عندما يتم استغلال أوضاع الناس المغلوبين وغسل أدمغتهم وتعبئتهم، فإن الشارع يتحول إلى طاقة غاضبة لديها اعتقاد بأنها الحق الذي لا يأتيه الباطل، ولأن الصراع على الموارد يحتاج إلى تسويات واقعية، حتى وإن كان الفعل الثوري منتصرا، فإن الثقة العمياء تنتج تصفيات متنوعة، ويصبح النفي والإقصاء هو المدخل الأول لإنتاج الفوضى، وليست السلمية إلا مقولة لإخفاء العنف الثقيل الذي سينتج تلقائيا في حالة الإصرار على المواجهة وفرض مصالح القوى المنتصرة. والملاحظة الواضحة أن الحركات الاحتجاجية تأخذ طيفا واسعا من التكوينات التي تعاني من مشاكل لا حصر لها وهي انعكاس لواقع سيئ، إلا أن التيارات المؤدلجة بفعل تقنيات «البروباجندا» هي الأكثر قدرة على توظيف الاحتجاجات في بناء قوتها وتحويلها إلى مجال للسيطرة على موارد الدولة كمدخل لفرض هيمنتها. وفي ظل وضع ثوري ملتبس تتمكن التيارات من إقناع الجمهور أن قياداتها وتركيبتها الحزبية أكثر نقاء من غيرها، وأنها تمتلك القدرة على تحقيق أحلام الجمهور وأنها تعبير عن قوى اجتماعية واسعة، وتسوق لنفسها بأنها قادرة على تشكيل كتلة كفيلة بحمل مشروع النهوض، إلا أن المراقب لقوتها سيجد أنها تعتمد على تفعيل وجودها عبر تربية حزبية لا صلة لها بواقع الحال ولا تعبر عن تحول اجتماعي حقيقي، وعادة ما تسعى جاهدة للتأثير على القوى الاجتماعية التي تعاني من بؤس الواقع وتوظف مطالبها لخدمة نخبتها الحزبية. والمشكلة الجوهرية التي تعاني منها التيارات المؤدلجة أنها تستند على شعارات ورؤى كلية، لكنها لا تملك أي برامج عملية لخطابها المبجل، وتجربتها في الحكم عادة ما تصل إلى معضلات غير قابلة للحل، فتلجأ إلى القوة لفرض سيطرتها وإسنادها بخطاب شعبوي، وفشلها قد يقودها إلى حروب داخلية وخارجية. والخلاصة، إن التكوينات الحركية رسمت خطوطا احتجاجية مراوغة في ربيع قاس، وحققت انتصارا باسم ثورة لم يؤسس لها تحول اجتماعي بل فعل تعبوي لا يحمل مشروعا واضحا، وهذا جعل الفعل الثوري مسارا معزولا عن متطلبات الواقع وحاجاته، ومسارا تديره نخب همها النهائي إعادة ترسيم مصالحها.