في روايته الجميلة «صالح هيصة» يذكر لنا الروائي خيري شلبي آخر الحاكين العظام .. كما أسماه الكاتب جابر عصفور في مقالة راثية للراحل خيري شلبي يذكر لنا شلبي من خلال بطل روايته، صالح هيصة، أن صالح عاش في هيصة طول عمره فيما يحدثه من جلبة وزعيق وفوضى، يريد بها لفت الأنظار إليه، حتى وإن كانت مخالفة للواقع ولا يرغب في حدوثها أيا كان من الشِلل الفاسدة التي تنشد الراحة والانسجام مع الهيام.. أتابع قراءة فصول الرواية ضاحكا، وأقول في نفسي يا عم شلبي لدينا كثيرون بمثل صالحك، وإن اختلفت الأقوال والأفعال ما بين هذا وذاك، فإذا كان بطل روايتك يبحث عن الفتوة وتسيد مراكز الغرز واستنشاق السم الهاري، فإن صالحنا يختلف كلية عن صالحك، الذي أضحى حبه للشهرة بلا مبالاة، وإن أدت هذه اللامبالاة للفوضى وهو ما نشاهده في أقواله وأفعاله على نطاق واسع مخل بالمنظومة الاجتماعية، رغم أنه تخلى عن مركاز العمدة مكرها، إلا أنه لازال يلعب لعبة «اللهو الخفي» يثير الغبار ليحجب سبل التقدم والاستقرار، مما يعرض أهل الدار للاختلافات والخناقات.. هل فهمت قصدي يا عم شلبي؟، فأي الصالحين، بربك أكثر من أحدث فوضى ودمار للدار؟!. المثل القرآني يقول: «والصلح خير» .. (النساء:128). فتصالح أهل الدار.. فكانت البوادر والمبادرات تشي بخيرات كثيرة لتعمير الدار وترميم ما أفسدته تداعيات الخناقات والتجاذبات التي ليست هي في صالح أهل الدار، بقدر ما هي في صالح الأعداء الذين يريدون خراب الدور والأدوار الخيرة في رأب الصدع بين الجيران للجيرة المطمئنة. أترك عنك افتعال الأزمات ودع الخلق للخالق. أهل الدار من الحكماء والعقول المستنيرين يرفضون جملة وتفصيلا من يحاول المس بوحدتهم وتآلفهم بل سبل العبث بعيشهم وتطلعهم لمستقبلهم الزاهر، فالكل لا يود اللعب معك لتكون هيصة، ليس مقبولا منك أن تمسك بخيوط اللعبة من خلف الستار موهما نفسك أنك صاحب المركاز يصول ويجول بعنفوان فتوة «باب الحارة» ولم تعد الكلمات الهينة اللينة تخفي غيظك وألمك من افتقاد مركاز الحارة والصهللة لتمثل دور الحاجب لإحصاء نفس الداخل والطالع. في ممارسة طقوسك التي كانت معتادة لوقت قريب. لقد فات زمانك ليصبح في عداد الماضي السحيق!!. فالهيصة. لم تعد صالحة لهذا الزمن فالأمور تغيرت، فدخول التيار المنير للدار والحارة، كشف المسكوت عنه، وظهر كل شيء على حقيقته ولم تعد أساليب الفتوة والفهلوة والبهرجة تقنع الإنسان البسيط الذي لم ينل حظا في مناحي الحياة، فأهمل واضطر أن يقول عليك أهبل، فما بالك بالإنسان المثقف الواعي لكل شيء وهو الذي بح صوته وكتب أن عمادتك المستهلكة الهالكة، ولكنك أثقلت وتثاقلت وصممت أذنيك وسددت الطريق.. فأتى شباب الجيل كالحريق!!. فيا صالح أنت في زمن غير صالح!!.