«من حضيض المخدرات إلى قمة السعادة بالحياة»، بهذه الجملة عبر «أبو يوسف» أحد الشباب المتعافين من إدمان المخدرات طيلة 18 عاما، لينتهي به الأمر أن يلحق بركب التائبين من هذه الآفة المدمرة. «أبو يوسف» الذي التقته «عكاظ» في مخيم المتعافين من المخدرات، والذي ضم 150 متعافيا من الإدمان، قال إنه انتقل من حالة اليأس التي كانت تحيط به إلى الحياة الحقيقية المفعمة بالسعادة والطمأنينة وتحقيق الطموحات، مضيفا: «كنت أعيش في الحضيض نفسيا واجتماعيا وروحانيا وأسريا، كانت حياتي بلا طعم، وكنت جسدا بلا روح، إذ كان أعلى طموح لدي الحصول على المخدر». وزاد: «انتهى طموحي وقتها كإنسان، حتى كان أبسط ما أطمح إليه أن أمارس حياتي بشكل طبيعي وأتناول الطعام بدون أن أتعاطى أو أنام بشكل طبيعي، حتى وصلت إلى أني كنت أريد أن أتعاطى لأعيش وأعيش لأتعاطى، ولم يكن لدي مأوى أو مسكن، فكل يوم في مكان، وصارت حياتي بلا معنى حتى تمنيت الموت يوما فتعاطيت كميات كبيرة، لكن الله أنقذني وفتح لي باب الأمل وفرصة جديدة في الحياة». وعن بداية طريق التصحيح يقول «أبو يوسف»: «كنت أشاهد الذين يترددون على مستشفى الأمل وأعطوني الأمل فعلا، والمصادفة العجيبة أنني تعالجت على يد مدمن وقد كنت بدأت التعاطي منذ أن كان عمري 16 سنة على يد مدمن آخر في المدرسة بدافع الفضول وإثبات الذات». وأردف قائلا: «أول ما صدمني في بدايتي لرحلة العلاج رفض المجتمع لي، لكني سلمت بالأمر واستسلمت للواقع، وكنت أنتكس أحيانا وأتراجع، وكانت المحاولات نحو العلاج مستمرة وكنت أزور أهلي في المنزل زيارة الضيف، إلى أن تأكدوا أني استقمت تماما وارتفعت درجة الثقة بي، وأصبحت أهتم بوالدي وأسرتي أكثر، وعادت علاقاتي بأسرتي وأقاربي وصرت أحضر المناسبات المختلفة رغم بعض النظرات التي كانت تلاحقني منهم». واعتبر الحج أغلى هدية، وقال: «مشاعري لا توصف وأشكر بشكل خاص بعد الله اللواء عثمان المحرج مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وكل من ساهم في حجنا، وكذلك عبدالإله الشريف مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية، والدكتور محمد الزهراني المشرف على مجمع الأمل بالدمام والقائمين على البرنامج». ويختم حديثه فيقول: «أحمد الله على أن أكملت أربع سنوات في التعافي، فقد كنت أتمنى يوما ما أن أشعر بأني طبيعي، وهنا أؤكد أن الذي عالجني له الأثر الكبير؛ لأنه كان مدمنا وكانت له تجارب سابقة، وهو من أعضاء مجموعات الدعم الذاتي الذين أعطونا رسالة قوية ودفعة معنوية كبيرة، وأوجه رسالتي لجميع المدمنين أن يعودوا مبكرا ويتخذوا القرار قبل أن يفوت الوقت». نجاح بعد طول اجتهاد أما م.ع (32 عاما) المتعافي أيضا من الإدمان فقد قال إنه دخل مستشفى الأمل 11 مرة نجح في آخرها في التعافي من الإدمان والإقلاع عن السموم، رغم انتكاساته المتعددة إلا أنه يعزو وصوله للهدف إلى معونة الله ثم الإصرار والعزيمة والصدق في التوبة. وبين أن اكتشافه لواقعه الذي كان يعيشه كان له الدور الأبرز في بداية طريق التعافي، فضلا عن أنه أخذ العبرة ممن كانوا في أماكن مرموقة ووضع اجتماعي عال ثم تغيرت أحوالهم إلى الأسوأ بفعل هذه الآفة، ولم يخف دور والدته في مساعدته على الإقلاع والتعافي وكذلك والده الذي ذهب به لمستشفى الأمل بعد رحلة إقناع قادها والد أحد المستفيدين من البرنامج العلاجي بعد أن كانوا يظنون أن المستشفى للمجانين فقط وأنه لا يصلح لهم بحسب قولهم. وعن بدايته مع الإدمان يقول: بدأت في سن الخامسة عشرة، وكانت البداية بشرب الدخان ثم شراب المسكر، وكان يقدمه لي أحد زملائي بالمدرسة وقد زين لي أن هذا الطريق جميل وأوهمني بأني سأكون نشيطا حين أتناول الحبوب، إلا أني لم أجد أي سعادة أو أي مما أوهمني به ذلك الصديق السيئ». وحذر من انتشار بعض الثقافات السيئة الجديدة على الشباب وخصوصا صغار السن هذه الأيام والذين يستقونها من أصدقاء السوء ومن المنتديات والمواقع التي تجمع السيئين وخصوصا مواقع التفحيط، حيث إنها تدعو ضمنيا إلى مثل هذه الآفات، معتبرا أن التفحيط والمخدرات وجهان لعملة واحدة، كما أن هناك من صغار السن الذين لا يتجاوزون الثامنة من أعمارهم يسألون عن هذه الآفات ويدخلون في هذا الطريق الخطر بدافع الفضول، وهو مايثير الخوف، واختتم حديثه بقوله: «أدعو الأهالي إلى الانتباه والحذر ومراقبة أبنائهم قبل أن يقع الفأس على الرأس». دمج المتعافين بالمجتمع من جانبه، قال يوسف اليوسف رئيس مركز الرعاية المستمرة ومنزل منتصف الطريق بمجمع الأمل للصحة النفسية بالدمام والمشرف على المتعافين في المديرية العامة لمكافحة المخدرات، إن حملة الحج ضمت 150 متعافيا من الإدمان بدعم من صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزير الداخلية وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية ومدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات اللواء عثمان المحرج، مبينا أن تواصلهم كان بشكل مستمر لتذليل العقبات والصعوبات. وبين أن من أهداف البرنامج مساعدة المتعافين على الاندماج في المجتمع كعناصر فاعلة ومنتجة حريصة على الوطن وأبنائه، وأشار إلى أن مشاعرهم كانت لا توصف، خصوصا وأن معظمهم يحج للمرة الأولى في حياته، وكان فيها التضرع لله والندم على مافات وكانوا متأثرين من ذلك كثيرا، كما أن وجودهم في الحملة أسهم في رفع معنوياتهم. وقال «إن المديرية تنظم حملات الحج للمتعافين منذ عام 1423 ه، ما أسهم في دعم هذه الفئة بشكل كبير للاستمرار بشكل مطرد للتعافي، وبالتالي كلما زاد عدد المتعافين كل ما قل عدد مدمني المخدرات وهذا أمر إيجابي». ولفت إلى أن المديرية تنظم ملتقيات سنوية تجمع فيها المتعافين من كافة المناطق بمشاركة آخرين من بعض دول الخليج، حتى أن بعضهم أكمل السنة السادسة عشرة على التوالي فصارت لهم مناصب وآخرون أكملوا دراساتهم، مما أعطى الدعم المعنوي للباقين.