الربيع العربي.. هذا هو المصطلح الذي أطلق على الثورات العربية، بعد أن اندلعت في تونس وتبعتها الثورات الأخرى في أحداث متتالية منفرطة كحبات السبحة، مصر، ليبيا، اليمن، سوريا، الأولى سقط النظام وهرب بن علي، والثانية سقط النظام وبقي مبارك متأرجحا بين المستشفى وقفص الاتهام والاستجواب تحت تأثير البنج، والثالثة سقط النظام وقتل القذافي، واليمن سقط الرئيس وبقي النظام، وسوريا الشعب يموت والرئيس يكذب والنظام مستمر.. فبالله عليكم هل تسمية هذه الحالات بالربيع العربي تسمية في محلها؟! أنا لا أقلل من صحوة الشعوب وإراداتهم القوية التي نهضت واستيقظت من سباتها، ولكني أصنف هذه الحالات بأنها إسقاط أو محاولة إسقاط رأس الدولة فقط وليست ثورات شعبية منظمة وشاملة، فالثورات الناجحة لا تستهدف رأس النظام فقط، وإنما تضع لها استراتيجيات لاحقة تتضمن سرعة بناء الدولة الجديدة بالمفهوم الديموقراطي الذي يحقق الحرية والعدالة للشعوب ويضمن لهم الاستقرار وعدم التناحر فيما بينهم، وإلا لتحولت الثورات إلى انقلابات فوضوية من أجل التسابق على اعتلاء السلطة، والثورة بالتأكيد ليست مجرد دخول الشباب الثائر إلى مواقع التواصل الاجتماعي، كل من منزله و مكتبه وهو يحتسي الشاي والقهوة، ليتواعد الجميع على زمان ومكان الالتقاء لرفع شعارات الإسقاط للنظام دون أن يكون هناك برنامج لما بعد السقوط، فهذا في اعتقادي ليس إلا خريفا عربيا جافا تتساقط أوراقه كما سقطت سلطة الرئيس السابق، وليس كما أسموه بالربيع العربي. فلو نظرنا إلى نتائج هذه الثورات ومعطياتها حتى الآن لوجدناها لا تسر، ففي تونس بدأت الخلافات بين التيارات المختلفة وأصبح التخوف هو سيد الموقف من البرنامج السياسي الذي تم عرضه بعد الإعلان عن تنصيب الرئيس الجديد، وفي ليبيا انقسمت الثورة على بعضها، وصارت كل مدينة من مدن ليبيا تدعي الحكمة وتمثيل الوطن، حتى أضحت كل مدينة تشكل دولة مستقلة بذاتها سياسيا وعسكريا، وفي مصر حسب ما أعلن المجلس العسكري هناك خطة مزدوجة داخلية وخارجية بزعم الاحتفال بذكرى الثورة السنوي في 25 يناير القادم، وهي كما قال المجلس خطة للتخريب من أطراف داخلية مضحوك عليها وخارجية معادية لتفتيت مصر وإثارة الطائفية وإحداث الفوضى بالمواجهة مع الجيش المصري، وفي اليمن أدرك اليمنيون أن صالح ذكي حيث استوعب الدرس واكتفى بالكرت الأحمر الذي كاد أن يودي بحياته في حادث الاغتيال، ومن هنا انسل من السلطة ولكن النظام قائم ولم يحدث عليه أي تغيير، مما أدخل الثوار اليمنيين في دوامة، فاختلطت أوراق ثورتهم واختلفت على اثر ذلك أهدافهم التي كانوا يجمعون على تنفيذها، وفي ثورة سوريا يبدو الأمر مختلفا تماما عن جميع الثورات السابقة، فقتل الشعب هناك أكثر ومتواصل وبنسب متزايدة، وتماسك الجيش السوري وإصراره على مواصلة العنف ضد المواطنين والدفاع عن النظام أمر ملحوظ وواضح، إذن ما الحل في سوريا بالذات؟ هل تدول القضية أم يتراجع الثوار؟ هذا ما تكشفه الأيام القادمة من خلال الخريف العربي أو (الربيع) لمن لا يؤيدني على الخريف.