السكراب .. مفردة تتردد على كل ألسنة مرتادي الأسواق الطرفية وارتبطت المفردة بعمال أغراب درجوا على الإتجار بالخردة والتكسب منها في الخفاء والعلن. ويشهد السوق إقبالا كبيرا من رواد عشقوا شراء كل ما هو قديم سواء كان ذلك قطع غيار أو هياكل مركبات وحديدا مستخدما وأسلاك ألمونيوم وخلافها. وشجعت العوائد المادية الكبيرة التي يجنيها العاملون في هذا الحقل من النشاط التجاري آخرين بدخول المهنة التي أفرزت بعض الظواهر السلبية مثل سرقة السيارات وإخفائها لبيعها في أحواش التشليح التي لا يدقق البعض من ملاكها في هوية البائع أو مصدر البضاعة بعض المتعاملين في سوق السكراب وأصحاب ورش التشليح يردون التهم الموجهة إليهم ويؤكدون تمسكهم بالنظام والضوابط، ويلقون باللائمة على معامل الكبس التي انخرطت أخيرا في الاتجار بالحديد الخردة في مخالفة واضحة لأنظمة وزارة التجارة والصناعة. وهو الأمر الذي دفع ببعض اللصوص إلى قطع أوصال المركبات المسروقة لمحو آثار الجريمة ومن ثم بيعها كقطع غيار في سوق التشليح الذي يلقى رواجا واسعا من أصحاب الدخل المحدود في ظل ارتفاع أسعار قطع الغيار الجديدة بنوعيها الأصلي والمقلد. تغيير الملامح ورصدت جولة «عكاظ» على أحواش التشليح في بريمان والخمرة بعض أساليب التحايل على أنظمة شراء السيارات المشلحة دون أوراق تثبت ملكيتها أو إسقاط اللوحات. حيث يتم بيعها ككتل حديدية عند مصانع الكبس، فضلا عن تغيير ملامحها الخارجية بما في ذلك لوحاتها الرقمية الموجودة على الشاسيه لإخفاء الواقعة. وفي وقت سابق كشفت شرطة جدة عددا من هذه المخالفات وتمكنت من الإطاحة ببعض المخالفين الذين كونوا شبكات تخصصت في سرقة السيارات وتشليحها. وأسفرت التحريات الأمنية عن ضبط أحواش تستخدم لإخفاء المسروقات في جنوب المحافظة، كما كشفت بعض الحظائر النائية في شرقها. ومن بين أبرز العمليات ضبط شبكة من 26 من المتسللين احترفوا سرقة السيارات. واعتبرت الواقعة حينها الأخطر في منطقة مكةالمكرمة، إذ انتهجت الشبكة أسلوبا جديدا في تشليح المركبات بعد سرقتها، فضلا عن التورط في سرقة عدد من المنازل والاستراحات في سبع محافظات وقرى شمال وجنوب وشرق جدة. أبواب ونوافذ في المقابل لا تزال تتعالى هواجس المواطنين في جدة وتساؤلاتهم عن الأسباب التي أدت إلى تزايد الظاهرة وتنامي سيطرة العمالة الوافدة على محلات التشليح وأسواق السكراب، وتساءل مواطنون عن جدوى الحملات الأمنية التي تشير إلى ضبط مخالفين ومتورطين في سرقة مركبات وكيابل وأغطية الصرف الصحي. ويقول شاهر المطيري، من سكان حي بني مالك، إن عددا من المنازل تعرض إلى سرقة النوافذ والأبواب الخارجية في فترات متقطعة ويضيف: لا يمكن أن تتاح الفرصة لمن يقف وراء هذه الأعمال في تصريف ما يتمكن من سرقته لولا وجود مواقع لم تكتشفها الرقابة. أغطية الصرف محمد السلمي يستغرب من جرأة لصوص السكراب ويقول إنها وصلت إلى حد سرقة أغطية الصرف الصحي وقواطع الكهرباء الخارجية للمنازل. مستشهدا بمنزل جاره الذي اضطرته أعمال الترميم لمغادرته والسكن في إحدى الشقق المفروشة وعمدت عمالة مخالفة إلى السطو على المنزل واقتلاع النوافذ والأبواب. ويرى السلمي أن الحل الوحيد لظاهرة سرقة المخلفات المعدنية والحديد والمركبات يكمن في إيجاد موقع يضم جميع العاملين في هذه المهنة ويكون تحت إشراف أمني مباشر ورقابة من أجهزة التجارة والأمانة. ويشير سطام العتيبي إلى ظاهرة جديدة لا تقل خطرا عن مشكلات