التغافل كما عرفته معاجم اللغة العربية هو تعمد الغفلة، وغفل عنه وأغفله، أي تركه وسها عنه، وهو بهذا المعنى يحمل جانبين أساسيين، إذ ثمة أشياء ينبغي أن نتغافل عنها، وأشياء أخرى يجب ألا نتغافل عنها، والفرع الأول من التغافل مطلوب ومحمود، وله آثاره الإيجابية على الفرد والمجتمع، أما النوع الثاني فهو مذموم ومرفوض، وله آثاره السلبية على الناس جميعا. يقول ابن الجوزي في النوع الأول: ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقق في كل صغيرة وكبيرة مع أهله وجيرانه وزملائه كي تحلو مجالسته، وتصفو عشرته. فالتغافل المقصود في كلمات ابن الجوزي يرتبط بشكل خاص بالعلاقات بين الأفراد فيما يقع بينهم من أخطاء وزلات، فالذي يحسب لأخيه كل صغيرة وكبيرة وكل ابن آدم خطاؤون، سيصعب عليه التعايش مع الآخر، والذي يتغافل عن زلات الآخرين وأخطائهم، ينعم بحسن العشرة والعلاقات الطيبة. وفي هذا المقام أدعو نفسي، والقارئ العزيز أن يمارس كل منا فضيلة التغافل مع أهله وجيرانه وزملائه، حتى ننعم جميعا بالصفاء والسلام والتوافق المجتمعي ولنا أن نتخيل لو أن زوجين يعيشان في بيت واحد، وما يمكن أن يقع من زلات وأخطاء من قبل كل واحد منهما في حق الآخر، كيف تكون حياتهما لو لم يتغافل كل منهما عن زلات وأخطاء شريك حياته، أنا على يقين من أن التغافل هنا ضرورة حتى يصل مركب الحياة الأسرية إلى بر الأمان ويروى أن رجلا طلب من ابنه أن يحضر ورقة بيضاء وممحاة فطلب من الابن أن يكتب ويمحو ما كتبه حتى كثرت الكتابة والمحي فسأل الابن ما الحكمة يا أبي من هذا، فقال: إن كل ما يقع بينك وزوجتك كما كتب في الورقة فإن محيت وهي كذلك انتهى الأمر وألا ستبقى القلوب ملوثة كما كتب على الورقة فلا يستطيع أحدكما تحمل الآخر ( باب من أبواب التغافل). لكن من الصعوبة بمكان أن يتغافل الفرد عن أخطاء جسيمة في حق الفرد والمجتمع، إذ لا يمكن أن نطالب جندي المرور بالتغافل عمن يتجاوزون القانون فيقطعون الإشارات أو يقفون في الممنوع أو يرتكبون شتى المخالفات ولا يمكن لنا أن نقبل أو ندعو إلى التغافل عن هؤلاء الذين يحلو لهم خلق الإشاعات وبثها وترويجها، لأن مثل هذا التغافل يفت في عضد الوطن، وقد يؤدي إلى كوارث لا يعلم مداها إلا الله. ولا ينبغي التغافل عما نراه من منكر، وإلا أوقعنا هذا التغافل في المحظور، وجعلنا نخرج عن نطاق تلك الأمة المختارة التي أناط الله تعالى بها مهمة إصلاح الكون كله. وقد يصل التغافل إلى حد الإيقاع بالغافلين أو المتغافلين في المحظور، فقد جاء في الأثر: الساكت عن الحق شيطان أخرس، وعليه فإن التغافل في بعض الأمور وتجاه بعض القضايا وبخاصة تلك المتعلقة بالمجتمع ككل يجعلنا نقترب من الاتجاه إلى مالا يرضاه لنا ربنا ورسولنا ولنا أن نربط بين ذلك كله وضرورة الإدلاء بالشهادة حين نستدعى لها، أو حين تكون هناك ضرورة لا نسارع بإدلائها من تلقاء أنفسنا، إذا أمرنا الله تعالى بأمر لا يمكن أن نتغافل عنه «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه» فالشهادة فيها رفض تام لأي نوع من أنواع التغافل. إذن علينا أن ندرك تماما: متى نتغافل، ومتى يكون التغافل فضيلة، ثم متى لا نتغافل، ومتى يكون التغافل رذيلة، بل جريمة. نحن في أمس الحاجة لأن نعيد شرح مثل هذه المصطلحات والألفاظ لأطفالنا، بل ولشبابنا، في المدارس والمنتديات، وأن تكون محل حوار ونقاشات في برامج الفضائيات وشتى وسائل الإعلام. وأخيرا: أدعوكم ألا تتغافلوا عن كلماتي، ووقانا الله وإياكم شر التغافل، وأن لا نكون من الغافلين عن دينه وشرعه. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة