الزلازل الثورية التي أصابت الشارع العربي انتزعت صفحات بالية من تاريخ الأمم؛ استعدادا لتدوين صفحات جديدة، تضم فصولا تعيد رسم خارطة جديدة للدماء والعقول، وتطهر الأوعية الملوثة، وتكتب ولادة عالم جديد. لكن المراقب لمجريات الأحداث يصطدم بنتائج لم ترق إلى طموحات الشعوب الثائرة ، فعلى الرغم من أن أحرار «الربيع العربي» وضعوا في أولويات حراكهم قضية الحرية، لكن الواقع يبرهن على أن محرك الثورة وقيادتها ليست بيد هؤلاء الثوار، وأن هناك من يعبث ويحاول تلويث أجواء الربيع بفيروس خبيث. يولد الانشقاق ويزرع بذور الفتن. المأساة أن الحرية التي بحث عنها الشارع العربي لا تشبه الوطن، وتشوبها الكثير من الرذائل عندما أحاط بها أرباب المصالح والنفوذ في الكون، محاولين اختراق حصانتها، تحت عباءات ديمقراطية مشبوهة، وشعارات دعم مشروط، للحفاظ على ارتهان الأنظمة الجديدة بهم لأسباب متعددة سياسية واقتصادية، وتحت ضغط الهبات والمعونات تتدحرج الأقدام بطريقة أو بأخرى إلى مشيئة وإرادة الغرب. ولو تمعنا في مؤشرات البوصلة وتوجهاتها سنكتشف أن المتربصين وحلفاءهم غير مكترثين بما يحدث في سورية، وليس من المهم لديهم أن يسقط النظام أو لا يسقط، وليس مهما لهم من يحكم في مصر أومن يدير الدفة في ليبيا، ولا توجهات القادة الجدد في تونس، بل غايتهم أن من سيحكم يجب أن يؤمن مصالحهم الحيوية، ويطبق استراتيجياتهم حتى على حساب الكرامة. ولذلك يهرعون لتأمين أدوات الاقتتال، وتغذية بؤر الصراع. غايتهم زعزعة الاستقرار في أرجاء الوطن العربي كي يظل غارقا في دماء أبنائه، وتضربه رياح الدمار الشامل. تلك هي السيناريوهات التي أعدها أعداء الأمة. ولن يهنأ شباب الربيع بحريتهم، ولن تتحقق الديمقراطية والعدالة التي سقوها بدمائهم .. إذا ما خضع قادتهم للأجندات التي تقوض الاستقلال تحت شعار الحرية، وحقوق الإنسان. ويجب أن يدرك هؤلاء أن الحرية مبدأ وفكر.. لا علاقة له بالهمجية والإقصاء، والازدواجية في المعايير.