السكراب تتمثل في مهاجمة المباني قيد الإنشاء وسرقة حديد التسليح وأسلاك الموصلات الكهربائية وتحدث أغلب السرقات بعد منتصف الليل، ويقول: إن ثلاثة من زملائه في العمل تعرضوا إلى خسائر مالية كبرى نتيجة سرقة الحديد ومواد التشطيب من داخل منازلهم تحت الإنشاء. لافتا إلى أن العمالة المخالفة وجدت في المخططات الشمالية مثل الحمدانية والصالحية والرحيلي وبعض المخططات الجنوبية فرصة سهلة لتنفيذ سرقاتهم مستفيدين من قلة التواجد الأمني لدوريات الشرطة وتباعد المنازل عن بعضها وقلة الحركة في فترة ما بعد منتصف الليل. إبلاغ الشرطة أبو محمود بائع في تشاليح بريمان قال: إن السيارات التي يأتي أصحابها بغرض بيعها يتم توجيه مالكها إلى شيخ التشاليح لتعبئة البيانات المطلوبة ومراجعة المرور لإسقاط اللوحات واستكمال عملية البيع. ويضيف عاصم أبو محمد أنهم لا يتعاملون مع الأشخاص الذين لا يملكون ما يثبت امتلاكهم للمركبة «في حال تصادف وجاءنا شخص لبيع مركبته التالفة ولم يقدم ما يثبت ملكيته، نستدعي الجهات الأمنية لتتخذ الإجراء المناسب». ويضيف عثمان آدم، عامل في التشاليح، إن التواصل المستمر مع الجهات الأمنية ومع شيخ طائفة التشاليح على مدار اليوم. مشيرا إلى الجولات المفاجئة لشيخ الطائفة في أوقات الذروة من أبرز العوامل الرئيسية التي أدت إلى ضبط المخالفين وكشف أوضاعهم. فيما يؤكد أمجد حبيب الرحمن وهو من العاملين في مهنة نقل المركبات أن الجهات المعنية في الشرطة والمرور تحظر وتعاقب بشدة نقل المركبات في ظل غياب مالكها مبينا تعرضه لموقف لا يحسد عليه أثناء نقله إحدى المركبات المتعطلة. ولولا تدخل مالك المركبة وحضوره إلى قسم الشرطة في السامر وإثباته أنه الذي أمر بنقل المركبة إلى ورش الصناعية بهدف إصلاحها لكان عرضة للوقوع تحت طائلة العقوبة. تحركات الليل رئيس طائفة التشاليح والحديد السكراب في محافظة جدة عبدالله السفري، قال: إن الأنظمة تمنع بيع أو شراء السكراب والخردة مجهولة المصدر والحظر يشمل أيضا بيع أو شراء أغطية الصرف الصحي مبينا عدم شروع محال التشاليح والسكراب في أعمال كبس الحديد والمركبات إلا بحضور المندوبين مع إتلاف رقم الهيكل للمركبات حتى لا تستغل في أوجه غير نظامية كاشفا عن وجود نحو 660 محلا للسكراب والتشاليح في محافظة جدة تعمل بشكل غير نظامي، و140 محلا فقط يحمل أصحابها تراخيص. ويضيف السفري: إن 11 مندوبا يراقبون المحال غير النظامية، مبديا عن أسفه على انتشار ظاهرة استيراد المكابس من الخارج دون رقابة من الجهات المعنية ما أدى إلى ظهور أياد خفية من العمالة الوافدة تدير مكابس متنقلة على شاحنات بعيدا عن أعين الرقابة في منطقة شرق جدة في قويزة والحرازات. وطالب رئيس طائفة التشاليح شرطة جدة بالمزيد من التعاون خاصة في فترة ما بعد الدوام المسائي الذي يشهد تحركا للشاحنات المخالفة، كما طالب أيضا أمانة جدة بالمسارعة في إيجاد موقع خاص للنشاط. المتحدث الأمني في شرطة جدة الملازم أول نواف البوق أوضح تخصيص فرق أمنية لمتابعة أوضاع المواقع الخاصة ببيع المخلفات المعدنية وبقايا الحديد والسيارات التالفة وكشف عن إلقاء القبض على مجموعة من العمالة المخالفة على خلفية بيع بعض المسروقات من الكيابل والحديد وإحالتهم للجهات المعنية لاستكمال التحقيقات وإحالتهم للقضاء. مشيرا أيضا إلى توقيف عصابات حاولت تفكيك المركبات وتغيير ملامحها، كما تم ضبط مكابس حديد غير نظامية وإحالة الجناة لجهات التحقيق.