طغى الحدث السوري والثورات التي شهدتها دول عربية على الكلمات التي ألقيت أمس، في الذكرى السابعة لاغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري والوزير باسل فليحان ورفاقهما، في تجمع ضخم أقيم في مجمع «بيال» دعت إليه «قوى 14 آذار» وحضره حشد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية وفي مقدمهم السفير السعودي علي بن عواض عسيري والسفيرة الأميركية مورا كونيللي، وشخصيات اقتصادية واجتماعية، وقيادة «تيار المستقبل» ووفود من مختلف المناطق، ووجهت من خلال الاحتفال أكثر من رسالة، فخاطب المتكلمون الداخل وتحديداً «حزب الله» و»الطائفة الشيعية»، كما خاطبوا الخارج وتحديداً الشعب السوري الثائر. وسمع في المقابل الحضور رسالة من «المجلس الوطني السوري» في شأن «العلاقة المستقبلية بين لبنان وسورية المستقبل». وإذ أعلن الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري في كلمة ألقاها من خلال شاشة من منزله في باريس، وباسم «تيار الاعتدال والعيش الواحد والمشاركة التعددية وحرية المعتقد والتفكير والحريات العامة» التضامن «مع الشعب السوري أمام نظام آيل حتماً إلى السقوط»، أكد أنه يتحمل «كامل المسؤولية في منع الفتنة بين اللبنانيين ومنع الفتنة السنية - الشيعية خصوصاً». وأكد التمسك بمشروع الدولة، في حين اعتبر رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» الرئيس أمين الجميل «أن لا مصلحةَ للبنان بأن يتورّطَ بأيِّ عنفٍ سياسيٍّ أو اقتتال داخلي»، مشيراً إلى «أن تدخّلِنا في شؤونِ الآخرين لن يؤثر على مجرى الصراع بين الأنظمة والثورات، بينما يؤثر تدخل الآخرين في شؤوننا على أمن لبنان واستقراره»، أما رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع فخاطب «حزب الله» قائلاً: «دقت ساعة الحرية والديموقراطية والدولة السوية في المنطقة، فلا تخطئوا الحساب». وصفق الحضور لمواقف كثيرة وهتفوا وصوبت القيادات بعض الهتافات فرفض جعجع هتافاً ضد «حزب الله» قائلاً: «لا يا رفاق»، وحين طلب إلى «روح الوزير الراحل أخيراً نسيب لحود الصلاة من أجلنا» صفق الحضور مطولاً، وحين أتى متكلمون على الحديث عن المجلس الوطني السوري، هتف حضور خلفي «الجيش الحر الله محييه». أطل الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري من خلال شاشة عملاقة محيياً حضور قاعة «بيال»، ومتوجها إليه بالقول عن عدم قدرته على المجيء إلى لبنان والوقوف إلى ضريح والده: «حزين حتى الاختناق. ولا شيء يعوض هذا الحزن سوى البقاء معاً على الدرب الذي اخترناه قبل سبع سنوات من أجل لبنان والعدالة والحرية والسيادة والاستقلال والديموقراطية والعيش الواحد والوحدة الوطنية، بل إن شيئاً لا يحوّل هذا الحزن إلى أمل سوى رؤية النموذج الذي انتفضنا في سبيله قبل سبع سنوات يتحقق في العديد من البلدان الشقيقة التي انتفضت على الواقع الدكتاتوري والأنظمة الفاسدة الظالمة القاتلة من تونس