بين حين وآخر تطالعنا الصحف أو غيرها من وسائل الإعلام ببعض الفتاوى والآراء لعلماء مشهورين مشهود لهم بالعلم والكفاءة، ولكن تكون فتاواهم تلك مثار جدال ونقاش، ما بين من يحاول تبريرها أو تسويغها، ومن يقطع بغرابتها وابتعادها عن الحق، وهي ما بات يعرف بمصطلح "زلات العلماء". فكيف يمكن التعامل مع هذه الزلات؟ وما هي الآلية التي تحمي الأمة منها؟ وهل هناك داعٍ لإنشاء ما يسمّى بمراجعات العلماء والمفتين؟ "الرسالة" حملت هذه الأسئلة ووضعتها على طاولات بعض العلماء والشرعيين، فاتفق معظمهم في التحذير من مغبة زلات بعض العلماء في الفتاوى الشرعية معتبرين أن طبيعة الإسلام وشموليته تفرض منطقا للخلاف الفقهي وتعدد المذاهب واختلاف الرؤى حول الفروع وما ليس معلوما من الدين بالضرورة وأكدوا أن الزلات التي يفتي بها بعض العلماء لا تلغي قضية فقهية أساسية وهي أن المجتهد يصيب و يخطئ إزاء الأدلة المحتملة والعقول المختلفة، وإذا كان ورود الخطأ محتملاً في قول الصحابة والأئمة المجتهدين -رضي الله عنهم- فاحتمال حدوثه في فتاوى غيرهم من علماء الأمة أولى. واعتبر الفقهاء أن زلة العالم يجب أن توضع في إطارها الصحيح وألا تأخذ حجماً اكبر من حجمها حتى تظل هيبة العلماء باقية ولا يستهان بهم، فزلة العالم ما هي إلا خطأ المفتي ومجانبته الصواب باجتهاده في آحاد المسائل، مع سلامة أصوله في الاستدلال والتقعيد. إضافة إلى الكثير الذي نجده بين ثنايا التحقيق التالي: مراجعة ذاتية بداية يوضح المستشار بالديوان الملكي الشيخ الدكتور عبد المحسن العبيكان بأن الزلات التي يقع فيها العلماء هي أمر عادي، وقال: لكل عالم زلة ولكل جواد كبوة ولكل فارس نبوة، فالزلة والخطأ يحدثان من كل أحد سواء أكان عالماً أو غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) فلا يسلم أحد منا من الخطأ ولم يعصم منه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأوضح العبيكان أن الحكم على الفتوى بكونها زلة يكون إذا صادمت النصوص الصحيحة فهنا تعتبر من الزلات، أما إن كانت من اجتهاد شخصي مقبول ولو اختلفوا معه في الرأي فهنا لا تعتبر من الزلات. وعن وجوب استحداث ما يسمّى بمراجعات العلماء والمفتين يقول العبيكان: كل شخص عليه أن يراجع نفسه وأن يحاسبها ويدقق في كل ما يقول وإن أخطأ فعليه أن يصوِّب نفسه. مسؤولية التحديد وبدوره يوضح الدكتور عازب آل مسبل رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية بمجلس الشورى أن العلماء لهم مكانتهم العلمية وإسهامهم في طلب العلم ونقله للمحتاجين إليه من عامة الأمة والمتعلمين، ويقول: الزلة التي قد تحدث من العلماء من الأمور الطبيعية، فالعلماء ليسوا في مكان العصمة ووارد أن يقعوا في بعض الزلات، ولكن تحسب زلتهم إذا كانت تهم عموم المسلمين، وذلك لأن زلة العالم يزل بها عالم، ولكن إذا تبين لهم وانتفى عنهم الاشتباه الذي قد يحصل لأحدهم فسرعان ما يرجعوا للصواب بإذن الله. و بين آل مسبل بأن المسؤول عن تحديد ما إذا كانت الفتوى زلة أم لا هو أكثر الناس دراية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال: كلنا ندرك أن العلم كله هو في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد يتفاوت الناس في هذا الفهم من نصوص الكتاب والسنة، فمن