تحدثنا الأسبوع الماضي عن المجهودات الكبرى التي تبذلها المملكة في خدمة ضيوف الرحمن بهدف تيسير أداء مناسك «الركن الخامس» لأكثر من أربعة ملايين حاج، ولأن العمل البشري لا بد أن يعتريه بعض القصور ذكرنا مجموعة من الملاحظات سجلت على حج هذا العام، منها الافتراش، نظافة المشاعر، دورات المياه ومكيفات مخيمات منى. ونكمل بما يلي من ملاحظات: خامسا: تفويج قطار المشاعر؛ شخصيا، أعتقد أن مشروع «قطار المشاعر» انهضم حقه إعلاميا إلى حد ما، فالمشروع جيد ولم يكن فاشلا هذا العام كما روج البعض. ولكن المشكلة هي «التفويج» لركوب القطار. فمن المستحيل أن يركب 600 ألف حاج القطار في وقت واحد، لذلك، لا بد من تحديد أوقات محددة لكل مؤسسة حجاج داخل ولكل مكتب طوافة. وما رأيناه هذا العام لم يكن أمرا سارا، إذ شاهدنا أمواجا بشرية تحتشد صبيحة يوم عرفة في محطات منى، ومن ثم وقعت الطامة الكبرى أثناء النفرة بعد مغرب يوم عرفة في الاتجاه إلى مزدلفة، إذ وقف البعض ما يقارب ست ساعات في محطة عرفة، الأمر الذي أدى إلى تدافع وإصابات. وقد تسببت صعوبة نفرة الحجاج من عرفة إلى مزدلفة في فقدان بعض الحجاج فرصة المبيت في مزدلفة، بعد أن اتجهوا مباشرة إلى منى بعد فوات الوقت الشرعي للمبيت. سادسا: التفويج والنفرة؛ عدم التزام بعض المؤسسات والشركات بخطط التفويج ساهم في بروز مشاكل حقيقية شوهت جمال لوحة الحج التي رسمها رجال مخلصون بجهدهم وعرقهم وتفانيهم. ولا بد في الأعوام المقبلة من توقيع عقوبات وغرامات رادعة لكل مؤسسة أو شركة أو مكتب لا يلتزم بالتفويج وخططه ومواعيده. ولا بد أن تعتمد خطط للتفويج في كل خطوات الحج ومراحله، بدءا من التصعيد إلى عرفة وحتى الذهاب إلى طواف الوداع في الحرم المكي، مرورا برمي الجمرات والنفرة من عرفة إلى مزدلفة، ومنها إلى «جمرة العقبة». وعلى الجميع الالتزام بالتفويج والمواعيد والتمسك بالخطط في كل الخطوات ومن لا يلتزم يعاقب. سابعا: المطاف؛ أصبح «صحن المطاف» في الحرم المكي ضيقا جدا ولا يحتمل الأعداد الحاشدة التي تطوف به طواف القدوم وطواف العمرة للمتمتع والقارن وطواف الإفاضة وطواف الوداع، أربعة أنواع مختلفة للطواف يقوم بها أربعة ملايين حاج في وقت قصير. وقد علمنا بقرب البدء في مشروع المطاف الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين، وحينها سيصبح المطاف مثل المسعى في خانة نجاحات الحج الباهرة، بدلا من وقوعه في القائمة القصيرة لسلبيات الحج. ونتمنى أن يكون المطاف ثلاثة أدوار دائرية الشكل واحدة منها تخصص لعربات كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، مع مسارات خاصة للدخول والخروج بسلاسة. ثامنا: مطار جدة؛ الفوضى التي نشاهدها كل عام في مطار جدة تعود بشكل رئيسي إلى أن هذا المطار انتهى عمره الافتراضي، وبات كسيحا غير قادر على القيام بمهام استقبال وتوديع الحجيج سنويا. ونحن سعداء حاليا بمشاهدة خطوات إنشاء وتطوير توسعة مطار جدة الشاملة، ونتمنى أن يطال هذا التطوير الصالة الخاصة بالحجاج وعزل حركة سفر الحجيج عن المسافرين في إجازة الحج؛ لأن اختلاط الفئتين في نفس الصالات يسبب إرباكا شديدا في هذا الموسم وضياع للحقائب والممتلكات، كما نتمنى أن تختفي ظاهرة مبيت الحجاج في صالات المطار وتخصص لهم أماكن للاستراحة مع إلزام شركاتهم ومؤسساتهم بتفويجهم قبل الرحلات بوقت مناسب. تاسعا: فقه الحج؛ تغير الزمن، وازداد عدد الحجاج بشكل كبير، وأصبح لزاما على علماء الأمة الإسلامية تطبيق مبادئ فقه الواقع والقياس استنادا للقرآن والسنة النبوية بهدف التيسير على ضيوف الرحمن مع التأكيد على المرافقين للبعثات والمكاتب ومؤسسات حجاج الداخل بالأخذ بالفتاوى الميسرة للنسك، مثل فتوى رمي الجمرات قبل الزوال والتي لا يزال البعض من مرافقي البعثات يرفضها ويصر على التأكيد على الحجاج بالرمي بعد الزوال وحتى المغرب فقط. وقد شاهدنا هذا العام يوم الثاني عشر سيلا جارفا من الرامين على جسر الجمرات بعد الزوال، ولولا لطف الله، ثم الإبداع الهندسي لجسر الجمرات واتساع حجمه لشاهدنا ما لا تحمد عقباه. والسبب هو الإصرار على عدم الأخذ بمبادئ فقه الواقع والتيسير على المسلمين. كذلك نتمنى أن نرى حلولا مستندة للفقه الشرعي السمح تتيح فرصة الاستفادة من مساحة مشعر منى الضيقة. عاشرا: مؤسسات الطوافة؛ من المؤكد أن ملف مؤسسات الطوافة من أعقد الملفات الموضوعة على طاولة وزير الحج الدكتور بندر الحجار، وقد علمنا عن قرب صدور لائحة مؤسسات الطوافة الجديدة ونتمنى أن تراعي هذه اللائحة رفع عائدات المؤسسات المالية التي تتقاضاها على الحجاج ولم تتغير منذ 35 عاما، الأمر الذي أدى إلى ضعف الخدمات المقدمة من المؤسسات؛ بسبب ضعف العوائد التي لا تتجاوز 48 ريالا عن كل حاج..! وما هي الخدمة التي من الممكن تقديمها مقابل هذا المبلغ الزهيد؟. Twitter: @hishamkaaki