العزيزة إلى سورية الجريحة، في ما أصبح الربيع العربي». واسترجع ما حصل منذ تاريخ اغتيال الرئيس الحريري قائلاً: «كل ما فعلتم هو أنكم لم تسكتوا ولم ترضخوا ونزلتم إلى الساحات تهتفون بالحناجر الصاخبة والصدور العارية: الشعب يريد. اسمعوا ما يقوله ثوار الربيع في كل مكان. مطلبهم الأساس واحد وهو الكرامة والحرية، يقولون: نحنا ناس، نحنا بشر. مطلبهم الحرية. يقولون: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ الكرامة الآتية من حق الإنسان بالعيش الكريم. بالعمل من دون تسوّل، بالتربية لأولاده من دون توسّل، بالرعاية الصحية، بالتنمية الاقتصادية. الكرامة الآتية من الحرية، من حرية المعتقد والفكر والتعبير وحرية الترشح والانتخاب، من حرية الإنتاج والإبداع والعمل. هذه كانت وما زالت مبادئنا في 14 آذار، وهذه هي مطالب الربيع في كل مكان، والأهم هي القيم والأفكار والطروحات التي قام عليها وجسدها وما زال يجسدها مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري». وإذ أكد التلاقي «مع النموذج الذي أطلقناه قبل سبع سنوات، مع ثوار الربيع في كل مكان ومطالبهم بالحرية والكرامة»، قال إن «مسؤوليتنا جميعاً، كلبنانيين، وفي 14 آذار أن نمنع الفتنة لكي نذهب إلى الحرية والكرامة». وتحدث عن «مسؤوليته الشخصية»، مؤكداً «إنني أتحمل كامل المسؤولية عن المرحلة السابقة بحُلوها ومرها، مسؤولية التنازل في مكان ورفض التنازل في مكان آخر. مسؤولية قبول رئاسة مجلس الوزراء ومسؤولية الخروج من رئاسة مجلس الوزراء. واليوم أنا سعد رفيق الحريري أتحمل أمامكم مسؤولية التضامن مع الشعب السوري وتأييد حقه في إقامة نظام ديموقراطي. كما أعلن أمامكم استعدادي لتحمل كامل المسؤولية في منع الفتنة بين اللبنانيين عموماً ومنع الفتنة السنية - الشيعية في لبنان خصوصاً. هذه مسؤولية تحملتها في السابق وأتحملها أمامكم مجدداً اليوم». وتوقف عند انتقال لبنان «إلى منعطف سياسي جديد على وقع حدثين كبيرين: حدث الربيع العربي، وبدء العد التنازلي لحكم الحزب الواحد في سورية، وحدث ربيع العدالة في لبنان والإعلان عن صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد، والمحاكمة الغيابية للمتهمين». وقال: «بين هاتين المحطتين، واجه لبنان موجات من الحروب الكبيرة والصغيرة، وعمليات تسلل وسيطرة على مراكز القرار السياسي والأمني في الدولة، ومحاولات تعطيل المحكمة الدولية ومسار العدالة، وبدا من خلال ذلك، أن لبنان سيقع من جديد، ضحية فخ إقليمي وسياسات داخلية متهورة، تريد العودة به إلى زمن الهيمنة والتسلط، وتعمل على محاصرة المكتسبات التي تحققت بعد 14 آذار». وقال: «هذا الأمر، توقف عند حدود الربيع العربي، وتحديداً عند حدود الانتفاضة الاستثنائية للشعب السوري، ولن أبالغ في شيء، إذا أكدت أمامكم اليوم، أن كل أشكال السياسات المتهورة، لن تتمكن من العودة بلبنان إلى زمن التبعية والهيمنة». أيدينا ممدودة للمجلس الوطني