يظهر أن حالات التربص والنميمة انتقلت من المجالس الخاصة إلى مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، فقد تابعت بعض التعليقات الإلكترونية المهتمة بشائعة تعطل قطار المشاعر في موسم الحج الحالي، ولاحظت أنها ركزت بالدرجة الأولى على قيمة المشروع المليارية ومبلغ عشرين مليون ريال سعودي قيل بأنها أنفقت لصيانته قبل أشهر، وكيف أنه رغم ما سبق لم ينجح في مهمة عمرها أيام، وقرأت شهادات لأشخاص قالوا بأنهم ينقلون من موقع الحدث، واستخدموا صورا فوتوغرافية مجهولة التاريخ ويمكن أن تكون من مواسم سابقة أو لأماكن تجمع معتادة، ولم يكلفوا أنفسهم البحث في التفاصيل، وحقيقة أن شركات الحج والعمرة لا تلتزم بوعودها أحيانا، وأن بعض الحجاج يفترشون الرصيف والساحات ويقيمون في المشاعر كيفما اتفق وبدون عناية ومتابعة، وهؤلاء أكدوا وقوع وفيات وإصابات بين الحجاج نتيجة لما أدى إليه العطل من تزاحم وتدافع، وهناك من ألحق أسبابا إضافية وبالغ في شطحاته وافترض تسوير المشاعر، واتهم غيره إدارة القطار أو الشركة المسؤولة بعدم تأهيل كوادرها المدنية أو تدريبها على تسيير الحشود الضخمة. الحجاج لا يأتون دائما لأداء الفريضة وحدها، ومنهم من يتعمد مخالفة الأنظمة لأغراض دينية أو دنيوية أو لا يريد مغادرة مكةالمكرمة إلا إلى مقابرها، وأرقام المخالفين لنظام الإقامة والعمل متوفرة في سجلات الجوازات السعودية ومعظمهم جاء للعمرة أو الحج، وقد وقفت على مشهد لسيدة كبيرة في السن ومن جنسية عربية، جلست وسط شارع وعطلت مرور السيارات، والسيدة كانت ترد كل محاولة لمساعدتها وتصيح بأنها تريد أن تموت في مكانها، وبطبيعة الحال الوفيات والإصابات في الحج متوقعة وتحدث دائما لاعتبارات كثيرة ومهما كان التنظيم مثاليا، فالحجاج أنفسهم وخصوصا القادمين من القارة السمراء، كانوا قبل الترتيب الجديد يخترقون الحشود عند الجمرات وكثيرون فقدوا أقاربهم أو تعرضوا لإصابات بسبب البلدوزر الأسمر، ومعظم حجاج الداخل والخارج من كبار السن وأصحاب الأمراض، وأعدادهم بالملايين وتجاوزت هذه السنة ثلاثة ملايين ومئة وستين ألف حاج، بجانب أن موسم الحج استغل في سنوات مضت ومن جهات معروفة لأغراض سياسية. ثم إن الثابت مبدئيا ومن مصادر موثوقة أن القطار لم يتعطل، والحكاية أن مجموعة من الحجاج الآسيويين المخالفين زاحموا الحجاج النظاميين لركوبه بدون تذكرة، وإدارة القطار قدرت الموقف واجتهدت في اتخاذ قرار رأته مناسبا وقامت بتأخيره لمدة تسعين دقيقة، حسب التصريحات المنشورة، وربما أرادت تحديد أسلوب التعامل مع رقم فاق التقديرات بنسبة خمسين في المئة، فالقطار لا يستوعب إلا خمسمائة ألف راكب ونقل ما يقرب من سبعمائة وخمسين ألفا، بينهم النظامي والمخالف، والشبهات تدور حول واحدة من مؤسسات الطوافة بانتظار التثبت من دورها في المشكلة بمعرفة لجنة تحقيق مكونة من الإمارة ووزارتي الحج والشؤون البلدية والقروية وقوات أمن الحج والدفاع المدني. الخطأ وارد بدون شك والتجارب ساهمت في معالجة القصور وتطوير الخدمات المقدمة للحجاج وأبرزها الطوابق الأربعة لجسر الجمرات، واحتمال تعطل القطار لا يغير شيئا، وفي بريطانيا، على سبيل المثال، تتعطل قطارات الأنفاق ويتجه الناس لاستخدام الباصات أو سيارات الأجرة بهدوء وتفهم ويذكر هذا في نشرات الأخبار، ولم أسمع عن قيام حملة إلكترونية أو صحافية ضدها، وإعلاميا موسم الحج يحمل قيمة إخبارية عالية ويتابعه المسلمون وغير المسلمين، واستثماره لتمرير رسائل ملغومة ليس مستبعدا والسوابق معروفة، والدليل المتوفر حاليا هو ربط المنتقدين بين الأمور المالية وتعطل القطار وقضايا الفساد، ولا بأس ولكن كيف نفهم التناول الخجول للحجاج ومعاناتهم وهم المتضرر الأول والأهم، وحضور السياسة ومعادلاتها الرمادية في مناسبة الأصل فيها أنها تعبدية وروحانية ولا علاقة لها بالمطامح الأرضية والإسلام السياسي. عيدكم مبارك وكل عام وأنتم ومن تحبون بألف خير.. binsaudb@ yahoo.com