تعجب رئيس حملة حج من فتويين مختلفتين سمعهما من نفس المفتي حول مسألة واحدة، ومصدر حيرته أن الفتوى الأولى كانت أكثر تيسيرا من الثانية، علما بأن أعداد الحجاج زادت ولم تقل، ففي حين أفتى الرجل قبل أربع سنوات بجواز رمي الجمرات في أي وقت وعدم التقيد بوقت معين، لكن رأيه اختلف في العام الماضي، عندما أفتى بعدم جواز الرمي إلا بعد الزوال في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، فتساءل عن سبب تراجع بعض الدعاة والمفتين عن آرائهم السابقة فجاءه الجواب أن مشروع جسر الجمرات الجديد ومشروع قطار المشاعر قد حل إشكالية الرمي فزالت الحاجة لفتوى الرمي في أي وقت. هذه المشكلة بدأت تطفو على سطح منذ حادثة جسر الجمرات التي حصلت في عام 1326ه، فالأسئلة تدور حول التراجع من قبل بعض العلماء والدعاة عن فتاوى التيسير بسبب المشاريع الجديدة ومن أبرزها فتوى الرمي في أي وقت. فمبرر البعض أن الحاجة لهذه الرخصة قد زالت بتشييد جسر الجمرات الجديد، أما الفريق الآخر فيرون أن الحاجة لفتاوى التيسير مازالت قائمة، خصوصا أن أعداد الحجيج في ازدياد مستمر والمشاعر المقدسة صغيرة ضيقة المساحات لاتستوعب الأعداد المتزايدة من الحجيج، مما يعني أن الرجوع إلى الفتاوى القديمة لم يعد له حاجة. هذا إذا وضعنا في الاعتبار أنه في حالة زيادة استعابية جسر الجمرات الذي يصل لقرابة 400 ألف رامٍ في الساعة في الوقت الذي لا يزيد استعابية صحن الطواف لمائة وثلاثين ألف شخص وفق ما أوضحة عميد معهد أبحاث خادم الحرمين الشريفين الدكتور عبد العزيز سروجي، الذي بين أن تقييد الحجاج بالرمي بعد الزوال يؤدي لمشكلة كبير في الحرم بما يشكل عجر 270 ألف حاج في الساعة الواحدة، مما يعني أن الحاجة لتوضيح الرؤية الفقهية في هذه المسألة قائم. ويبقى السؤال مشرعا هل تعلق المشاريع الجديدة في المشاعر فتاوى التيسير في الحج؟! وماهو موقف الدعاة والمفتين المنتشرين في المشاعر من هذه المسألة؟ وكيف تتعامل بعثات الحج ومؤسسات الطوافة والجهات المشغلة في الحج مع اختلاف الرؤى الفقهية بسبب هذه المشاريع. «عكاظ» وضعت القضية على طاولة النقاش واستجلت آراء بعثات الحج والمطوفين والجهات التشغيلية عن مدى الحاجة لفتاوى التيسير، خصوصا أنهم يقيمون الأمر من الناحية العملية، وواجهت العلماء متسائلة عن مدى ارتباط فتاوى التيسير بالمشاريع الجديدة؟ وهل هي مبرر كاف للعودة عن فتوى التيسير؟! وواجهت الشؤون الإسلامية بتوعية دعاتها ومفتيها بالتعامل مع هذه القضايا في سياق السطور التالية: بداية يؤكد رؤساء بعثات عدد من الدول الإسلامية، أن الحاجة لفتاوى التيسير لابد أن تكون قائمة ويجب أن لاترتبط بالمشاريع الجديدة؛ لأن هناك أعدادا مضطردة من الحجاج عاما بعد عام، مبدين تذمرمهم من بعض المفتين المنتشرين في المشاعر والذين يتسببون في التشويش على الحجاج بإعطائهم آراء فقهية مختلفة عما أفتاه به مشايخ البعثات والمرشدين الدينيين فيها. حيث أكد وزير الأوقاف والإرشاد في الجمهورية اليمنية الدكتور حمود بن عباد، على أن فتاوى التيسير يجب أن تظل قائمة في الحج، خصوصا أن المنهج النبوي يدعو لذلك مستشهدا بفعل الرسول في حجة الوداع، حيث كان لا يسأل عن مسألة في الحج إلا ويقول «افعل ولاحرج». وأضاف «نحن في أشد الحاجة لفتاوى التيسر