وأكد الحريري أن «الشعب السوري سينتصر على رغم هول المجازر، والنظام السوري آيل حتماً إلى السقوط. نعيش لحظة انتقال تاريخي من زمن إلى زمن آخر، وقيام نظام ديموقراطي تعددي في سورية سيشكل حصانة كبرى للتجربة الديموقراطية اللبنانية. واللبنانيون بمختلف أطيافهم، معنيون بفهم الأبعاد العميقة لهذا الانتقال، وللتقاطع التاريخي بين الديموقراطية اللبنانية والديموقراطية السورية». ولفت إلى «أن انتصار الشعب السوري، في معركة الديموقراطية والكرامة الوطنية، يرسم خطاً مستقيماً ومتوازناً للعلاقات الثنائية بين البلدين، ويرتقي بهذه العلاقات، فعلاً وممارسةً، إلى مستوى العلاقات المميزة الحقيقية بين بلدين شقيقين وجارين، يتعاونان في إطار التوأمة الديموقراطية، وليس بفعل استقواء القوي على الضعيف أو الكبير على الصغير. وعكس المجلس الوطني السوري هذه المقاربة للعلاقات. وهذه مناسبة لنؤكد فيها، أن أيدينا ممدودة للتعاون مع المجلس الوطني، الذي نرى فيه أمل سورية ببناء نظام ديموقراطي جديد». وتحدث عن محاولة «تجري لإخافة اللبنانيين من تداعيات المرحلة المقبلة»، وقال: «للمسيحيين في لبنان يقولون إن إخوانهم السنة سيشعرون بفائض قوة آت من سورية وسيستحكمون ويتجهون نحو التطرف. لهؤلاء نقول: نحن تيار الاعتدال والعيش الواحد والمشاركة والتعددية. نحن أهل الطائف والمناصفة التامة بين المسلمين والمسيحيين في لبنان مهما كانت سورية، نحن تيار حرية المعتقد والممارسة الدينية وحرية التفكير والكلمة والتعبير والحريات الفردية والعامة مهما كانت سورية، نحن تيار الاستقلال والسيادة والديموقراطية مهما كانت سورية، أطلقنا شعار لبنان أولاً ودفعنا الثمن بدماء تبقى شاخصة أمام أعيننا في كل يوم وكل لحظة وكل مناسبة ولا نتذكرها كل 14 شباط من كل سنة فحسب». وتوجه إلى الشيعة في لبنان، قائلاً: «يقولون لهم إن انتصار الثورة في سورية سيتحول في لبنان هجوماً سنياً عليكم للثأر لدم الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولتجريدكم من سلاحكم. ونقول بوضوح: لا نحمّل إخوتنا الشيعة في لبنان أي مسؤولية في دماء رفيق الحريري، بل نعتبر دماءه دماءهم كما هي دماؤنا ودماء جميع اللبنانيين، واخترنا طريق العدالة لا الثأر وها هي العدالة تسلك طريقها بتحديد المسؤولين ومحاسبة المسؤولين وحدهم من دون سواهم ومن دون تعميم المسؤولية لا على فريق ولا على طائفة ولا على مجموعة. كما نقول بوضوح: لا نعتبر أن للسلاح هوية مذهبية أو طائفية، والواقع الحقيقي القائم في لبنان، أن هناك سلاحاً حزبياً، محدد الهوية السياسية، يتخذ من جغرافيا الانتشار المسلح، غلافاً واقياً لمذهبة السلاح، وهو ما نرفضه ونعترض عليه بالكامل، ونجد في استمراره خطراً كبيراً على المشاركة بين اللبنانيين. ونعرف أن الشيعة اللبنانيين هم كما جميع اللبنانيين، مع السيادة والاستقلال والحرية والكرامة في لبنان، كما في سورية، هم مع الديموقراطية في لبنان، كما في