مقل ومكثر، فالعالم الذي أعطى جل وقته في طلب العلم والتدبر في آيات الله والتماس الأقرب في مسائل الفروع في الذات التي يحصل بها الزلل في الغالب هي المسائل الفرعية الذي يجتهد في تقريبها إلى نصوص الكتاب والسنة يسلم بإذن الله. وأضاف قائلاً: الذي يبتعد عن هذا الجانب ومسلك الاقتراب من فهم النصوص في الكتاب والسنة قد يحصل منه الزلل في هذا وهو واقع لكثير من اللذين بحثوا في مواضيع الفضول و لكن سرعان ما يتبين لهم الأمر ويعودون، ولكن الذي يحكم بهذا هو الأقرب لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تطبيقاً وفهماً. التحري والتثبت واستطرد قائلاً: هناك آثار سلبية للزلات التي يقع فيها العلماء، منها أن الخطأ الذي يقع فيه العالم قد تزل به العامة، وذلك لأن العالم أمام الناس في محل ثقة وما يصدر عنه يؤخذ على أنه هو المقصود والمشروع في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لذلك يأخذ العامة الزلة نقلاً عن العالم، فمن نصَّب نفسه لأمر التدريس والتعليم والإفتاء عليه أن يتحرى في المسائل التي ينقلها وعليه أن يتأكد في بحثها وخاصة في مسائل الفروع، في مدى قربها ومواءمتها لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهم النصوص الشرعية من العلماء الكبار. وبين آل مسبل تأثير وسائل الإعلام على انتشار هذه الزلات بقوله: لم تعد زلات العلماء مثل ما كانت عليه في الماضي حيث كانت محصورة في بعض الكتابات وقد يطلع عليها البعض وتغيب عن الآخرين، فالآن أصبحت وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية والإنترنت متاحة وتنقلها لكثير من الناس، لهذا يجب التحرز في هذه المسائل كثيراً، ومن لاحظ شيئاً من ذلك عند أهل العلم - وأنا أوجه كلامي للعلماء المعتبرين الراسخين في العلم الذي أفنوا جل حياتهم في التعليم أن ينتبهوا لمثل ذلك وأن ينبهوا إليه بطريقة الأدب في الحوار أو النقاش الذي يجب أن يصحب العالم أيضاً وهذا معروف منذ عهد السلف إلى يومنا هذا، وقد صنف به إلى يومنا هذا بأدب المناظرة إذا كان الأمر يحتاج للمناظرة والبيان. وختم آل مسبل بالقول: لا يلزم أحداً العمل بأي زلة، ولدينا الدليل الناصع والواضح الذي نزن به الأمور كلها، وهو ما تركه نبينا محمد صلى الله عليه و سلم حيث قال: «تركتم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك»، فعلى الناس وخاصة طلبة العلم أن يزنوا هذه الأمور بميزان الكتاب والسنة ومن هنا يكون التعامل لأن الحق ظاهر وصريح ولا يعلى عليه. تحرير المصطلح من جانب آخر يوضح الدكتور خالد بن مفلح الحامد عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء أن زلات العلماء أمر عادي لا ينبغي تضخيمه، ويقول: العلماء بشر مثل غيرهم يقع منهم الخطأ، ولكن يجب في البداية أن نحرر المقصود بالعلماء، فقد اتسع هذا المصطلح في هذا العصر ليشمل الأديب والخطيب والمبتدئين في العلم الشرعي ممن لا يملكون رصيدا كافيا من العلم، أو ممن كان شيخه كتابه، ونحو هؤلاء من المثقفين في علوم الشريعة ثقافة عامة، فجميع هؤلاء ليسوا من علماء الشريعة عند الإطلاق، وإن كان لبعضهم جهود لا تنكر في الدعوة إلى الله. فالعالم هو الذي عرف بالعلم الشرعي سنين طويلة من حيث التلقي والبذل، وممن عرف بالزهد والعبادة