في ظل الازدحام الشديد الذي يشهده الحج الذي يصل سنويا إلى أربعة ملايين حاج». وتذمر بن عباد من بعض الدعاة في المشاعر، حيث يفتون بأخذ الأحرص دون النظر إلى ما افتى به مرشدو البعثات، والتي أخذت في الاعتبار في خطط التفويج لجسر الجمرات. مشيرا إلى أن بعض الحجاج يتمسكون بهذه الفتاوى التي تتعارض مع التيسير ويتسببون في التشويش على الحجاج، مبينا أنهم شددوا على الحجاج بضرورة الأخذ بتوجيهات المرشدين الدينيين وروساء البعثات فيما يتعلق بالتفويج لجسر الجمرات وباقي خطط الحج الموقعة مع الوزارة ومؤسسات الطوافة. ولفت بن عباد إلى أنهم أكدوا على مفتو البعثات بضرورة التيسير على الحجاج، رافضا أن تكون المشاريع الجديدة سببا في تعليف فتاوى التيسير، مؤكدا أن فتاوى التيسير ستظل قائمة حرصا على سلامة الأبدان ونجاح أداء الفريضة دون حوداث أو الإضرار بأحد. سلامة الحجيج واتفق رئيس البعثة المصرية مساعد وزير الداخلية اللواء الدكتور صلاح جمعة مع رأي بن عباد، بأن فتاوى التيسير لا تعلق بسبب المشاريع الجديد، وذهب إلى ما أشار إليه بن عباد عندما أبدى تذمره من بعض الدعاة في الأكشاك المنتشرة في المشاعر والتي تشوش على الحجاج عندما يسمعون فتاوى تتعارض مع الفتاوى التي سمعوها من مفتي البعثات، مرجعا ذلك لحرص الحاج على سلامة حجه، ولكن ذلك لا يكون بالتشديد على الحجاج، مطالبا دعاة الأكشاك بالإشارة للحجاج بالإكتفاء بما أفتى به مرشدوهم الدينيين حتى لايشوشوا عليهم. وبين جمعة أنهم يستقطبون سنويا علماء ومفتين من الأزهر الشريف لمرافقة البعثات في الحج وتوعية الحجاج بطريقة حجهم وفق مبدأ التيسير والخطط الموقعة مع مؤسسات الطوافة، مؤكدا أن بعض الفتاوى تخالف هذه الخطط خصوصا فيما يتعلق برمي الجمرات في أي وقت. وأشار جمعة إلى أنهم يحرصون على توعية الحجاج دينيا بكل الطرق الممكنة، وذلك عبر التلفزيون والإذاعة المصرية قبل حضور الحجاج، وكذلك الدورس والمحاضرات أثناء وجود الحجاج في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وخلص جمعة إلى أن هناك دعوات للفقهاء والعلماء بضرورة التيسير على الحجاج وعدم ربطهم برأي فقهي واحد، مؤكدا على أنه لا يمكن لأي مشروع إلغاء فتاوى التيسير في الحج. وينفى الداعية في وزارة الشؤون الإسلامية عضو لجنة التوعية في الحج الدكتور عزام الشويعر تهمة التشويش على الحجاج من قبل الأكشاك، مبينا أن الدعاة لا يلزمون الناس برأي فقهي واحد، ويرشدون الحجاج بالأخذ بفتاوى علمائهم. فقهاء البلد ويخالف رئيس البعثة المغربية الدكتور أحمد القسطاس رأيي بن عباد وجمعة، عندما أشار إلى ضرورة السير على ما يشير إليه علماء المملكة حتى ولو كان ذلك بالتراجع عن بعض الفتاوى، معللا رأيه بأن الحاج يجب أن يتبع رأي فقهاء البلد الذي يحج فيه وهو المملكة، مشيرا إلى أن غالبية علماء المملكة يتعبون منهج التيسير في فتاويهم. لكن القسطاس، يشير إلى أن الفتوى يجب أن لاتلحق الأذى بالحج من خلال التشديد عليه، مبينا أن التنظيم الجديد لجسر الجمرات مع خطط التفويج قد حلت كثير من الإشكاليات، موضحا أن الحجاج المغاربة يحرصون على الرمي بعد الزوال، كما يفتي كثير من علماء المملكة، وأن بقاء الحجاج للمبيت في اليوم الثالث يحل هذه الإشكالية، لكن القسطاس يرى أن المشاريع الجديدة لاتلغى