سورية. الشيعة اللبنانيون طائفة أساسية تتساوى بالأهمية مع كل الطوائف في النسيج اللبناني والنظام اللبناني. ومصير لبنان، نصنعه معاً: بالاتفاق لا المجابهة، بالحوار لا الفتنة». الطوائف ليست ملكاً لاحد واعتبر الحريري أن «الطوائف في لبنان، تعبير إنساني وروحي عن جوهر الرسالة التي يمثلها بلدنا. وهي ليست ملكيات سياسية لهذا الحزب أو ذاك. فلا الشيعة هم أملاك سياسية لحزب الله وحركة أمل، ولا السنة هم أملاك سياسية لتيار المستقبل، ولا المسيحيون، هم أيضاً أملاك سياسية لهذه الجهة أو تلك. نحن جميعاً، وفي كل لبنان لا يمكن أن يجمعنا سوى مشروع واحد هو مشروع الدولة، ويحمينا حام واحد هو الدولة ويرعانا راع واحد هو الدولة. مشروعنا ومصيرنا وقدرنا جميعاً هو: الدولة الدولة الدولة». ورأى أن وجود السلاح «سواء كان فردياً أم متوسطاً أم ثقيلاً، في أيدي فئات حزبية وسياسية، أمر ثبت بالتجربة أنه يتناقض كلّياً مع ألف باء قيام الدولة، والمصدر الدائم لإنتاج الفتن والصراعات الأهلية». وأشار الحريري إلى أن «انتشار السلاح الفلسطيني في سبعينات القرن الماضي، خصوصاً في الجنوب والضاحية والعاصمة، أسس لسقوط لبنان والدولة في محنة كبرى، ووضع فئات عديدة من اللبنانيين في مواجهة التنظيمات الفلسطينية وفوضى قيام الميليشيات، حوّلت الجمهورية اللبنانية إلى جحيم مسلح، وأطلقت مسلسلاً طويلاً من الحروب بين الإخوة وأبناء الفريق الواحد. وتواجد القوات السورية المزمن على أراضي لبنان، كشريك مضارب للجيش اللبناني والمؤسسات الشرعية، ساهم في تنظيم فوضى مسلحة، نشرت البؤر العسكرية والأمنية على حساب الدولة. والواقع الراهن، لانتشار السلاح هو نسخة متجددة، عن كل تلك التجارب». وأضاف: «إسرائيل عدونا جميعاً، وخطر علينا جميعاً، نواجهه جميعاً، لنستبسل جميعاً دفاعاً عن الوطن، وننتصر جميعاً في كنف الدولة اللبنانية الواحدة. أما أن يكون السلاح، بذريعة مواجهة إسرائيل سلاحاً لقتال أنفسنا والقضاء على دولتنا، فهذه خدمة لإسرائيل ولا لأحد سوى إسرائيل. إن وجهة نظرنا هي أن الدولة، لتكون دولة، عليها أن تملك حصرية السلاح التي هي بالنهاية حصرية السلطة. حصرية الحفاظ على الأمن الفردي والوطني، حصرية سن القوانين وتطبيقها، حصرية إقامة الحق وإحقاقه. ولأن توزيع حصرية السلطة من الدولة إلى مجموعات هو حكم نهائي على لبنان بأن يعيش أبداً في العنف وحكم نهائي على الدولة في لبنان أن تذوي إلى ما هي عليه اليوم وأقل، فإننا نجدد الدعوة اليوم إلى «حزب الله» بأن يبدأ تنظيم وضع سلاحه في تصرف الدولة ليجنب لبنان وجميع اللبنانيين خطر العنف ويجنب الدولة في لبنان خطر الانهيار وليضمن معنا ومع جميع اللبنانيين قيام الدولة وانتصار مشروع الدولة وبقاء لبنان رائداً بين العرب في ربيع العرب». وأكد «أن مسار العدالة في قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، سلك طريقاً لا عودة عنه، وهو الطريق الذي سيؤدي حكماً إلى كشف