كالبقع السوداء على الإحرام الأبيض تبدو سلبيات الحج بعد انقضاء الموسم ظاهرة للعيان. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين ليكون الحج أكثر راحة وسهولة لقاصدي الديار المقدسة بيد أن هناك بعض السلبيات والملاحظات مازالت موجودة وتحتاج لمعالجة وتعديل في المواسم المقبلة. فما أن ينتهي الموسم حتى تسارع اللجنة المعنية في كافة الجهات العاملة في الحج بتقييم أدائها ورصد السلبيات التي واجهتها ومحاولة إيجاد الحلول لها حتى بدأت تتلاشى الكثير من المظاهر السلبية والتي كانت تشكل حجر عثرة في إخراج موسم حج مثالي. ولئن أوجدت الدولة مشكورة الكثير من الحلول مثلما حدث في بناء جسر الجمرات الجديد وقطار المشاعر، توسعة المسجد الحرام إلا أن هناك معضلات تعمل الجهات المختصة على حلها تتخذ صورا مختلفة فمنها ماهو تنظيمي وآخر حضاري وسلوكي. ولقد جاءت حملة «الحج عبادة وسلوك حضاري» التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل لتكون أحد الحلول العملية لبعض السلبيات وملاحظات الحج وأسهمت بشكل كبير في القضاء على الكثير منها ومازالت تضع الخطط وتعمل بشكل متوال بل وتدعو كل الجهات لأن تكون شريكة فاعلة في هذه الحملة. «عكاظ» تساوقا مع الجهود المبذولة لرصد السلبيات وتسليط الضوء عليها بحثا عن حلول لها، فتحت ملف سلبيات موسم حج هذا العام راصدة أبرز ثماني سلبيات وبحثت عن أسبابها والحلول لمواجهتها في سياق التحقيق التالي : تبقى مشكلة الحجاج المخالفين والافتراش كبرى مشكلات الحج فهما يرتبطان ببعضهما ارتباطا وثيقا فلا يمكن القضاء على الافتراش دون القضاء على الحجاج المخالفين وفي هذا الصدد أقر صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أن المشكلة الأزلية للحج هي الحج بدون تصريح، مؤكدا أنه في كل عام يتم وضع تنظيمات جديدة للحد من هذا الاختراق للوضع وحتى الآن لم نتحكم كليا ولكن في كل عام هناك انضباط أكثر من العام الذي قبله. وأضاف: «لابد أن نكون أكثر حزما وانضباطا في الأعوام المقبلة ولا نتهاون مهما كان السبب ونتخطى العواطف والمجاملات تجاه من يريد أن يخالف الأنظمة، أو أن يتسبب في الحقيقة في حرمان الحاج النظامي من كل الخدمات التي يستحقها»، واصفا الوضع الراهن بأنه غير مقبول ويجب وضع حد له. وقال: «معظم المفترشين حجاج غير نظاميين ومعظمهم من المقيمين بطريقة غير نظامية في المملكة، ومخالفون من ناحيتين بوجودهم في المملكة ودخولهم المشاعر المقدسة بدون إذن أو تصريح للحج، ولا بد من القضاء على الافتراش، وهو ليس بالسهل ولن يتم في سنة واحدة، وسوف نستمر في معالجة هذه المشكلة بحكمة وبحزم وبدون تساهل حتى نقضي عليها». وشهد حج هذا العام إعادة الكثيرين ممن لا يحملون تصاريح وإحالة من ينقلهم إلى التحقيق، وفي نفس السياق كشف قائد قوات أمن الحج اللواء ناصر العرفج عن نيتهم إقرار عقوبات مالية على الحجاج المخالفين في الأعوام المقبلة. وجاءت خطوة أمن المشاة في الحج بزيادة أعداد العناصر العاملة في مشعر منى كإجراء للحد من الافتراش الذي يعتبر عائقا لعمليات النظافة والإسعاف ومعيقا للحركة. وهنا أشار وكيل وزارة الحج الدكتور عيسى رواس في حديثه إلى أن الجهات المعنية تتكامل لمواجهة مشكلة الافتراش في المشاعر المقدسة، مبينا أن قوات الأمن العام حققت نتائج متميزة في هذا الخصوص، مشددا على أن التنسيق بين كافة الجهات مستمر ومتواصل، أخذا في الاعتبار أن هذا السلوك من بعض الحجاج يرجع إلى مفاهيم وقناعات خاطئة، وأكد أن حملات التوعية التي ترعاها إمارة منطقة مكةالمكرمة من خلال حملة (الحج عبادة وسلوك حضاري)، وكذلك ما تقوم به أجهزة