احتياجات روحانية تنقص الكثير من شبابنا، فتحيد بهم عن الطريق السوي ليسلكوا ما قد يُخيب الظن بهم، من تطرف فكر أو إدمان أو قضايا انتحار، لانعدام الثقة بينهم وبين آبائهم وأمهاتهم، فالأهل هم المكون الرئيسي لبذرة الشباب، مع مراعاة الطفرة العمرية التي يمر بها أي شخص ومحاولة استثمارها وتوظيفها بشكل إيجابي، فخلف جسد ذاك غير المبالي بعين المجتمع، تقبع أرواح متعطشة لثقة معززة وحنان مشبع. يصنع الخطر تقول «ليلى القحطاني» 27 عاماً : إنه في الغالب للأسف يكون حب الوالدين سيف قاتل لشخصية الأبناء بدافع الخوف غير المبرر، معتقدين أنهم بهذا التشدد سيوفرون لأبنائهم الحماية المطلوبة، كما قام بتوفيرها آبائهم قبل نصف قرن من الآن، متجاهلين حقيقة أن ما صلح بالأمس لن يصلح اليوم، وهذا الشيء حاصل حتى في أسرتي للأسف، مؤكدةً أن تسلط الوالدين الزائد وتشددهم بالأفكار يصنع الخطر الذي منه يهربون، ليبني شخصية سلبية مشوهة قلقة ومتوترة، لا تملك القدرة على المواجهة، مشيرةً إلى أي شاب وشابة يتمنيان من والديaهما ثقة جوهرية مزروعة بيد أسرتهما ومغروسة بدواخلهما، كما أننا نحتاج تلك الثقة الدائمة وليست تلك الثقة التي لا تتخطى موقفاً، أو تلك المزعزعة التي من الممكن أن تموت بسبب أي خطأ نرتكبه، مبينةً أن أغلب شبابنا محطم ومهزوز بسبب تلك الفئة التي لا تحترم المشاعر المتدفقة لدى الشباب وتنتهج أسلوب النقد السلبي الكفيل بتحطيم الإنسان. الجيل الحالي يرى أن شدة التعامل غير مجدٍ في هذا الزمن أسرة مترابطة وطالبت من الآباء والأمهات توطيد الثقة والصلة الروحية بينهم وبين أبنائهم، نظراً لأهمية ذلك، كما أنه كلما تقدم الشباب بالعمر وهم أكثر ثقة بأنفسهم سينعكس ذلك بثقتهم بالمجتمع وثقة المجتمع بهم، وسيمتلكون القدرة على التعامل الاجتماعي والاندماج به، وبالتالي تكوين أسرة مترابطة، لافتةً أنه من الضروري تعزيز لغة التواصل والتحاور بين الآباء والأمهات، وانتهاج نهج الصديق ليفهم الوالدان طريقة فكر أبنائهما وعدم خلق الحواجز بينهما، لأن التعامل بالعنف والتشدد وفرض الأوامر في هذا الزمن غير مجدٍ، وسيخلق فجوة بأساس المجتمع وينشأ شباب غير سوي يتسم بالخوف والخجل وعدم الرغبة بالمواجهة، مضيفةً يجب أن تأسس هذه العلاقة من الصغر بالصداقة والمحبة وليس السيطرة والتحكم، وأن يشارك الأبناء في الأمور العائلية بتوجيه من الوالدين دون تعليق لاذع. حتى في ملابسي وتؤكد «نورة السبيعي» 23 عاماً أن والديها لم يعطياها أي ثقة، لحرصهما الشديد عليها بحكم أنها أكبر أفراد العائلة، مستطردةً حتى في ملابسي كانت أمي هي من تختارها لي، رغم احتجاجي الصامت بلغة الدموع التي لم يعطياها أي اهتمام، ليقينهما بأني مازلت صغيرة ولا أفقه للصواب طريقاً، مشيرةً إلى أن والديها سلبا الكثير من ثقتها ولكنهما حملاها مسؤولية الفتاة الكبرى والأم الثانية بتناقض شديد، وأن تدخلهما في الأمور الصغيرة التي تحبها كل فتاة من لبس وأكل وطريقة الحديث لا يزال تأثيرها السلبي يسيطر عليها، بعدم قدرتها على اتخاذ أي قرار أو مواجهة لأي مشكلة قد تقع عليها. د.غادة الطريف: مرور المجتمعات بتغيرات سريعة جعل الشباب يتطلع إلى الاستقلال والحرية بعيداً عن الخوف وأوضحت أن الخوف الزائد يخلق حاجزاً بين كل الشباب وطموحاتهم مما يشل حركتهم وفعاليتهم في بناء المجتمع، كما أن كل شاب بحاجة من والديه إلى الثقة التي تشعره بأهميته، وأنه انسان يعتمد عليه وعلى مقدرته بالتصرف بعيداً عن القلق والخوف الزائد، ذاكرةً المثل: «الشيء إذا زاد عن حده انقلب ضده»، ومؤكدةً أنه يجب على الآباء والأمهات أن يمنحوا أبناءهم حرية التعبير واحترام الرأي منذ الصغر، مع التوجيه في حال الخطأ، فلو لاحظنا الأطفال في الدول الأخرى وقارناهم بأطفالنا وشبابنا لوجدناهم أكثر ثقة بأنفسهم وأكثر مقدرة على الحوار والأخذ والعطاء، لأن الطفل في هذه البلدان له رأي مسموع منذ صغره، والشاهد على ذلك التطور الذي يشهدونه باستمرار من اختراعات وثقافة وتوجهات فكرية ترتقي بالبلد، مبينةً أنها لم تذكر ذلك لكي تقلل من قيمة التربية الموجودة في بلادنا، بالعكس لدينا نماذج كثيرة وناجحة. المواقف تشهد ويرى «خالد العلي» 25 عاماً أن والديه لم يمنحاه الثقة ولو في موقف واحد، وأن أثبت قدرته على تحمل المسؤولية في أي موقف نسبوه للصدفة والظروف، مضيفاً أن المجتمع وآباءنا وأمهاتنا حكموا علينا بالاستهتارية واللامبالاة بسبب سلوكيات عمرية إما بطريقة اللبس أو قصة الشعر، متجاهلين بذرة المسؤولية المغروسة بداخل كل شاب وفتاة، كما أنه لو نسترجع بعض المواقف التي مرت بالمملكة لو جدتم هؤلاء المستهترين اللامبالين هم المنقذون فيها، فأحداث سيول جدة وأمطار الرياض وغرق حافلة الفتيات وغيرها من المواقف المشابهة، أثبتت قدرتنا على تحمل المسؤولية بعيداً عن سلوكياتنا. طفل صغير وأوضح أن أكثر ما يحبطه هو كلام والده الجارح عندما يراه، وكذلك صراخ والدته عليه وتعاملها معه وكأنه طفل صغير، مما يجعله يبحث عن متنفس خارج المنزل، مشدداً على أن كل ما يريده من الآباء والأمهات القليل من الثقة وتعزيز لغة الحوار بينهم وبين الشباب، وأن لا يحكموا عليهم بسبب خطأ ارتكبوه في مراهقتهم، بل عليهم احتواءهم وفتح أحضانهم لهم، كي لا تتلقفهم أحضان الانحراف والخطأ، فيعود أثرها على المجتمع بأسره. طفل حزين بعد أن تكبل بحرص والديه حبل الترابط ويؤكد سعد بن صالح لديه خمسة من أبناء أنه كثيراً ما كان يدعو الله أن يرزقه بالبنين والبنات، إلا أنه بعد أن رُزق بهم أحس بأن الوضع صعب جداً ويتطلب متابعتهم في كل صغيرة وكبيرة، مضيفاً عندما كان أبنائي صغاراً لم أشعر بالتعب في تربيتهم، ولكن عند وصولهم إلى سن المراهقة ألاحظ عليهم بعض التصرفات الغريبة، وهذا ما حدث مع أحد أبنائي الذي ما أن وصل إلى سن 16 عاماً حتى بدأ يخرج كثيراً من المنزل، بل وإن عاد أخذ يجلس على «الانترنت» لفترات طويلة، ولم يقف الأمر عند ذلك بل شعرت أن حبل الترابط بيني وبينه أصبح ضعيفاً. ترهيب وترغيب وأوضح أنه بعد أن لاحظ هذه التغيرات على ابنه، بدأ بمراقبته وتشديد الخناق عليه، من خلال إعطائه أوقات محددة للخروج من المنزل، وتهديده بأنه في حال تأخره فإنه سيقوم بقطع الاتصال بشبكة «الانترنت»، مبيناً أنه لاحظ تغيره إلى الأفضل بل وأصبح قريباً منه يطيعه في جميع أوامره، لافتاً إلى ضرورة أن يلجأ الآباء إلى سياسة الترهيب والترغيب حتى يصبح الأبناء تحت طاعتهم، أما تركهم بدون أي مراقبة فإن ذلك من شأنه أن يوقعهم في بعض الإنحرافات الخطيرة. الزنيدي: على الآباء التعامل مع أبنائهم على أُسس تعزز الثقة بالنفس خاصةً في وجود العولمة واجبات محددة وتعتبر «د.غادة الطريف» الأستاذ المساعد في علم الاجتماع الجنائي في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى والتي تعد من أهم النظم الاجتماعية التي أنشأها الإنسان، والتي تقدم الفرد لجميع مؤسسات المجتمع ونظمه الاجتماعية، وأنها تضع الجذور الأولى لشخصية الفرد، كما أنه من خلال عملية التفاعل الأسري يتعلم الطفل الأنماط السلوكية المتعارف عليها، وأسس الدور الاجتماعي ومتطلباته، وتوقعات الآخرين منه في المواقف المختلفة، والتي يجب على الأسرة والوالدين خصوصاً أن يوسعوا المجال في تعليم الطفل العديد من الأدوار التي تهيئه للقيام بأدواره الاجتماعية في المستقبل، لأنهم يسهمون في تحديد نمط الشخصية من خلال القيم التي تكتسب وترسخ في السنوات الأولى من حياة الطفل، مضيفةً أن النمو الفكري والعاطفي يرتبط بالإحساس بالمسئولية فوجود واجبات محددة على الطفل أن يقوم بها وتحمله لبعض المسؤوليات في حياته اليومية، يعطيه الإحساس بالثقة بالنفس والقدرة على الاستقلالية في المستقبل. مراحل النمو وتؤكد «د.