يبدو جميلا ذلك الحلم الذي نقلم فيه أغصان الضجر ونحتفي بميلاد البتلات الصغيرة في بطون الزهر، وجداول الفرح تنام على شفاه باسمة. عندما يزورنا المساء نبحث في جيوب الظلام عن ذلك البعيد الذي رسم لنا في الأفق نجمتين وفي ناصية إحداهما علق جرس الأماني نقرعه كلما لاحت لنا الدروب الضيقة وهي تتسع بحجم الضوء المنبعث من بقايا نهار مات بالأمس. عندما كبر الصغار وشاخت على أوتار المعازف ألحانهم وجفت على الألسن آخر قصيدة، فخر الوزن وقافيته إلى هوة سحيقة تتراقص الأفاعي في جوفها على صفير الريح، والمجهول رداء فاقع اللون يشعل في الجماجم هواجس التوقعات، ترى هل يتشابهون ؟ هل يحتسون القهوة مرة ويستلذون التبغ في فنجان العرافة ؟ ويقضمون السهاد في أواخر الليل والشوق يغلي على مواقد انطفأت نارها ! كلها أسئلة حيرى إجاباتها ترقد في خبء الزمن المترجل من قمة المستحيل، والوجد سيف يمشط المشاعر برقة ويمسح عن بريقه ما تبقى من حمرة الألم !! يبدو جميلا ذلك الحلم وهو عش صغير ترقد فيه بيضة نبت الريش غزيرا على هيكلها فتوارت خجلا من نظرات المتلصصين على وحدتها. مبهر وهو طفل يكبر في عيون الصبايا يحبو إلى مخادعهن فيسرق شهد السهر ولذة النوم من عيون لا تصنع شيئا سوى مراقبة تمدده في القفار وعلى رؤوس النخيل العالي في واحة مخضرة تربض الضباع في ظلها. فذلك جميل نطارده وهو كلمة لا تغيب في وعود مؤجلة كذبها أكثر من صدقها، تعادي من يشك أنها تتقن أن تمنح الآخرين ما وعدتهم به !!.