الإعلام المختلفة تهدف إلى العمل على محاولة تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة. واقترح رئيس لجنة الحج والعمرة في الغرفة التجارية سعد القرشي عددا من الاقتراحات للتقليل من الافتراش هي ضبط مكاتب الحج الوهمية والقضاء عليها، التوعية الإعلامية المستمرة، تخفيض تكاليف الحج بوضع حد أقصى لأسعار الخدمات كل فئة حسب تكلفتها. التسول يعد التسول ظاهرة واضحة للعيان في الموسم دون وجود حلول جذرية لهذه المشكلة وهنا يؤكد باحث اجتماعي رفض الكشف عن اسمه في لجنة مكافحة الظواهر السلبية في إمارة منطقة مكةالمكرمة أن أعداد المتسولين زادت على الأعوام السابقة وأوجزها في زيادة عدد المقبلين للحج والعمرة من خارج المملكة. وكذلك ما تمر به بعض الأوطان العربية أو ما يسمى بالربيع العربي الذي أوجدت تداعياته زيادة في عدد المتسولين نظرا للظروف الاقتصادية المحرجة في تلك الدول، إضافة لقدوم البعض بقصد الحج وهم في الأساس عصابات منظمة لغرض التسول. وأضاف: «رغم أن هناك عقوات تصل إلى الترحيل والغرامات المالية ووجود نشرات بعدد من اللغات تتحدث عن التسول كظاهرة سلبية إلا أن الأعداد تعتبر الأكبر وقد تمت السيطرة على الكثير من الحالات التي كادت أن تشوه وجه الحج كشعيرة إسلامية مهمة». وأبان أن هناك نقصا في أعداد العاملين في مكافحة التسول مطالبا بضرورة تعاون كل الجهات الأمنية للقضاء على التسول الذي يشوه الوجه الحضاري لهذه الشعيرة. تدني مستوى النظافة يلاحظ المتجول في المشاعر المقدسة أثناء موسم الحج تدني مستوى النظافة ويظهر ذلك في تكدس النفايات أمام المخميات واتساخ الأرض بشكل ظاهر للعيان. ويقر أمين العاصمة المقدسة بوجود تدن في مستوى النظافة لكنه يرى تحسنا ملحوظا هذا العام عن السنوات الماضية وهذا لا يعني انتهاء أزمة النظافة، واستشهد البار بحديث صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، الذي أكد على أن النظافة تحسنت عن العام الماضي، وبين البار أن سبب انخفاض مستوى النظافة بشكل عام يعود للافتراش وصعوبة الحركة والتنقل في المشاعر المقدسة لأفراد النظافة وآلياتها، مما جعل في الوصول لأماكن تكدس النفايات صعوبة كبرى. وبين البار أن الحل سيكون في استخدام الميكنة للتخلص من النفايات خارج المشعر، وذلك عن طريق مشروع النقل الأنبوبي الذي يخلص منى من النفايات للخارج مباشرة دون استخدام الآليات والمعدات والأفراد، مما سيسهل نظافة المشاعر، مشيرا إلى مشروع النقل الأنبوبي إذا بدأ تطبيقه السنة المقبلة سيساهم في حل إشكالية النظافة في المشاعر، مبينا أن تكلفة المشروع في مرحلته الأولى 700 مليون ريال وسيتم تنفيذه في منطقة الشعبين شرق منى ويشمل مخيمات حجاج جنوب شرق آسيا وتركيا وبعض حجاج الداخل، مؤكدا أنه في حال نجاح التجربة فإنها ستعمم على كافة أرجاء مشعر منى، وشدد على أن المشروع سيخفف إلى حد كبير من اتساخ مشعر منى. التوعية تعتبر التوعية حجر الأساس في حج آمن وسليم وكل قصور من قبل الحاج عباديا أو سلوكيا فإنه يعلق على شماعة التوعية ومع كثرة الأخطاء التي تحدث من الحجاج وعدم التزامهم بالخطط والأنظمة بشكل صحيح فإن نائب رئيس المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج جنوب آسيا الدكتور رشاد محمد حسين يعترف أن برامج التوعية المعمول بها الآن غير مجدية لأن الفترة الزمنية التي يقضيها الحاج في المملكة قصيرة جدا ويأتي وهو غير مهيأ بالتوعية الكافية نفسيا ووجدانيا حيث نجد أن قلبه معلق بالعبادة وروحانية المناسك، مشددا على أن الأفضل أن تكون التوعية في بلاده كما هو معمول به في بعض الدول مثل ماليزيا وتركيا وغيرها حيث يعمل للحجاج في هذه الدول برامج ونشاطات مكثفة قبل سفرهم لعدة أشهر حتى إذا أتى الحاج أو المعتمر تجده مهيئا ومتفرغا للعبادة فقط. وأوضح رشاد أن الحجاج قبل 40 عاما كانوا يأتون إلى المملكة للحج قبل أشهر فتجد الحاج يتعلم ويتوعى بشكل كبير نظرا للفترة الزمنية التي يقضيها أما الآن في ما يسمى بظاهرة الحج السريعة التي لا تستغرق إلا أسبوعين إلى ثلاثة أو أقل فإن الأولى بالتوعية أن تكون في بلادهم بتظافر وجهود عالمية ودولية حتى نضمن توعية جيدة وحجا مميزا. حملات الحج الوهمية في كل عام تعد وزارة الحج والجهات المعنية بالقضاء على حملات الحج الوهمية التي تحتال على الحجاج بشكل فاضح وبالرغم من قضاء الجهات المختصة على هذه الحملات إلا أنها مازالت تظهر، وفي هذا العام استطاعت اللجنة الثلاثية ضبط 18 حملة وهمية من خارج مكةالمكرمة وهو ما أكده وكيل وزارة الحج الدكتور عيسى رواس، مشيرا إلى أن نظام خدمة حجاج الداخل متكامل يغطي كافة الجوانب اللازمة لتنظيم حج المواطنين والمقيمين، مبينا أن الوزارة تسعى للتحقق من تطبيق مقتضيات مواد التنظيم، حيث يتم اتخاذ الخطوات التالية أولها إرسال وزارة الحج لجانها الرقابية من بداية شهر ذي القعدة لتجوب مختلف مناطق المملكة الرئيسية للقيام بمهام المتابعة لمواقع الشركات والمؤسسات المرخصة واستكمالها كافة المتطلبات. وأبان رواس أنه تم تكليف هيئة الرقابة والتحقيق بمتابعة وتعقب للحملات الوهمية، واتخاذ ما يلزم بشأنها، وإذا ما تم ضبطها فيحال أمرها إلى الجهات الأمنية لتتعامل معها وفق الأنظمة المتعلقة بالنصب والاحتيال والتزوير، وكل ذلك له عقوباته المشددة التي تطبق نظاما وشرعا بدون هوادة، موضحا أنه وصلت إلى مكةالمكرمة وتم ضبطها واتخاذ الإجراءات النظامية بشأنها، حوالى ثماني عشرة حملة وهمية منشؤها من خارج منطقة مكةالمكرمة. ولفت رواس إلى أن الوزارة توفر عددا من الوسائل المختلفة لتعريف المواطن والمقيم بشركات ومؤسسات الحج المرخصة نظاما ومواقعها في المشاعر المقدسة، وأن ما عداها يكون حملات وهمية، ومن تلك الوسائل الموقع الإلكتروني، الهاتف المجاني، دليل الإجراءات، البرنامج التلفزيوني (مجلة الحج)، التواصل المباشر مع الإدارة العامة لحجاج الداخل في وزارة الحج. مؤكدا انحسار الحملات الوهمية بشكل كبير ولم تعد تشكل ما يمكن أن يسمى (ظاهرة)، نتيجة وعي المواطنين والمقيمين والوسائل التي تقدمها وزارة الحج وكذلك الجهود الكبيرة التي تبذلها بقية الجهات المعنية بهذا الموضوع. وهنا يوضح رئيس لجنة الحج والعمرة في الغرفة التجارية الصناعية في مكةالمكرمة سعد بن جميل القرشي أن معظم من يدير الحملات الوهمية هم من الوافدين المقيمين الذين يعتمدون على النصب والاحتيال على أبناء جلدتهم، مؤكدا أن العقوبات الرادعة والرقابة المشددة كفيلة بعدم ظهور الحملات في السنوات المقبلة. ارتفاع أسعار حملات يشتكي الكثير من المواطنين والمقيمين من غلاء أسعار حملات حجاج الداخل لذلك لجأت وزارة الحج هذا العام لتطبيق برنامج الحج المخفض، ويوضح وكيل وزارة الحج الدكتور علاء رواس أن الوزارة قدمت العديد من المزايا للشركات المساهمة في برنامج الحج المخفض، مشيرا إلى أنه سيجري في كل عام تقييمه وإدخال مزيد من التطوير عليه، ولفت إلى أن عددا من الجهات الرقابية المكلفة تتولى متابعة الشركات والمؤسسات التي تتجاوز التعليمات ويتم بحقها تطبيق العقوبات النظامية اللازمة. وكان وكيل وزارة الحج لشؤون الحج حاتم قاضي أكد على أن الخطوط العريضة لبرنامج الحج المخفض تشير إلى نجاح هذه التجربة بكل المقاييس، حيث وزعت الوزارة استبيانا على 29 مؤسسة