فتاوى التيسير، بل إن فتاوى التيسير قائمة وهناك آراء فقهية عدة ترفع الحرج، مبينا أن مفتوا البعثات يراعون اختلاف الرؤى الفقهية ويختارون الأكثر يسرا للحاج. وهنا يبين وزير الحج الدكتور فؤاد بن عبد السلام الفارسي، أن وزارة الحج بالتعاون مع مؤسسات الطوافة أكدت على بعثات الحج ضمن المحاضرة الموقعة بين الطرفين بضرورة الإلتزام بخطط التفويج لجسر الجمرات مع البعثات، وما يفتوه به علمائهم، مبينا أن بعض فقهاء الدول يرون أنه يجوز رمي الجمرات في أي وقت، وبناء على ذلك تبنى خطط التفويج، مطالبا العلماء بضرورة التيسير على الحجاج، مشيرا إلى فتاوى التيسير ستظل القائمة ولن تعلقها المشاريع الجديدة. الحاجة قائمة وهو ما أكد عليه وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية الدكتور حبيب زين العابدين، بأن الحاجة لفتاوى التيسير قائمة ولا تنتفي بإقامة المشاريع الجديدة في المشاعر. واستشهد زين العابدين بمشروع جسر الجمرات، مبينا أن المشروع يستوعب قرابة أربعمائة ألف رامٍ في الساعة الواحدة مما حل كثيرا من الإشكاليات، واستدرك زين العابدين «لكن المشكلة تكمن في توجه هذه الحشود الكبيرة في وقت واحد نحو الحرم المكي مما يسبب تزاحما كبيرا بين الحجيج قد يحدث أزمة جديدة واختناقات، لذلك مازلنا نؤكد على ضرورة التوسع في موضوع فتاوى رمي الجمرات حفاظا على أمن وسلامة الحجيج». ودعا زين العابدين العلماء بتيسير موضوع رمي الجمرات قبل الزوال بالاعتماد على بعض الفتاوي القديمة، مثل رأي أبوحنيفة وغيره من العلماء، معللا رأيه بأن هذه الفتوى سوف تساعد الحجاج كثيرا وستخفف الزحام في المنطقة المركزية، وشدد زين العابدين على أنه مهما زادت سعة الجسر، فإن الحجاج في ازدياد بوصولهم إلى أكثر من ثلاثة ملايين. وأشار زين العابدين إلى أن موضوع الفتوى بات مهما جدا؛ لأنه يساهم في حفظ وأمن وسلامة الحجاج من خلال التيسر فيه، ولفت زين العابدين إلى أن الدولة بذلت جهودا كبيرة في بناء هذا الجسر لرفع المشقة على الحجاج، داعيا إلى تظافر رأي علماء الدين في هذا الموضوع من خلال التيسير في الفتاوى، معتبرا أن ذلك أحد سمات الدين الإسلامي الحنيف لضمان حفظ أرواح الحجاج وهو المطلب الأول للجميع. منع التكدس واتفق رأي قائد أمن المنشآت في الحج اللواء سعد الخليوي مع رأي زين العابدين، في أن الحاجة لفتاوى التيسير قائمة ولا تلغيها المشاريع الجديدة، مشددا على المشكلة التي يعانون منها جراء رمي الحجاج في وقت واحد يوم الثاني عشر تتجلى في المنطقة المركزية في الحرم المكي الشريف، مؤكدا على أن جسر الجمرات حل إشكالية الاستيعابية للأعداد الكبيرة، واستدرك «لكن مشكلة الاستيعابية في الحرم المكي بحاجة لحلول، ومنها بقاء الحجاج في منى وعدم التعجل أو الذهاب لبيوتهم في مكة والتيسير على الحجاج بالرمي في أي وقت ما أمكن ذلك، مطالبا العلماء بضرورة التيسير على الحجاج، مشيرا إلى أن فتاوى التيسير تساهم في منع التكدس وحماية الحجيج. لكن المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور خالد المرغلاني كان له رأي آخر، مبينا أن العلماء بحاجة لئن يوضح لهم الصورة الكاملة حتى يتم التعامل مع الفتوى والاجتهادات فيها وفق المعطيات الجديدة. وانطلق المرغلاني من تجربة له على أرض الواقع، عندما