وممن تميزوا في علمهم وتعليمهم بنهج النبوة المتمثل في تعليم الناس أركان الإسلام الخمسة خاصة ركن الشهادتين، ثم بقية أركان العبادة. فالخطأ من أمثال هؤلاء هو الذي يقال فيه أن صاحبه مأجور معفي عن خطئه، بخلاف غيرهم ممن لا يعد من علماء الشريعة كما في الأمثلة السابقة، فهؤلاء ليس لهم حق الفتوى، أو الاجتهاد في مسائل الشريعة، فإن فعلوا فهم موزورون غير مأجورين. وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه، وإنما يقبضه بموت العلماء، فإذا مات العلماء اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". ومضى الحامد قائلاً: الخطأ في الاجتهاد يقع من الصحابة وغيرهم ومن ذلك ما ثبت بإسناد صحيح عن عروة بن الزبير أنه قال لابن عباس رضي الله عنهما: "تأمر الناس بالعمرة في هؤلاء العشر وليس فيها عمرة؟ قال: أولا تسأل أمك عن ذلك؟ قال عروة: فإن أبا بكر وعمر لم يفعلا ذلك قال الرجل: من هاهنا هلكتم ما أرى الله عز وجل إلا سيعذبكم إني أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخبروني بأبي بكر وعمر قال عروة: إنهما والله كانا أعلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم منك فسكت". كذلك يقع الخطأ من العلماء التابعين وممن بعدهم كالأئمة الأربعة وغيرهم، على خلاف الدليل، ومع ذلك فإنه قد تواتر عنهم النهي عن اتباع أقوالهم وآرائهم المخالفة للسنة. رجوع العلماء وطالب الحامد بعدم تضخيم زلات العلماء، قائلاً: لا يجوز التترس بالخلاف بين العلماء وتتبع زلاتهم، وأضرب مثالا يوضح المقصود بتأمل المناظرة التي تمت بين الإمام عبد الله بن المبارك وبعض علماء الكوفة حيث كانوا يرون جواز شرب النبيذ، احتجاجا بقول ابن مسعود رضي الله عنه، قال ابن المبارك: فقلت للمحتج عنه في الرخصة: يا أحمق عد إن ابن مسعود لو كان هاهنا جالسا فقال هو لك حلال وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر، أو تجر، أو تخشى، فقال قائلهم: يا أبا عبد الرحمن فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام فقلت لهم: عدوا عند الاحتجاج تسمية الرجال فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن يكون منه زلة ألأحد أن يحتج بها؟ فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس، وجابر بن زيد وسعيد بن جبير، وعكرمة قالوا: كانوا خيارا، قلت: فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد فقالوا: حرام، فقال ابن المبارك: إن هؤلاء رأوه حلالا فماتوا وهم يأكلون الحرام. فبقوا وانقطعت حجتهم. وختم الحامد بالقول: العلماء الذين قد وصفت لك يرجعون إلى الحق إذا تبين لهم، ومن هنا تتغير فتاواهم، ولكن المصيبة هي في الأتباع المقلدين، فينطبق عليهم ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ويل للأتباع من عثرات العالم. قيل كيف ذاك؟ قال يقول العالم شيئاً برأيه ثم يجد من هو أعلم منه برسول الله صلى الله عليه وسلم فيترك قوله ذلك، ثم يمضي الأتباع. حق العالم وعلى ذات النسق يسير البروفيسور سليمان بن قاسم العيد رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية بجامعة الملك سعود قائلاً: علماؤنا في هذا البلد كالنجوم يهتدى بهم، سواء أكان في أمور الدين بشكل خاص أو أمور الدنيا بشكل عام، والحمد لله فإن العلماء يعالجون أمور الدنيا والله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه: "ما فرطنا في الكتاب من شيء"، ويقول: "وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ"، فإن كان نشر زلاتهم من أجل التقليل من شأنهم فهذا ليس به ضرر على العلماء وإنما ضرره على المجتمع بأسره لأنهم جزء منه. وأضاف العيد قائلاً: هؤلاء العلماء من البشر، فهم معرضون للأخطاء والزلات والخطأ وارد منهم، وأي إنسان لا يفضل أن تنشر أخطاءه فكيف إن كان صاحب مكانة وعلم، فمن حق العالم على نفسه وعلى الآخرين ألا تنشر أخطاؤه للعامة. أما من يملك حق الحكم على الفتوى بأنها زلة فهم العلماء الأكثر علماً. الأمر اجتهادي ومن جانبه يوضح الدكتور سعود الفنيسان مفهوم العالم بقوله: أولا قبل أن نحكم على زلات العالم لابد أن نُوضح من هو العالم؟ فالعالم هو من عرف الحكم بدليله، وكان مؤهلاً للاجتهاد ولقي قبولا لدى نظرائه وله تلاميذ يقتدون بعلمه، فهذا هو العالم فإذا انطلقنا من هذا المسمى، فإن ما يسمى بزلات العالم إنما هي وجهات نظر من عالم أو من ناظر آخر، فإن كان نقد الناقد أو نظر الناظر لقول هذا العالم الذي سماه زلة كان ذلك الناقد عالماً له أو في هذه القضية الاجتهادية، من أصاب فيها فله أجران، ومن أخطأ فيها فله أجر واحد، وإن كان المتحدث صاحب هوى أو ليس عالماً فهذا لا يصح أن ينظر في بحثه، ولا يُحسب بحثه ضمن زلات العلماء لأنه أصلاً لم يدخل في زمرة العلماء. ويُوضح الفنيسان الأسباب المؤدية إلى زلات العلماء بقوله: الأمر اجتهادي فإذا قلنا أن فلاناً عالم فهو مجتهد، فإذا سلمنا بأن العالم ليس معصوماً ويخطئ ولكن إذا كان هذا الخطأ عبارة عن تبيين عند جمهرة العلماء الآخرين فهنا سيكون له أثر عكسي على نفس العالم، وسيكون له أثر عكسي عند المتلقي وهم العامة من الناس، ومن ثم أعتقد أن تسميتها زلة فيها شيء من التشدد أو الجور على العالم، فإذا قلنا أنه لم يزل فحينها نقول إنه اجتهد واخطأ، لكن إذا كان له هوىً، والأصل أن يكون العالم ربانياً وأن لا يكون صاحب هوى، أو أن يتبع هواه، فإذا أخطأ في هذه الفتوى أو الحكم فهذه له حكم آخر. تصحيح الأخطاء وأكد الفنيسان أن زلة العالم ليست خطرة فقال: زلة العالم لا تسبب خطورة كبيرة، وإنما تسبب الزلة الخطورة الكبرى إن كانت من نصف متعلم أو عشر عالم، ولم أسمع حقيقة عن علماء معتبرين لهم زلات أضلت الناس أو صرفتهم، وإنما هي اجتهادات أصاب فيها العلماء أو أخطأوا وهم مأجورون على ذلك، وما من أحد إلا راد ومردود عليه إن اخطأ، أو كما نقول "زل" وإذا كان هذا الخطأ له أثر عكسي على السامعين وعلى العامة فإن هناك من العلماء المعاصرين من يتولى الرد عليه، وبالتالي تمحى زلته أو أثرها على الناس وعلى المُتلقين. ويسترسل الفنيسان فيقول: لا يحق لأحد أن يقول هذه زلة عالم إلا أن يكون عالماً مثله أو أعلم منه، ولا يصح لتلميذ أن يقول عن شيخه بأنه زلّ، ولا يصح للعامي ولا الكاتب -أي من عرف الكتابة أو الصحافة- أن يقول أن العالم الفلاني قد زلّ، فإن هو اخطأ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اجتهد الحاكم فله أجران وإذا اجتهد واخطأ فله أجر واحد" والحاكم متى أطلق يدخل فيه القاضي والمفتي، فالمفتي يرجح للمستفتي أحد الرأيين، وإن كان