كم هي مأساة موجعة أن تكتشف بعد فترة طويلة من الزمن أن المكان الذي تشكلت فيه ملامحك الأولى، وأمضيت في خمائله دهشة البدايات المورقة، وأمضيت في جنباته رحلة الحياة إلى منتصف العمر قد أصبح محرما عليك.. كم هي مأساة موجعة أن تصبح تلك الأرض التي تمثل الهوية الخاصة، والتي أقمت معها علاقة حب خاصة وهي أرضك الوحيدة.. وأرضك اليتيمة! تصبح محرمة عليك وتصبح أرضا طاردة.. تنهرك بحجة التحريم!! إنني أتحدث هنا عن الحجر (مدائن صالح) تلك التي تم اعتمادها في قائمة التراث العالمي لليونسكو؛ نظرا لما تمتلكه من آثار مهولة وقصور نبطية فريدة.. لم تكن الحجر في يوم ما تتساءل أو تناقش أو تجادل في مسألة التحريم، ولم تكن مطروحة قبل العام 1392ه عندما صدرت الفتوى من العلماء في المملكة آنذاك، والتي نصت على عدم الإحياء والسكن في منطقة مدائن صالح.. استنادا لاجتهادات بعض المفسرين للأحاديث النبوية الشريفة، والحقيقة أنه ليس ثمة أحد يجزم ويؤكد أين وقع العذاب بقوم صالح؟ وهل تلك الأرض هي أرض الثموديين؟؟، يقول الدكتور فرج الله أحمد يوسف في تصريح نشر له في إحدى الصحف: «إن كل الواجهات المنحوتة في الحجر هي مقابر نبطية وأقدم تأريخ لواجهة منحوتة بها يعود لسنة 100 قبل الميلاد، وليس لهذه الواجهات المنحوتة أي صلة بقوم ثمود الذين ينسبون للنبي صالح ممن حل عليهم العذاب». ويضيف بقوله «من خلال الحفريات التي تمت للبحث عن المنطقة السكنية للأنباط الذين بقيت قبورهم في الجبال لم نعثر على أي نقش أو كلمة واحدة تقصد ثمود، وتثبت على الأقل أن الثموديين سكنوا هذه المنطقة، وكل ما عثر عليه هو نقوش وكتابات لحيانية ونبطية، بينما تم العثور على كلمة ثمود واحدة في جنوب منطقة تبوك وليس في العلا»، وهذا رأي علمي مهم جدا للغاية، ويثير الكثير من التساؤلات، ويجعل إعادة النظر في تلك الفتوى ضرورة ملحة الآن، ويطالب الرأي الديني بالاستناد إلى رأي علمي متخصص في الآثار، ويضاف إلى رأي الدكتور فرج الله أحمد يوسف آراء علمية أخرى لعلماء آثار أيضا وتؤيد هذا الرأي العلمي. ويؤكد الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري، في تصريح معروف له، أن مدائن صالح في أساسها لم تنسب للنبي صالح، وإنما لرجل اسمه صالح من بني العباس بن عبدالمطلب نسبت إليه في القرن الثامن الهجري، ومجمل القول إن المسألة لا تزال في إطار البحث والمراجعة، وأخيرا جاء حديث واضح لرئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان بقوله إن عضو هيئه كبار العلماء الشيخ عبدالله بن منيع أبلغه أنه زار مدائن صالح والعلا مع اللجنة الدائمة للإفتاء، لتحديد موقع مدائن صالح، وأنه حث على فتحها للناس لتكون مصدر رزق للفقراء منهم، مبديا استعداده للذهاب مع وفد السياحة لتحديد المواقع التي تم الوقوف عليها. ولعلي هنا أشيد بالمتابعة المستمرة للكاتبة حليمة مظفر، والتي تناولت الحجر مدائن صالح بالكثير من الطرح والاهتمام، وكان آخر مقال لها بعنوان (تحريك الفتوى لفتح مدائن صالح). وأخيرا، إنني على يقين بأن مدائن صالح ستكون أكثر حراكا بعد إعادة النظر في وضعها ومكانتها من جديد، وهي التي كانت حائرة بين رأيين. [email protected]