تحدث مع عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي الدكتور عبد الله المطلق، حول مسألة الترخيص للحجاج باستخدام البطانيات في أيام البرد الشديد الذي مر خلال عدة مواسم قبل سنوات. مشيرا إلى تواجب كبير من قبل العلماء مع المسؤولين في حال إيضاح الصورة الكاملة لهم، مبينا أن بعض الفتاوى لاتعدو اجتهادات فردية من قبل البضع؛ لأن الغالبية العظمى من العلماء داخل وخارج المملكة يتعمدون على مبدأ التيسير لحماية الحجاج. مشددا على الحاجة لمزيد من فتاوى التيسير لازدياد أعداد الحجيج، ولفت المرغلاني إلى نسبة الإقبال على 16 مركزا صحيا حول جسر الجمرات الجديد في العام الماضي لم يتجاوز 50 في المائة بسبب قلة حالات الاجهاد والازدحام في الجسر الجديد، وكان للرخصة أثر في ذلك، وأكد المرغلاني على ضرورة التنسيق بين الجهات العاملة في الحج مع العلماء ودعاة وزارة الشؤون الإسلامية؛ لإيضاح الصورة كاملة حتى تخرج الفتوى متوائمة مع الخطط وتراعي أمن وسلامة الحجاج. الجهات البحثية واتفقت آراء الجهات التشغيلية مع آراء الجهات البحثية بضرورة التيسير في الحج، وأن تعليق الفتاوى في الحج بسبب المشاريع الجديدة أمر غير مجدٍ وهو ما أشار إليه أمين العاصمة المقدسة والعميد الأسبق لعميد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج الدكتور أسامة البار، مبينا أنه كلما طالت الفترة الزمنية كان التشغيل أفضل للمنشأة وتفتت الحشود بخلاف حصرها في زمن معين، مشيرا إلى أن إطالة الزمن تساهم في إنسيابية أفضل، وهو ما أكدت عليه الدراسات والأبحاث، واستدرك البار قائلا «هذا الكلام ينطبق على رمي الجمار والطواف والسعي، فلكما أطلنا الفترة الزمنية ساهمنا في تخفيف الزحام على الجمار وعلى الطواف والسعي؛ لذلك فنحن بحاجة لاستخدم الرخص وفتاوى التيسير في الحج». ولفت البار إلى أن معظم الحجاج القادمين يتبعون مذاهبهم، وهناك اختلاف بين المذاهب في التعاطي مع قضايا الحج، وهذا الاختلاف يمثل رحمة للحجاج. وعاد البار ليؤكد، أن المعهد درس مثل هذه المسألة من جانب ميداني وأثبتت هذه الدراسات أننا بحاجة لفتاوى التيسير، خصوصا أن الدين يسر وهنا مذاهب تجيز بعض الأمور ومذاهب أخرى ترفضها، موضحا أن الدراسات تحسب أتباع المذاهب ونسبتهم ومدى التزامهم بمذاهبهم عند أي دراسة؛ لأنها توضح حجم الحشود، فلا يمكن أن تهمل الدراسات للمشاريع مسألة الفتوى في شعيرة الحج. منطق عملي لكن عميد معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج الدكتور عبد العزيز سروجي، أشار إلى أنهم لايتدخلون في قضايا الفتوى، فهي لها أهلها كهيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية، مبينا أن المعهد يبحث عن القضية من منطق إدارة الحشود، موضحا أن استيعابية جسر الجمرات الجديد تصل إلى 400 ألف رامٍ في الساعة، والقطار ينقل 70 ألف حاج في الساعة، فلو رموا بعد الزوال وذهبوا للحرم فإنه سيصاحبه تكدس كبير في صحن الطواف الذي لاتزيد طاقته الاستيعابية على 130 ألف طائف في حال تنفيذ التوسعة، وهذا يعني وجود عجز يصل إلى 270 ألف حاج، وهو ماسوف يحدث مشكلات كبيرة. وبين سروجي أن الحلول الهندسية وحدها غير كافية فلابد أن يصاحبها حلول أخرى؛ لأن المسألة تكاملية، مفيدا أن ضرورة أن يوجد إدارة جيدة للحشود ووضع نظام لايسمح بالتكدس، ولفت، سروجي إلى أن جسر الجمرات كله مخصص للرمي بينما من يقصد الحرم المكي يوم 12 يريد الطواف والطاقة الاستعابية محدودة جدا، وحتى لاتحدث مشكلات لابد من الاستعانة بحلول أخرى، ومن ذلك سعة الإسلام واختلاف المذاهب والرؤى الفقهية في الحج؛ لذلك فالحاجة قائمة لفتاوى التيسير ولن تلغي المشاريع الجديدة هذه الفتاوى من منظور عملي وميداني وبحثي، مؤكدا على أن فتوى الرمي في أي وقت ستساهم في إدارة الحشود عندما يوزع الحجاج على مساحة زمنية أكبر، وشدد سروجي على أن الحلول الهندسية لابد أن تصاحبها رخص تيسر على الحجاج، وتساهم في نجاح الحلول الهندسية، مؤكدا على أن العملية تكاملية وطالب العلماء بضرورة بحث هذه المسألة والتحفيف على الحجاج. رأي العلماء وفي الوقت الذي رمى المسؤولون الكرة في ملعب العلماء والفقهاء تباينت آراؤهم بين مؤيد لتعليق الفتاوى بوجود المشاريع الجديدة متى زالت المشقة، وقسم آخر يرى أن فتاوى التيسير يجب أن تظل قائمة ولاتلغيها المشاريع الجديدة ولاغيرها. حيث تبنى عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع وجهة النظر القائلة بتعليق الرخصة مادام انتفت الحاجة لها، وهو ماحصل في فتوى الرمي بعد اكتمال جسر الجمرات الجديد قائلا «فتاوى التيسير مبنية على وجود مقتضى، فإذا انتفى أمر اقتضاء التيسير فيجب الاحتياط للعبادة». وأضاف «الفتوى مرتبطة برفع المشقة، فإذا وسع جسر الجمرات وفي نفس الوقت زاد عدد الحجاج على عشرة ملايين مثلا لبقي الإشكال واحتجنا للأخذ بالفتوى التيسيرية لرفع المشقة عن الحجاج؛ لذلك فالمسألة بحاجة لإثبات على ذلك» مضيفا «الدين الإسلامي هو دين اليسر والسماحة، قال تعالى (ماجعل الله عليكم في الدين من حرج)، وقال سبحانه (ولايكلف الله نفسا إلا وسعها)، كما قال صلى الله عليه وسلم (يسروا ولاتعسروا وبشروا ولاتنفروا)، وقد قالت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم (ماخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما)». وشدد المنيع على أن التخفيف في العبادة مرده التيسير ورفع الحرج عن الأمة، مفيدا أن القاعدة الشرعية أن الأمر إذا ضاق اتسع، مضيفا «بناء على ذلك فإن الأخذ بالرخص هو مقيد برفع الحرج، فإذا لم يكن هناك حرج أوضيق فيجب الأخذ بالمزيد من العناية بكمال العبادة والكف عن الترخيص بالرخص المبنية على وجود مبررها من رفع للحرج وأخذ بالتيسير وبناء على ذلك، فإن الفتوى بجواز الرمي قبل زوال الشمس مقيد بوجود الحرج والمشقة، فإذا زال ذلك وتيسر أمر الجمرات بعد زوال الشمس بتوسيع جسر الجمرات أو غيره، ولم يترتب على ذلك شيء من المتاعب والمشاق فيجب الكف عن هذه الرخصة». الضرورة قائمة أما نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وزير العدل الموريتاني السابق عضو المجامع الفقهية الدكتور عبد الله بن بيه، فاختلف مع رأي المنيع عندما رأى أن الحاجة لفتوى التيسير قائمة بسبب زيادة أعداد الحجاج، وأنه عند تعليق الفتوى أو إعادة النظر فيها يجب التأكد من أن الحاجة قد انتفت لهذه الفتوى من خلال الدراسات العلمية والواقع الذي نشاهده عندها يمكن إصدار الحكم النهائي حول حاجتنا للفتوى من عدمها. وبين بن بيه، أن العلاقة بين الفتاوى والواقع هي علاقة حميمة، وبالتالي