قاضياً فإنه يلزم أحد الخصميين بالحكم، فلا يجوز لآحاد الناس ولا لعامتهم أن يحكموا بأن قول فلان العالم -والعالم كما أشرت في بداية حديثي عن شروطه- فلا يجوز أن يقال هذه زلة العالم بل يُقال هذه زلة فلان ولا تنسب إليه كعالم وإنما تنسب إليه كشخص فقط إن كانت زلة كبيرة أو خطأً كبيراً. المراجعة الذاتية ويختم الفنيسان بالقول: مطلوب من العالم أن يراجع أحكامه، والرجوع إلى الحق فضيلة، وكل عالم من علماء السلف وإلى يومنا هذا كل مخلص نجد أن له مراجعات وقول أول ثم نجد أنه رجع عنه إلى القول الثاني، فهذا ليس لنا أن نضعه في المجامع العلمية أو الفقهية أو بوضع ضوابط لزلات العلماء لأن المجامع عبارة عن مجموعة من العلماء أنفسهم، يختلفون فيما بينهم أن هذا زلة أو ليس بزلة، فهم هنا مجتهدون، ولذا أرى بأن الزلات لا تحتاج إلى مجامع فقهية بل يتعين على العالم أن يراجع أحكامه وفتاواه، فما كان منها صواباً يبقي عليه، وما كان منها خطأ يرجع عنه إلى الصواب، وأؤكد مرة أخرى على تعريف العالم، فلا يتسمى بالعلم وهو في أول الدرجات وفي مقتبل عمره وحفظ 100 أو عشرة أحاديث أو أقل أو أكثر وأصبح ظاهريا وأصبح يفتي لأنه سمع بهذه الأحاديث والآثار فهذا ليس بعالم. توقير العلماء وبدوره يري الدكتور عبد الفتاح الشيخ رئيس جامعة الأزهر الأسبق أن بعض العلماء يقع في خطأ نتيجة سوء الاستدلال ولكن يجب أن نفرق أولاً بين فتاوى العلماء المختصين والدارسين وعلماء الأمة ومن يفتي بغير علم، ويقول: إذا كان الحديث عن زلات العلماء فيجب أن ينحسر الأمر في علماء الأمة وفقهائها المختصين الدارسين والمؤهلين للفتوى وليس في كل من هب ودب وتحدث عن فتاوى ضالة سواء كان متشددا في فهم الإسلام أو متساهلا فيه. والأمر الآخر أنه لا يجوز تطاول البعض على العلماء لمجرد أن يكون الْعَالِم قد أفتى بما لا يوافق فكرًا ومذهبًا ما، أو أفتى بغير المشهور فيه، أو أنه قد أخطأ في اجتهاده، فهنا لا ينبغي الانتقاص من مكانة العالم نتيجة لذلك أو الحجر عليه ومنعه من الإفتاء فذلك يخالف ما كان يحدث في عصر الصحابة رضي الله عنهم. وقال الشيخ إن أهل الاجتهاد هم من يحكم على الفتوى بأنها زَلَّة للْعَالِم وهم العلماء والفقهاء المستوفون لشروط الفتوى، ويقول: هذا أمر لا يمكن للعوام الخوض فيه لأنهم ليسوا أهل اختصاص وليست تلك صناعتهم. هناك ضوابط مسبقة تحدد كيف تكون الزلات وكيف يكون الحديث عنها. زلة العالم ما هي إلا فتوى تنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو تخرج على نص أو قول صحيح للرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم يجب أن يراجع العالم نفسه وفق أصول التشريع وهل خالف بفتواه أمرا معلوما ومثبتا في القران والسنة وبالتأكيد فان العالم المتبحر في العلم والذي يخشى الله قولا وفعلا لابد انه سيراجع نفسه مخافة الله عز وجل. الخصومة المذهبية ويضرب الدكتور عبد المعطي بيومي أمثلة لبعض زلات العلماء والتي يرى انها قد تخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة مثل الاختلاف في تحديد فوائد البنوك وصحة صرف أموال الزكاة إلى المشاريع العامة، كبناء المستشفيات والقناطر. وأن من كان غنياً وأفطر في رمضان فإنه لا كفارة في إفطاره إلا صوم شهرين متتابعين مراعاة للمصلحة، لأن