غادة الطريف» أنه نظراً لمرور المجتمعات الحديثة بالعديد من التغيرات السريعة، نجد أن الشباب أصبح يتطلع إلى الاستقلال والحرية في التعبير عن آرائهم، وعدم التقييد بآراء الوالدين ومخالفتها أحياناً، مما يدعو الوالدين للشك في سلوكيات أبنائهم، لعدم امتثالهم لأوامرهم، لافتةً إلى أن الابن والابنة في حاجة إلى التوجيه والإرشاد في كافة مراحل النمو، إلا أن لكل مرحلة عمرية أساليب مناسبة وخاصة تتناسب مع ما يمر به، بعيداً عن ما يحرجهم أو يجرح مشاعرهم وحتى لا يولد لديهم ردة فعل، مشددةً على أن متابعة الأبناء في مختلف مراحل حياتهم أمر ضروري، وهي لا تعني عدم الثقة وإنما تأتي معززة لها، ويبقى دور الوالدين كبيراً ومؤثراً في بناء شخصية الأبناء متى تجاوزا تلك السلبيات المحبطة، مع الأخذ بكل وسيلة وسبب يعمل على تعزيز إيجابياتهم والتغلب على سلبياتهم، لينشأ الأبناء مواطنين صالحين مؤهلين لخدمة دينهم ووطنهم، كما أنه لا ينبغي الحكم على الأبناء من خلال المظهر الخارجي من طريقة اللبس ومواكبتهم لآخر صيحات الموضة وقصات الشعر ونحوها، فهذا يحدث كنتيجة حتمية للاتصال الثقافي وتقارب الحضارات والعولمة، ولا يعني الحكم عليهم من مظاهرهم، فكم من مواقف مشرفة تطالعنا بها الصحف لشبابنا تدل على أنهم ثروة للوطن، لذا دعونا لا نحكم عليهم أحكاماً مجحفة، ومراعاة ما يحيط بهم من إغراءات، مختتمةً بأن الدنيا فرص ويجب على الآباء والأمهات أن لا يحكموا على الأبناء بالجرم من غلطة واحدة وأن نتذكر أننا نحن الآباء بشر نخطي، ويجب علينا أن نتسامح مع أبنائنا ونعطيهم الفرصة لتصحيح أخطائهم في الحياة. عصب النهضة ويرى «محمد الزنيدي» اختصاصي اجتماعي أن أول ملامح التجديد التي يطرحها علينا هذا القرن هو أنها تضع قيادة المجتمع في المرحلة القادمة في أيدي الشباب الذين هم عصب النهضة الوطنية، كما أن هناك ظواهر عدة تؤكد هذا الدور الذي تقلده شبابنا في مجالات عدة كقيادة الشركات أو في الاستثمار أو حتى في المناصب الحكومية وغيرها من الوظائف باختلاف مجالاتها، مستطرداً يجب على الآباء التعامل مع أبنائهم على أسس تعزز الثقة بالنفس خاصة في وجود العولمة التي تشدهم نحوها بآفاقها الواسعة، فنجد الآباء يسعون جاهدين بفكرة استنساخ الأبناء بشخصياتهم في الوقت الذي يختلف فيه الأبناء بميولهم وسلوكهم وتفكيرهم عن الآباء، فكل زمان ومكان له معطياته الخاصة به، مشيراً إلى أنه عندما نتحدث عن سلوكيات الأبناء الخاطئة وانجرافهم نحو ما يسمونها بموضات العصر، فلا يجب على الآباء التعامل معهم بسلبية مفرطة، مؤكداً أنه يجب أن يتعاملوا مع تلك النزوات بتدخل إيجابي، بعيداً عن الصرامة والقسوة حتى لو كانت تلك السلوكيات منافية للقيم الإنسانية والمجتمعية العامة. ظلم كبير ونصح «الزنيدي» بأن يكون التدخل من قبل الآباء نفسي من خلال تعزيز الثقة بالنفس والتصرف مع تلك السلوكيات على أنها مرحلة محددة بفترة زمنية طالت أم قصرت، مبيناً تعرض الشباب لظلم كبير في هذا العصر وخصوصاً من آبائهم وأمهاتهم والمجتمع عامة، من خلال أساليب التعامل الصارمة إلى حد الإقصاء، مشدداً على أنه يجب على الآباء أن لا تكون نظرتهم لأبنائهم من خلال سلوكياتهم التي ينظر لها المجتمع أنها خارجه عن القيم، فهم جزء لا يتجزأ منه.