إذا ظهر أن المشاريع الكبيرة جدا ومن ضمنها جسر الجمرات تخفف وطاءة الزحام وبالتالي تنزل درجة المشقة، فإنها ستؤثر على الفتوى بلاشك، مضيفا «إذا لم تصل المشقة لدرجة المشقة الوسطى والخفيفة وظلت المشقة على مستوى المشقة الكبرى وهي مشقة الضرورات فستظل فتوى التيسير والتخفيف قائمة ومن ضمنها رمي الجمرات قبل الزوال وغيرها». وبين بن بيه أن الفتوى تستند إلى أقوال العلماء الذين يراعون دائما في موضوع الفتوى مسألتين، هما الدليل من الكتاب والسنة والمشقة ورفع الحرج عن الناس، مؤكدا على أنه عند إعادة النظر في الفتوى لابد من التحقق أن مقتضى الفتوى لم يزل قائما ولابد من تحقيق المناط في ذلك. موضحا جواز تعليق الفتوى في حالة استيفاء الحاجة منها وهذا يرتبط بمشروع جسر الجمرات وتخفيف المشقة على الناس في هذه المسألة، مستدركا «لكن يبقى الخلاف موجودا بين العلماء في هذه المسألة الفقهية، والضرورة دائما ترجح الفتوى». واتفق مفتي القدس إمام وخطيب المسجد الأقصى الدكتور عكرمة صبري مع رأي بن بيه وخالف المنيع، عندما أكد أن فتاوى التيسير في الحج يجب أن لا تعلق بسبب ازدياد أعداد الحجيج، وأن حصر الرخصة بمشروع جسر الجمرات قد يؤدي إلى التكدس في صحن الطواف، مطالبا العلماء بضرورة التنسيق فيما بينهم للتخفيف على الحجاج، والتأكيد على المنهج النبوي «افعل ولاحرج». مراجعة الحكم وهنا يرد عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبد الحكيم محمد العجلان، على الرأي بأن فتوى الرمي قبل الزوال سيخفف وطاءة الزحام في المنطقة المركزية في الحرم يوم 12بقوله «القائلون بهذا القول أطلقوا مع أنه كل من قال به قال: يجوز الرمي قبل الزوال، قالوا: لا ينفر حتى تزول الشمس، وإن رمى قبله سوى طاؤوس، ولذا حصل حرج على الناس كثير في ازدحام الطواف «الوداع» فلم يكن محصلا للمصلحة من كل وجه»، مضيفا «من قال به على وجه الإطلاق مع أن الكلفة والمشقة إنما هي حاصلة في اليوم الثاني عشر، وهي التي نقل عن السلف والفقهاء القول بجواز الرمي فيها قبل الزوال»، ورأي العجلان أن الحكم يحتاج إلى مراجعة من هذه الجهة ومن الجهة الثانية حتى ينتفي الحرج الذي علق بعضهم الفتيا في فتواه». وبين العجلان أن التيسير في الحج ورفع الحرج فيه لا يخلو من حالين: الأولى ما جرى بها النص ودل عليه الدليل، فإنه لا يسع الفقيه والمفتي إلا أن يقول به ويوسع على الناس فيه ابتداء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك أمره للنساء والضعفة بالنفرة من مزدلفة بعد منتصف الليل، وذكر العجلان أن الحالة الثانية تكون عندما يكون مناط التيسير هو حصول المشقة ونزول الكلفة فللفقيه النظر في إمكان رفعها أو تخفيفها بحسب ما يفتح له من الأدلة العامة ونقل أحوال أهل العلم، ويكون ذلك منوطا بتلك المشقة، فمتى زالت وجب رجوع الحكم إلى أصله وبقائه ومثله من علق رمي الجمرات قبل الزوال على المشقة، ويكون ذلك مرتبطا بتوسيع جسر الجمرات وسهولة الرمي عنده تنتفي الحاجة، وطالب العجلان المتصدين للفتوى في الحج أن يجعلوا نصب أعينهم أن التيسير ورفع الحرج معتبرا بما يدل عليه الدليل ويسعفه الاستنباط من الأدلة، لا ما يكون اعتباره إلى نظر المفتي المجرد، فيحصل بذلك تعبد الناس إلى أراء المفتين دون اعتبار بالدليل والمأخذ الشرعي.