المقصود من الكفارة الزجر، ولا يرتدع إلا بالصوم، أما الاعتاق فأمره هين سهل عليه، فيستطيع أن يعتق مائة رقبة ولا يرتدع. وقال: هناك الكثير من الزلات التي يقع فيها بعض العلماء نتيجة سرعة وتيرة الحياة واختلاط الثقافات وتداخلها وتسهيل البعض لأمور الدين على حساب ثوابت الشريعة ولكن في المقابل فان الاجتهاد مطلوب وجرأة العالم مطلوبة لمواكبة التطور، ولا يجب أن يعتبر مخالفاً من خالف رأياً في مذهب من المذاهب لان الخلافات كلها في فروع الدين وليس أصوله ومن المحمود أن يكون هناك مجتهدون في الشريعة فمن أصاب فله اجر ومن اخطأ فله أجران وهذا تشجيع على إعمال العقل حين الوقوف أمام النص. وينتقد الدكتور عبد المعطي بيومي ما يسمى بالخصومة المذهبية مؤكدا على أن المسلمين جميعهم يلتقون عند الأصول، ويقول: الاختلاف بين العلماء رحمة ومن واجب العالم إذا اخطأ أن يراجع نفسه، أما إذا اجتهد وهو على علم بالأصول فإنه يضيف باجتهاده ولا يجب أن يتحيز العلماء لمذهب دون غيره فهذه أمور غاية في الخطورة لان البعض يرى في مذهبه الأصح وما دونه غير ذلك ولكن ما يتطلبه العصر ضرورة الاجتهاد والتوسع فيه لمواكبة مستجدات الحياة ومطالبها شريطة أن يفتي بعلم ومعرفة وعلى قاعدة المعلوم من الدين بالضرورة حتى لا يقع العلماء في الزلات لان خطورتها تتجلى في تجاوز فتواه إلى المستفتي الذي يأخذها ويعمل بها وربما ينشرها في البلاد كأن تكون الفتوى قد سبق بثها على الهواء مباشرة قبل فترة من الزمن في إحدى المحطات الفضائية، ثم يعاد بثها مرة أخرى، فيأخذ بها العوام على اعتبار أنها فتوى حديثة، مع وجود احتمالية أن يكون المفتي قد رجع عنها؛ وكأن تكون الفتوى بنيت على مصلحة فتغيرت تبعاً لتغير المصلحة، أو غير ذلك من موانع الأخذ بالفتوى. ومن جانبه استنكر الدكتور محمد بن يحيى النجيمي الخبير بمجمع الفقه الاسلامي الدولي والاستاذ بكلية الملك فهد الامنية المماحكات والمساجلات التي تحدث بين بعض طلبة العلم والمشايخ ، وقال: للاسف ان بعضهم لا هم له الا تتبع زلات وعورات البعض الاخر ، والخوض في بعضهم البعض ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يا معشر من آمن بلسانه ولما يدخل الايمان في جوفه لا تؤذوا الناس ولا تعيروهم ولا تتبغوا عوراتهم ، فان من تتبع عورة اخيه تتبع الله عورته ، ومن تتبع عورته فضحه ولو في جوف رحله" او كما قال صلى الله عليه وسلم. وحذر الدكتور النجيمي من تصنيف الناس والدعاة والمشايخ والهمز واللمز بهم ، بالزعم ان هذا شيخ سلفي ، وهذا اخواني ، وثالث جامي، مؤكدا ان هذا تضييع للدين ، وتنابذ بالالقاب والصفات ، والقاء التهم جزافا ، فالاصل في الداعية ان يمسك لسانه ، ولا يقول الا خيرا او ليصمت ، ولا يجوز بأي حال من الاحوال ان يتتبع المسلم عورة اخيه ، فما بالنا بالدعاة والمشايخ . ووصف الشيخ النجيمي الدعاة الذين يخوضون في التصنيف بانهم يريدون ان يحجزوا لهم موقعا في السفينة ، لانهم خارج سفينة الدعوة اصلا ، وليس لهم حضور الا بتصنيف الناس ، والتفريق بينهم ، واشاعة الفرقة ، والتنابذ بالالقاب ، وهؤلاء آفة من آفات الدعوة ، وانهم لم يمتثلوا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي قال فيه " اني لم اؤمر بالتنقيب في قلوب الناس أو شق بطونهم.