المتهمين والمتورطين، وإرساء القواعد التي تحمي لبنان من مسلسل الاغتيال السياسي، ومحاولات التهرب من مجريات العدالة الدولية، لن تجدي نفعاً. هذا ما يجب أن يكون مفهوماً للحكومة اللبنانية، وللجهات الرسمية المعنية بالتعاون والتنسيق مع المحكمة الدولية. ومن موقع تأكيد أواصر الأخوة التي تربطنا بجميع اللبنانيين، ومن موقع المسؤولية تجاه دماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء لحرية لبنان واستقلاله، أدعو قيادة «حزب الله»، إلى إجراء مقاربة جديدة لتعاملها مع المحكمة الدولية، لأن التشبث بحماية المتهمين لن يلغي قرار الاتهام». وشدد على «أن إصرار حزب الله على رفض تسليم المتهمين، أمر من شأنه تعميم الاتهام في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو ما لا يجوز لقيادة حزب الله أن تقع فيه، وأن تحوّل المحاكمة المرتقبة خلال الشهور المقبلة، إلى مضبطة اتهام سياسية وأخلاقية ووطنية من الدرجة الأولى». واعتبر أن المتغيرات الحاصلة «تستحق إجراء قراءة جديدة للأوضاع، والتطلع إلى المستقبل، بروح تأكيد وجوب حماية لبنان، من الانزلاق نحو أي أخطار، وكذلك بروح الالتزام بنظامنا الديموقراطي»، معرباً عن ثقته ب «أنني سأكون قريباً بينكم في بيروت، وأن العدالة ستنتصر والربيع سيزهر ولبنان سيبقى عربياً حراً سيداً مستقلاً رائداً في رسالته بين الأمم». الجميل وقال الجميل في كلمته: «في السنواتِ الماضية أحيينا ذِكرى غيابِ الرئيس الشهيد رفيق الحريري. أما هذه السنة، فنحتفل بعودتِه. عاد مع انتشارِ الثوراتِ العربية، ومع تجديدِ مفهومِ لبنان أولاً، ومع القرارِ الاتهامي، وغداً، سيُطِلُّ مع الحكمِ النهائي وإحقاق الحق». وقال: «حين يعود شهيدٌ، كل شهداءِ القضيةِ الواحدةِ يعودون، يرجِع بيار وأنطوان وجبران وسمير وجورج ووليد وباسم، وكلُّ الرفاقِ والمواطنين الأبرياء الذين سقطوا شهداءَ الغدرِ المعلوم. وفيما يَنجلي الاتهامُ باغتيالِ رفيق الحريري، لا نزال نَترقّب التحقيقَ باغتيالِ نجلي بيار ورفيقي أنطوان وسائرِ الشهداء. وإني على يقينٍ بأنَّ ما من قوةٍ تستطيع وقفَ مسارِ المحكمة. إن الأحكامَ ستصدُر، والأقنعةَ ستسقُط، وتَتحقَّق العدالة». وتوجه إلى «صديقي سعد، وتيار المستقبل وحلفائنا في ثورةِ الأرز» بالقول: «معاً ثرنا في السنواتِ الأخيرة وانتفضنا وتظاهرنا وقاومنا ووحَّدنا الشعب واضطُهِدنا، ومعاً سَقط شهداؤنا وحرَّرنا الأرض وساهمنا بإطلاقِ المحكمةِ الدولية وثَبّتنا أسسَ الميثاقِ الجديد، ومعاً سنبقى! سنبقى أوفياءَ لشعب ساحة الحرية، أوفياءَ لروحِ الشهداء، أوفياءَ للمبادئِ والثوابت، أوفياءَ للبنانَ الواحد الموحَّد». وأكد الجميل أن «14 آذار ليست الأحزابَ والتياراتِ السياسيةَ المجتمِعةَ هنا فقط، بل ثورةُ الأرز، هي كلُّ اللبنانيين المؤمنين بسيادةِ لبنان واستقلالِه، بحريتِه وديموقراطيتِه، بمشروعِ الدولةِ القوية، بالمجتمعِ التعددي. هي كل المؤمنين بولاءِ شعبِه للوطن اللبناني فقط، بدورِ المرأة، ونضالِ الشباب. هي كل اللبنانيين المؤمنين بلبنانَ فوق كل الصراعات، بنهضةِ الشعوب العربية، بحركةِ السلام وحقوقِ الإنسان، بلبنان». واعتبر أن «ثورتُنا غَيّرت وَجهَ لبنان فاشتَهتْهُ شعوبُ المنطقة، وقَرّرت السيرَ على خُطانا، فالتهبَ الشرقُ العربي بشُعلةِ الحرية»، وقال: «تحرّرنا من جيوشٍ وهي تَتحرّر من أنظمة. لكن الحريةَ ليست شعاراً بل ممارسة. مع هذه الثوراتِ المتنقِّلة من مجتمعٍ عربي إلى آخر، بدأنا نعرِفُ جيداً لماذا حاولوا عبثاً إجهاضَ ثورةِ الأرز، ولماذا اغتالوا قادتَها ويواصلون تهديدَ قادةٍ جدد. اليوم بدأنا نعرف جيداً لماذا عمَلوا على ضربِ الاستقرارِ وإسقاطِ الحكومات وتعطيلِ بناء الدولة. كانوا يخافون من أن تصِلَ عَدوى ثورةِ الأرز إلى أنظمتِهم ومجتمعاتِهم، لكنها وصَلت، وصلت رسائل مدويّة! والبقيّة تأتي». وأضاف: «لأننا نَحرَصُ على مصالحنا الوطنية وعلى مستقبل الثوراتِ العربية، أَعلنتُ في 27 كانون الثاني (يناير) الماضي الشِرعةَ - الإطار للشعوبِ العربيةِ والأنظمةِ المقبلة، فالتقت بأهدافِها وقيمِها مع وثيقةِ الأزهر الشريف. هذه الشِرعةُ - الإطار هي مساهمة لبنانية عملية في نهضةِ الشعوبِ العربية الثائرةِ على الظلمِ والأحادية. فلا سلاحَ لدينا نُصدِّرُه، ولا مرتزقةَ لدينا نُرسلُهم إلى هنا وهناك. وأساساً ليس هذا هو دورُ لبنان في محيطه. لا يجوزُ أن نقعَ في ما اتَهمْنا نحن غيرَنا بالقيامِ به ضِدَّنا، فعانينا من التدخّلِ في شؤونِنا، من استباحةِ حدودنا، من تهريبِ السلاحِ والمسلحين، ومن تأليبِ فريقٍ لبنانيٍّ على فريقٍ لبنانيٍّ آخر، وحتى على دولتِه». وأكد أنه «بقدر ما نؤيدُ ونتعاطفُ مع الشعوبِ العربيةِ المناضلةِ من أجل الحريةِ والديموقراطية، ولا فضلَ لنا بذلك طالما أننا آمنّا بهذه القيمِ والمبادئ على مرّ الزمنِ، نؤمن أن لا مصلحةَ للبنانَ بأن يتورّطَ بأيِّ عنفٍ سياسيٍّ أو اقتتال داخلي. إن تأثيرَ تدخّلِنا في شؤونِ الآخرين لن يؤثّرَ على مجرى الصراعِ بين الأنظمةِ والثورات، بينما يُؤثِّر تَدخّلُ الآخرين في شؤوننا على أمنِ واستقرارِ لبنان، وتجاربنا مرّة من هذا القبيل». ودعا «القوى والنخب العربيةَ المؤمنةَ بقيمِ الحريةِ والديموقراطيةِ والدولةِ المدنية إلى إطلاقِ ورشةِ حوارٍ حول مستقبلِ منطقتنا العربية وإنسانها، ويبقى لبنان أرضاً مفتوحةً لاستقبالِ مثلِ هذه اللقاءات»، مؤكداً «لسنا مع الثوراتِ لأنها ضِدَّ الأنظمةِ فقط، بل لأنها مع الحريةِ والديموقراطية. ولسنا ضِدَّ الأنظمةِ لأنها ضِدَّ شعبِ لبنان واشتركت في المؤامرةِ عليه فقط، بل لأنها ضِدَّ شعوبِها وضِدَّ الإنسان. ولبنان جَبهةُ الدفاعِ عن الإنسانِ في الشرق». ودعا إلى «تحصّين ساحتنا»، مجدداً المطالبة «بتنفيذِ قراراتِ الحوارِ الوطني والقراراتِ الدوليةِ، فيتِمُّ حصرُ السلاحِ بالدولة، وتفعيلُ المؤسساتِ الدستوريةِ والإدارية لتتمكّنَ من النظرِ إلى