من المألوف أن يتذمر الآباء من تصرفات أبنائهم ويطالبوهم بتصحيحها إلا أن التطور الذي شهدته الحياة المدنية دفع بفئة شبابية لتطالب ذويها بتغيير أنماط حياتهم وأن يتأقلموا مع الوضع القائم، وكذلك تطوير نمط التفكير بما يناسب المرحلة. «عكاظ» استطلعت رأي عدد من الشباب والشابات حول آرائهم حول والديهم ومدى قناعاتهم بآلية التفكير، حيث تقول هنادي خالد «من الطبيعي أن تكون لي وجهة نظر في طريقة التعامل والتعاطي مع الأحداث، لكن في الوقت نفسه هذا لا يعني انتقادهم». وتضيف «بالنسبة لوالدتي كل ما فيها جميل غير أن تزمتها في بعض الأمور مبالغ فيه، حيث أنها تفتح باب غرفتنا أنا وأختي وقد بلغنا العشرين عاماً فجأة وهذا خطأ وقد تربينا على أنه لا بد أن نقرع الباب قبل الدخول فلماذا لا تلتزم والدتي بما تقوله لنا، أما والدي فوضعه مقبول باستثناء عصبيته ومزاجيته في بعض المواضيع ورفضه مبدأ المناقشة والحوار». وتذكر الشابة (ش.أ) أنها الفتاة الوحيدة في أسرتها «لا أستطيع أن أنتقد والدي لأقاربي وأخجل أن أقول ملاحظاتي عنهم لصديقاتي رغم أني أرى نظرات الاستهتار من بعض صديقاتي عن والدتي في بعض المواقف فهناك عيب في والدتي عجزت أن أعالجه وهو أن والدتي ترتدي ملابس أصغر من عمرها بكثير، فقد تجاوز عمرها 55 عاما، رغم أن عمري 20 عاما، فقد ظلت فترة طويلة من زواجها لا تنجب ثم أنجبتني أنا فقط، ومهما أنصحها في تغيير ملابسها ترفض، والمحرج في الأمر عندما نخرج مناسبات فيها صديقاتي أرى في أعينهم نظرات الاستهتار بوالدتي». ويقول الشاب (فهد. ح): «كنت أحلم بأب يعمل في منصب راق ويكون وضعه متميزا عندما يقابله أصدقائي ولا أشعر بالخجل منه ولكن العكس هو ما أعيش فيه فوالدي بسيط في وظيفته وطريقة حديثه وسيارته ومسكنه فهو لم يتعلم وبالتالي فرصته في الحياة لم تكن جيدة أعرف بأنه ليس ذنبه ولكني كنت أتمنى عكس ذلك ولكن لا يمكن للفرد تغيير الحقيقة». أما الشاب (ع. أ) فيقول «عمري 25 عاما وأمقت حياتي فهذه الحياة ليست ما كنت أتمنى، فوالدي شخص عديم الشخصية ويتعاطى المسكر طوال الوقت من بعد العودة من العمل ووالدتي متسلطة لغت شخصية والدي ونحن معه، فكل دورنا في الحياة إطاعة الأوامر وليس أكثر من ذلك حتى زوجات إخوتي هي اختارتهم وقس على ذلك كل شيء، وعندما أسمع أصدقائي يتحدثون عن والديهم أشعر بالغبن فهم متفهمون ويراعون احتياجات أبنائهم ومترابطون ويقضون الإجازات مع بعضهم ويستشيرون بعضهم ويأخذون القرار بالأغلبية». الشاب (ب. ع) يقول «رغم ثراء أسرتي إلا أن لكل فرد منا حياة خاصة تفتقد للترابط والحميمية فكل شخص يتصرف وفق ما يريد ولا يعود لأحد من أفراد أسرتنا وفي الغالب أطول فترة نرى فيها بعضنا على متن الطائرة التي تقلنا لأي بلد نسافر له، حقاً إن البعض يرى بأن هذه هي قمة السعادة ولكني أراها قمة التعاسة، فرغم الثراء الذي نحن فيه كنت أتمنى أن أكون من أسرة متوسطة الحال نجلس علة سفرة واحدة تجمعنا وجبات يومية ونقضي رمضان معاً مثل الباقين على وجبة الإفطار ونجتمع ونناقش مشاكل بعضنا إلا أني افتقد كل هذا ولو خيرت بين الثراء الذي أعيشه وبين ما أتمنى من ترابط أسري في مستوى معيشي متوسط سوف اختار الأخير ولكن هذا لن يحدث فقد قررت الأقدار إلا أني تعيس ولن أكون كذلك مع أبنائي». ويرى تربويون أن لكل عصر طريقة تفكيره وقناعاته وأسلوب دراسته ومعلوماته المتوافرة التي تميزه عن غيره من العصور مما يساعد على خلق حالة فكرية معينة لدى ابناء الجيل الواحد تختلف عن نظيراتها في الاجيال الاخرى. ومع تغير انماط الحياة بشكل دائم وتبدلها ودخول افكار جديدة وخروج اخرى قديمة تتغير العادات والتقاليد بشكل مستمر، ربما لا يلحظه الشخص خلال حياته، الا ان هذا الاختلاف يظهر بشكل واضح في اختلاف العادات والتقاليد بين جيل الآباء والابناء. ومن بين الانماط التي تتغير داخل الحياة اليومية للافراد، متابعة الانترنت الذي اصبح يسيطر على النمط الحياتي اليومي لهذا الجيل في الوقت الذي يجهل الاجداد وبعض الآباء كيفية التعامل مع الاجهزة الالكترونية الحديثة والتقدم التكنولوجي المستمر بينما نجد الابناء يجيدون التعامل مع هذه الاجهزة بسهولة ويسر، حيث اصبح جيل الشباب يواجه بحرا متلاطما من الافكار والرغبات والتحديات التي تفرض عليه الانغماس فيها وهذا ما يسبب له ضغطا نفسيا كبيرا ويستلزم جهودا في التربية والتوعية والمزيد من التفهم لمعاناتهم اليومية لهذه التحديات. وهناك ايضا غياب ثقافة الحوار الهادئ مما زاد من اتساع الفجوة بين الآباء والمربين من جهة وبين الشباب من جهة اخرى، بالاضافة الى أن اسلوب النقد المباشر والمهين الذي يستخدمه الآباء مع الأبناء لا يولد الا العناد والتمادي في الخطأ، خاصة اذا كان بصورة تحقيرية او استفزازية ولذا يجب ان يعتمد على اسلوب التوجيه الهادئ لإيجاد جو من التفاهم المتبادل. وتحذر كثير من الدراسات الاجتماعية من اتساع الفجوة بين الاجيال لأنها تؤدي الى جمود العواطف بين الآباء والابناء وعدم المبالاة وانعدام الثقة والشعور المتزايد لدى الابناء، فإن الآباء فقدوا اسلوب التربية الصحيح مما يؤدي الى التفكك الاسري وغياب الاحترام والتقدير واليأس من تربية الابناء وانعدام القدوة.