الصراع اليمني يتخذ مسارا إيجابيا مع المبادرة الخليجية، وبالإمكان أن يصل إلى نقطة آمنة نافعة للجميع. الإشكالية في الصراع الخفي بين مراكز القوى المؤثرة بما يجعل التحولات لمصالحها وهذا الأمر قد يقودنا إلى العنف لأن التغيير الذي تؤسس له التسوية السياسية لا محالة سيؤثر على قوة مراكز القوى ويفقدها هيبتها. من جهة أخرى، أدى دخول لاعبين جدد في الصراع على القوة إلى إثارة غضب المراكز التقليدية. فالمراقب سيجد أن لدينا ثلاثة مراكز جديدة ربما تلعب مستقبلا دورا محوريا منافسا، وربما مهددا لنفوذها، يأتي في المقدمة الرئيس هادي وقوته التي يبنيها باسم تفكيك قوة النظام السابق، وإعادة توزيعها بين المتنازعين وبما يسهم في بناء شراكة مع الجنوب. أما المركز الثاني فهو الحوثي الذي يتحرك ضد التسوية، ويعمل على بناء قوة معارضة، وتحالفات مؤثرة. يبدو الرئيس السابق في صراع هذه المراكز الخيار الأقرب للأطراف المختلفة، رغم خسائره. فالتناقضات التي تولدها التحولات قد تدفع الجميع إلى مربعه، وربما هذا ما يفسر ثقته وإصراره على ممارسة العمل السياسي، وتتعاظم قوة صالح كلما زاد الصراع بين القوى التي وقفت ضده في الفترة الماضية، ومازال نفوذه القبلي قويا ومسنودا بموارد متنوعة ناعمة وصلبة ركمتها فترة حكمه. والمحصلة الواضحة أن الخطاب التعبوي والثوري والدعائي الذي يتحدث عن الانتقال لصالح بناء الدولة، وإحداث التغيير المنشود يتآكل على مستوى الواقع وسط تكوينات متصارعة متداخلة، ومنقسمة ومتنقلة في تحالفاتها. وما يعمق الإشكالية عجز القوى الجديدة عن ترتيب صفوفها، وهشاشة دور الأحزاب والمجتمع المدني. يبدو لي أن تنمية دور القوى المدنية خيار ملاحظ في المرحلة المقبلة بحيث تتمكن من التأثير على خيارات مراكز القوى القديمة والجديدة والطامحة، ولن يتحقق ذلك إلا بإسناد خارجي، وتواصل تلك القوى مع الداخل في سياق مستقل عن صراع القوى الفاعلة، وهذا الإسناد والاتصال لن يتم إلا بالمراهنة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. فهي البوابة الأكثر أمنا لتفكيك المعضلة اليمنية، والمدخل الوحيد للانتقال إلى المستقبل.