مشاركة في البرنامج على الحجاج والملاك، وكانت النتائج مرضية لنا جدا، بل إن ثمة مطالبات من الحجاج ومن الملاك بالتوسع في هذه التجربة التي ستخضع لتقييم شامل بعد الموسم لرصد كافة الجوانب». لكن رئيس لجنة الحج والعمرة في الغرفة التجارية سعد القرشي أبان أن سبب ارتفاع أسعار حملات حجاج الداخل هو ارتفاع أسعار المخيمات التي تؤجر من قبل وزارة الحج على الحملات، مستدلا على أن كل شركة ينبغي عليها أن تدفع للوزارة «7500 ريال» عن مخيمات فئة أ، و6250ريالا للفئة ب، و5000 آلاف ريال للفئة ج، و3750 ريالا للفئة د، و1500 للفئة ه، بينما يدفع حجاج الخارج «2500 ريال» فقط عن مخيمات الفئة أ، مطالبا بضرورة تخفيض الإيجارات حتى تنخفض أسعار الحملات. ضيق مخيمات منى من المعلوم أن مساحة مشعر منى تعتبر الأقل مساحة ومحاطة بالجبال من كل مكان قياسا بمشعر عرفات رغم أن الحاج يمكث في عرفات يوما واحدا بينما يبقى في منى أربعة أيام شاملا يوم التروية ومع ازدياد أعداد الحجاج حتى وصل عددهم إلى قرابة ثلاثة ملايين ونصف حاج، وقد أسهم مشروع جسر الجمرات وقطار المشاعر في تقليص عدد المخيمات مما جعل المطوفين وحملات حجاج الداخل يشتكون من ضيق المخيمات واستغلال الممرات بتسكين الحجاج فيها مما يجعل الحاجة ملحة للبحث عن حلول يأتي في مقدمتها البناء على سفوح جبال منى على غرار العمائر الست والذي يدرس من قبل هيئة كبار العلماء في الوقت الحالي لإقامة مدينة أخرى في منى تبلغ توسعتها مليون ونصف وفق تصريح وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية المشرف على الإدارة المركزية للمشروعات التطويرية في المشاعر الدكتور حبيب زين العابدين الذي أوضح وجود مشروع بديل وهو الخيام متعددة الطوابق لزيادة استعابية مشعر منى، وهو ما طالب به سعد القرشي عندما رأى أن الحل يمكن إما في التوسع الرأسي في منى باستغلال سفوح الجبال بالبناء عليها، أو إزالة جزء من المخيمات الموجودة في منى واستبدالها بأبراج. المواصلات عندما تسير في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة فإنك تلحظ كم من الحافلات المعطلة التي تشكل معضلة كبيرة من ناحية تشتيت الحجاج وتسبب أزمة مرورية خصوصا في أوقات الذورة، لكن مدير عام الإدارة العامة للنقل في وزارة الحج رئيس لجنة التصعيد والنفرة المهندس عبدالرحمن أنديجاني أكد أن هذا العام قد سجل أفضل الأعوام فيما يخص النقل بشكل عام حيث كانت نفرة الحجاج من عرفة في حدود الساعة الواحدة والنصف وهذا معدل جيد. أما بخصوص الأعطال التي تحصل للحافلات المقلة للحجاج فقال الانديجاني: «لن تنتهي هذه المشكلة أبدا ولكنها تكون بنسبة وتناسب». وقال: «إن عمر الحافلة الافتراضي والمقرر من الهيئة العليا لمراقبة الحج فهو 18 عاما بعدها تحال الحافلة للتقاعد كما أن الحافلات التي تتعطل باستمرار تستبدل فورا بحافلات جديدة كما أكد أن الأعطال التي تحصل للحافلات بسبب تضاريس مكةالمكرمة في المرتفعات والازدحام الذي يتسبب في حرق الكلتشات».. وحول وجود قوائم سوداء لبعض الشركات التي تهمل في إيجاد حافلات جيدة قال: «لايوجد لدينا قوائم سوداء ولكن هناك حافلات تنطبق عليها الشروط وتجاز من قبل الفحص الدوري في إدارة المرور وكذلك اللجان الخاصة بتقييم الحافلات والحافلة التي لا تصلح للخدمة تستبدل فورا». أما فيما يختص بعدم وجود مواصلات داخل المشاعر فقد كشف الدكتور حبيب زين العابدين عن مشروع جديد لقطار ثان في المشاعر المقدسة في الناحية الشمالية لكي تربط المشاعر بالحرم وسوف يسهم الخط الثاني في القضاء جزئيا على أزمة المواصلات داخل المشاعر ويقلل من الاعتماد على الحافلات.