الناسِ فتعملُ على حلِّ مشاكلهِم اليومية وهي تكاد تَطغى على همومِ المستقبل والمصير». وقال: «الشعبَ يَئنّ تحت وطأةِ الأزَماتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ فيما الفساد يَستشري من دون إصلاحٍ، واللامبالاة تسود من دون تغييرٍ، كما أن الحكومةَ تُعطِّل نفسَها وتُعطِّل حياةَ الناس والبلاد، والنهضة الجديدة تبدأ بعودةِ الحياةِ الديموقراطية إلى دورتِها الطبيعيةِ من خلال تجديدِ اللقاءِ الوطني بين كلِّ الذين يؤمنون بمبادئِ الحريةِ والديموقراطيةِ وسلطةِ الدولة. لقاء يعيد تكوينَ الأكثريةِ النيابيةِ الأساسية. ويعيدها إلى الحُكمِ لأنها هي المؤتمنةُ على مشروعِ الدولة». وسأل: «هل يُعقل أن نؤيد الشعوبَ العربيةَ للخروجِ من سلطةِ سلاحِ الأنظمة، ونبقي شعبَ لبنانَ تحت سلطةِ السلاح؟ الزمن العربيُّ هو زمنُ الثورة، والزمن اللبنانيّ هو زمنُ التغييرِ، فلنغيّر». جعجع ورأى جعجع «أن الجرائم والمجازر والفظائع التي ترتكب بحق الأبرياء المناضلين في سورية، توضع اليوم تحت شعار خدمة المقاومة والممانعة كما جرى ويجري في لبنان أيضاً عند الحاجة. فبئس مقاومة كهذه. وتباً لممانعة كهذه، إنّها مقاومة في مواجهة الشعوب ومطالبها المحقة، وفي مواجهة التغيير وتحقيق الحرية والكرامة والعدالة، وفي مواجهة قيام دولة فعلية في لبنان». وأضاف: «إنّها ممانعة لكل أمنٍ واستقرارٍ وعدالةٍ وبنيانٍ وإنماءٍ وعمرانٍ واقتصادٍ وحداثةٍ وتقدّمٍ وتطوّر. وإنّها مقاومة وممانعة لحق الشعوب في عيش حياتها، وتحقيق ذواتها، ورسم مستقبلها. إنها مقاومة وممانعة تدك المدن والقرى وتقتل الأطفال والنساء، أنّها الاحتلال بحد ذاته لإرادتنا، وأمانينا وتطلّعاتنا وأحلامنا. من الأشرفيه والبسطا الفوقا - ثكنة فتح الله وعين الرمانة وعاليه وزحلة وباب التبّانة وقنات والقاع إلى حمص وحماه وإدلب واللاذقية ودير الزور ودرعا... من كمال جنبلاط، وبشير الجميّل ورفيق الحريري وسمير قصير وجورج حاوي إلى محمد البوعزيزي وخالد قاسم والطفل حمزة الخطيب وإبراهيم القاشوش، إنسانٌ واحد، قضيّة واحدة، في كل زمان ومكان، وكما انتصرت في نهاية المطاف الأشرفيه وطرابلس وعاليه وزحلة وتونس والقاهرة وبنغازي، هكذا ستنتصر حمص وحماه وإدلب ودير الزور ودرعا». ودعا «العالم بأجمعه، خصوصاً دول المنطقة، إلى بذل كل الجهود وفعل كلّ ما يلزم لوقف القصف والقتل وإراقة الدماء في سورية، وترك شعبها يقرر مصيره بنفسه». ولفت إلى أنه «إذا أصبحت سورية حرّة، تعددية، ديموقراطية، تحترم الجيرة، كما ورد في الرسالة المفتوحة التي وجهها المجلس الوطني السوري إلى اللبنانيين، فهذا يعني تلقائيّاً لبنان مستقراً، وحدوداً مرسّمةً، وسلاحاً شرعيّاً حصريّاً، ووقفاً لتصدير التطرّف والإرهاب من كلّ الأنواع والأجناس. إنّ نظاماً ديموقراطياً حرّاً في سورية، هو خير دعم لاستقلال لبنان، وهو فرصة حقيقية لطي الصفحات السود التي سطّرها النظام الحالي في تاريخ البلدين. إنّ نظاماً ديموقراطياً حرّاً في سورية هو ضمانة أخوّة وتعاون وتنسيق حقيقي ندّي وجدّي بين البلدين. وهو حتمية تاريخية لمصلحة سورية ولبنان ودول المنطقة كافةً»، داعياً «العالم بأجمعه، خصوصاً دول المنطقة، إلى بذل كلّ الجهود وفعل كلّ ما يلزم لوقف القصف والقتل وإراقة الدماء في سورية، وترك شعبها يقرر مصيره بنفسه». «حكومة بائسة» وانتقل جعجع للحديث عن الداخل قائلاً: «في القداس الأخير لراحة نفوس شهداء المقاومة اللبنانية، وصف البطريرك نصر الله صفير أيّامنا الحالية بالبائسة. وكالعادة أصاب. حكومة بائسة، معارك بائسة يختلط فيها الحابل بالنابل، فلا تدري من مع من، ومن ضد من. صراعات بائسة على كلّ شيء. على المغانم والمناصب والحصص والصلاحيات والإمرة. منافسة بائسة حتّى على الفساد. وزراء بائسون يغطّون الفضائح بالشعارات، والشعارات بالأكاذيب، والأكاذيب بالمزايدات، والمزايدات بالهروب إلى الأمام. حتّى البؤس أضحى أكثر بؤساً وتعتيراً». «شركاء أعزاء» وتوجّه جعجع إلى «حزب الله» قائلاً: «كفانا قمصاناً سوداً. دقّت ساعة الحرية والديموقراطية والدولة السويّة في المنطقة، فلا تخطئوا الحساب. أنتم شركاء أعزّاء، فلماذا تصرّون على إقصاء أنفسكم بأنفسكم عن بقية اللبنانيين. لا مستقبل لأي سلاحٍ غير شرعي. لا مستقبل لأي دويلة. لا مستقبل إلاّ للدولة. لا مستقبل إلاّ للبنان سيّد حرّ مستقل، لا لولاية من هنا ولا لمحور من هناك». وشدد جعجع على أن «الحكومة اللبنانية الحالية هي حكومة غريبة الأطوار، تسير عكس المسار الديموقراطي الطبيعي للمنطقة، وعكس المسار التاريخي للبنان. إنّها حكومة مسخ تشبه أيّ شيء إلاّ سلطة تنفيذيّة حقيقية مؤتمنة على مصالحكم ولقمة عيشكم. إنّها حكومة الموت السريري، تنضح شللاً وعتمةً وفساداً وإهداراً وابتزازاً وتلاعباً بأمنكم ومستقبلكم. إنّها حكومة الفضائح، تفوح منها كلّ يوم روائح المازوت، وصفقات الكهرباء، وملهاة الأجور ومأساة التعيينات. والأدهى من هذا كلّه أنّه، وفي الوقت الذي يرفض ضباط وعناصر من الجيش السوري نفسه تنفيذ أوامر نظامهم، نجد بعض من في هذه الحكومة وبعض إداراتها يتسابقون لتلبية رغبات النظام وطلباته، ولو وصلت إلى حد مطاردة الأبرياء واللاجئين والنازحين والمشرّدين الهاربين من جحيم الأحداث في سورية»، وأكد أن «كلّ يوم إضافي في عمر هذه الحكومة هو عام بالناقص من عمر لبنان الوطن، من عمر لبنان الحرية، ومن عمر لبنان الاقتصاد. إنّ هذه الحكومة تتخبّط باتجاهات كثيرة، لكنّ المطلوب واحد فقط: الرحيل ثمّ الرحيل ثمّ الرحيل». ورأى «أنّ كلّ ما يجري في المنطقة يؤكّد صوابية مشروع ثورة الأرز ويؤلمنا جدّاً بعض الأصوات اللبنانية النشاز الذي ينطلق من حينٍ إلى آخر، على الطلب، طاعناً معنى وجود لبنان في الصميم، ضارباً بعرض الحائط تاريخنا وتقاليدنا وكلّ المبادئ والقيم التي قام على أساسها لبنان. لكنّ الروائح النتنة، على نتانتها، لم تتمكّن يوماً من إفساد الهواء».