة، ولم يقدح فيه الولي بما يبعده عن أمثالها ويثبت ما يدعيه، كان على ولي المرأة إجابة طلبه من تزويجه إياها، فإن امتنع عن ذلك نبه إلى وجوب مراعاة جانب موليته، فإن أصر على الامتناع بعد ذلك سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة».. وكما جاء في المغني أن «أحق الناس بتزويج المرأة بعد أبيها: الجد، ثم ابنها، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم أبناؤهم، ثم الأعمام، ثم أبناؤهم، ثم عمومة الأب، ثم السلطان (القاضي). وقال أيضاً رحمه الله: «وليت أنا نصل إلى درجة تجرؤ فيها المرأة على أنه إذا منعها أبوها من الكفء خلقا ودينا تذهب إلى القاضي ويقول لأبيها: زوجها أو أزوجها أنا أو يزوجها ولي غيرك؛ لأن هذا حق للبنت إذا منعها أبوها (أن تشكوه للقاضي) وهذا حق شرعي، فليتنا نصل إلى هذه الدرجة، لكن أكثر الفتيات يمنعهن الحياء من ذلك». وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة». وإذا كان الأب «فاسقا» فولايته للنكاح محل خلاف بين الفقهاء (كما ذكر بعض العلماء) فمذهب الشافعية والحنابلة أنها لا تصح، وذهب فقهاء الأحناف إلى صحة ولاية الفاسق، وهو مشهور مذهب المالكية. إلا أنهم كرهوا ولاية الفاسق، وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة.